فصل: بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ***


بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ

المتن

أَرْكَانُهَا ثَلَاثَةَ عَشَرَ‏:‏ النِّيَّةُ

الشرحُ

‏(‏بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ‏)‏ أَيْ كَيْفِيَّةُ ‏(‏الصَّلَاةِ‏)‏ وَهِيَ تَشْتَمِلُ عَلَى أَرْكَانٍ، وَهِيَ الْمَذْكُورَةُ هُنَا، وَعَلَى شُرُوطٍ، وَهِيَ الْمَذْكُورَةُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ الْآتِي وَأَبْعَاضٍ وَهِيَ السُّنَنُ الْمَجْبُورَةُ بِسُجُودِ السَّهْوِ، وَهَيْئَاتٍ وَهِيَ السُّنَنُ الَّتِي لَا تُجْبَرُ، وَالرُّكْنُ كَالشَّرْطِ فِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ، وَيُفَارِقُهُ بِأَنَّ الشَّرْطَ هُوَ الَّذِي يَتَقَدَّمُ عَلَى الصَّلَاةِ، وَيَجِبُ اسْتِمْرَارُهُ فِيهَا كَالطُّهْرِ وَالسَّتْرِ، وَالرُّكْنُ‏:‏ مَا تَشْتَمِلُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ، كَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، فَخَرَجَ بِتَعْرِيفِ الشَّرْطِ التُّرُوكُ كَتَرْكِ الْكَلَامِ فَلَيْسَتْ بِشُرُوطٍ كَمَا صَوَّبَهُ فِي الْمَجْمُوعِ بَلْ مُبْطِلَةٌ لِلصَّلَاةِ كَقَطْعِ النِّيَّةِ، وَقِيلَ‏:‏ إنَّهَا شُرُوطٌ كَمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ وَوَافَقَهُ ابْنُ الْمُقْرِي كَأَصْلِهِ فِي بَابِ شَرْطِ الصَّلَاةِ، وَيَشْهَدُ لِلْأَوَّلِ أَنَّ الْكَلَامَ الْيَسِيرَ نَاسِيًا لَا يَضُرُّ وَلَوْ كَانَ تَرْكُهُ مِنْ الشُّرُوطِ لَضَرَّ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ تَعْرِيفُ الشَّرْطِ بِمَا ذَكَرَ يُخْرِجُ التَّوَجُّهَ لِلْقِبْلَةِ عَنْ كَوْنِهِ شَرْطًا كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ مَعَ أَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّهُ شَرْطٌ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ التَّوَجُّهَ إلَيْهَا حَاصِلٌ فِي غَيْرِهِمَا أَيْضًا عُرْفًا، إذْ يُقَالُ عَلَى الْمُصَلِّي حِينَئِذٍ إنَّهُ مُتَوَجِّهٌ إلَيْهَا لَا مُنْحَرِفٌ عَنْهَا مَعَ أَنَّ التَّوَجُّهَ إلَيْهَا بِبَعْضِ مُقَدَّمِ بَدَنِهِ حَاصِلٌ حَقِيقَةً أَيْضًا، وَذَلِكَ كَافٍ‏.‏

فَائِدَةٌ‏:‏

قَدْ شُبِّهَتْ الصَّلَاةُ بِالْإِنْسَانِ، فَالرُّكْنُ كَرَأْسِهِ، وَالشَّرْطُ كَحَيَاتِهِ، وَالْبَعْضُ كَأَعْضَائِهِ، وَالْهَيْئَاتُ كَشَعْرِهِ ‏(‏أَرْكَانُهَا ثَلَاثَةَ عَشَرَ‏)‏ كَذَا فِي الْمُحَرَّرِ بِجَعْلِ الطُّمَأْنِينَةِ كَالْهَيْئَةِ التَّابِعَةِ، وَجَعَلَهَا فِي التَّنْبِيهِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، فَزَادَ الطُّمَأْنِينَةَ فِي الرُّكُوعِ وَالِاعْتِدَالِ وَالسُّجُودِ وَالْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَنِيَّةَ الْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ، وَجَعَلَهَا فِي التَّحْقِيقِ وَالرَّوْضَةِ سَبْعَةَ عَشَرَ؛ لِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ نِيَّةَ الْخُرُوجِ لَا تَجِبُ، وَجَعَلَهَا فِي الْحَاوِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ، فَزَادَ الطُّمَأْنِينَةَ إلَّا أَنَّهُ جَعَلَهَا فِي الْأَرْكَانِ الْأَرْبَعَةِ رُكْنًا وَاحِدًا وَالْخِلَافُ بَيْنَهُمْ لَفْظِيٌّ، فَمَنْ لَمْ يَعُدَّ الطُّمَأْنِينَةَ رُكْنًا جَعَلَهَا فِي كُلِّ رُكْنٍ كَالْجُزْءِ مِنْهُ وَكَالْهَيْئَةِ التَّابِعَةِ لَهُ، وَيُؤَيِّدُهُ كَلَامُهُمْ فِي التَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ بِرُكْنٍ أَوْ أَكْثَرَ، وَبِهِ يُشْعِرُ خَبَرُ ‏(‏إذَا قُمْتَ إلَى الصَّلَاةِ‏)‏ الْآتِي، وَمَنْ عَدَّهَا أَرْكَانًا فَذَاكَ لِاسْتِقْلَالِهَا، وَصِدْقِ اسْمِ السُّجُودِ وَنَحْوِهِ بِدُونِهَا، وَجُعِلَتْ أَرْكَانًا لِتَغَايُرِهَا بِاخْتِلَافِ مَحَالِّهَا، وَمَنْ جَعَلَهَا رُكْنًا وَاحِدًا فَلِكَوْنِهَا جِنْسًا وَاحِدًا كَمَا عَدُّوا السَّجْدَتَيْنِ رُكْنًا لِذَلِكَ‏.‏ الْأَوَّلُ ‏(‏النِّيَّةُ‏)‏ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ فِي بَعْضِ الصَّلَاةِ، وَهُوَ أَوَّلُهَا لَا فِي جَمِيعِهَا، فَكَانَتْ رُكْنًا كَالتَّكْبِيرِ وَالرُّكُوعِ، وَقِيلَ‏:‏ هِيَ شَرْطٌ؛ لِأَنَّهَا عِبَارَةٌ عَنْ قَصْدِ فِعْلِ الصَّلَاةِ، فَتَكُونُ خَارِجَ الصَّلَاةِ، وَلِهَذَا قَالَ الْغَزَالِيُّ‏:‏ هِيَ بِالشَّرْطِ أَشْبَهُ، وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِيمَا لَوْ افْتَتَحَ النِّيَّةَ مَعَ مُقَارَنَةِ مُفْسِدٍ مِنْ نَجَاسَةٍ أَوْ غَيْرِهَا وَتَمَّتْ بِلَا مَانِعٍ‏.‏ إنْ قُلْنَا‏:‏ إنَّهَا رُكْنٌ لَمْ تَصِحَّ، أَوْ شَرْطٌ صَحَّتْ، وَفِيهَا كَلَامٌ لِلرَّافِعِيِّ ذَكَرْتُهُ مَعَ زِيَادَةٍ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ، وَالْأَصْلُ فِيهَا قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَمَا أُمِرُوا إلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ‏}‏ ‏[‏الْبَيِّنَةُ‏]‏ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ‏:‏ وَالْإِخْلَاصُ فِي كَلَامِهِمْ النِّيَّةُ، وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏(‏إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى‏)‏ وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى اعْتِبَارِ النِّيَّةِ فِي الصَّلَاةِ، وَبَدَأَ بِهَا؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَنْعَقِدُ إلَّا بِهَا‏.‏

المتن

فَإِنْ صَلَّى فَرْضًا وَجَبَ قَصْدُ فِعْلِهِ وَتَعْيِينُهُ

الشرحُ

‏(‏فَإِنْ صَلَّى‏)‏ أَيْ أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ ‏(‏فَرْضًا‏)‏ وَلَوْ نَذْرًا أَوْ قَضَاءً أَوْ كِفَايَةً ‏(‏وَجَبَ قَصْدُ فِعْلِهِ‏)‏ بِأَنْ يَقْصِدَ فِعْلَ الصَّلَاةِ لِتَتَمَيَّزَ عَنْ سَائِرِ الْأَفْعَالِ، وَهِيَ هُنَا مَا عَدَا النِّيَّةَ؛ لِأَنَّهَا لَا تُنْوَى لِلُزُومِ التَّسَلْسُلِ فِي ذَلِكَ؛ وَلِأَنَّ مَا كَانَ مِنْ الْأَعْمَالِ حُصُولُ صُورَتِهِ كَافٍ فِي حُصُولِ مَصْلَحَتِهِ لَمْ يَفْتَقِرْ إلَى نِيَّةٍ، وَالنِّيَّةُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا شَيْئَانِ‏:‏ تَمْيِيزُ الْعِبَادَاتِ عَنْ الْعَادَاتِ وَتَمْيِيزُ رُتَبِ الْعِبَادَاتِ، وَذَلِكَ حَاصِلٌ بِحُصُولِهَا مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى شَيْءٍ آخَرَ ‏(‏وَ‏)‏ وَجَبَ ‏(‏تَعْيِينُهُ‏)‏ مِنْ ظُهْرٍ أَوْ غَيْرِهِ لِيَمْتَازَ عَنْ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ‏.‏ قَالَ فِي الْعُبَابِ‏:‏ وَفِي إجْزَاءِ نِيَّةِ صَلَاةٍ يُشْرَعُ التَّثْوِيبَ فِي أَذَانِهَا، وَالْقُنُوتُ فِيهَا أَبَدًا عَنْ نِيَّةِ الصُّبْحِ تَرَدُّدٌ ا هـ‏.‏ وَيَنْبَغِي الِاكْتِفَاءُ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى النِّيَّةِ فِي بَابِ الْوُضُوءِ، وَلَوْ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ‏:‏ قَصْدُ فِعْلِهَا وَتَعْيِينِهَا لَكَانَ أَوْلَى، وَاسْتَغْنَى عَمَّا قَدَّرْتُهُ تَبَعًا لِلشَّارِحِ، فَالْمُرَادُ قَصْدُ فِعْلِ الْفَرْضِ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ صَلَاةً لَا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ فَرْضًا وَإِلَّا لَتَضَمَّنَ قَصْدَ الْفَرْضِيَّةِ، فَإِنَّ مَنْ قَصَدَ فِعْلَ الْفَرْضِ فَقَدْ قَصَدَ الْفَرْضِيَّةَ لَا شَكَّ، فَلَا يَحْسُنُ بَعْدَ ذَلِكَ‏.‏

المتن

وَالْأَصَحُّ وُجُوبُ نِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ

الشرحُ

قَوْلُهُ ‏(‏وَالْأَصَحُّ وُجُوبُ نِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ مَعْنَى الْأَوَّلِ، وَإِنَّمَا وَجَبَتْ نِيَّةُ الْفَرْضِيَّةِ مَعَ مَا ذَكَرَ الصَّادِقُ بِالصَّلَاةِ الْمُعَادَةِ لِيَتَعَيَّنَ بِنِيَّةِ الْفَرْضِ لِلصَّلَاةِ الْأَصْلِيَّةِ، وَفِي الْمُعَادَةِ خِلَافٌ فِي نِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ‏.‏ وَالثَّانِي‏:‏ لَا تَجِبُ؛ لِأَنَّ مَا يُعَيِّنُهُ يَنْصَرِفُ إلَيْهَا بِدُونِ هَذِهِ النِّيَّةِ، بِخِلَافِ الْمُعَادَةِ فَلَا يَنْصَرِفُ إلَيْهَا إلَّا بِقَصْدِ الْإِعَادَةِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ تَكْفِي نِيَّةُ النَّذْرِ فِي الْمَنْذُورِ عَنْ نِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ كَمَا قَالَهُ فِي الذَّخَائِرِ، وَلَا تَجِبُ فِي صَلَاةِ الصَّبِيِّ كَمَا صَحَّحَهُ فِي التَّحْقِيقِ، وَصَوَّبَهُ فِي الْمَجْمُوعِ خِلَافًا لِمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا؛ لِأَنَّ صَلَاتَهُ تَقَعُ نَفْلًا، فَكَيْفَ يَنْوِي الْفَرْضِيَّةَ‏.‏

فَائِدَةٌ‏:‏

الْعِبَادَاتُ الْمَشْرُوطُ فِيهَا النِّيَّةُ فِي وُجُوبِ التَّعَرُّضِ لِلْفَرْضِ خَمْسَةُ أَقْسَامٍ‏:‏ الْأَوَّلُ‏:‏ يُشْتَرَطُ بِلَا خِلَافٍ كَالزَّكَاةِ هَكَذَا فِي الدَّمِيرِيِّ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ نِيَّةَ الْفَرْضِيَّةِ فِي الْمَالِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ لَا تَقَعُ إلَّا فَرْضًا، وَبِهِ فَارَقَتْ مَا لَوْ نَوَى صَلَاةَ الظُّهْرِ‏.‏ الثَّانِي‏:‏ عَكْسُهُ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ‏.‏ الثَّالِثُ‏:‏ يُشْتَرَطُ عَلَى الْأَصَحِّ كَالصَّلَاةِ‏.‏ الرَّابِعُ‏:‏ عَكْسُهُ كَصَوْمِ رَمَضَانَ عَلَى مَا فِي الْمَجْمُوعِ مِنْ عَدَمِ الِاشْتِرَاطِ‏.‏ الْخَامِسُ‏:‏ عِبَادَةٌ لَا يَكْفِي فِيهَا ذَلِكَ بَلْ يَضُرُّ، وَهِيَ‏:‏ التَّيَمُّمُ فَإِنَّهُ إذَا نَوَى فَرْضَهُ لَمْ يَكْفِ‏.‏

المتن

دُونَ الْإِضَافَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، -

الشرحُ

‏(‏دُونَ الْإِضَافَةِ إلَى اللَّهِ - تَعَالَى -‏)‏ فَلَا تَجِبُ؛ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ لَا تَكُونُ إلَّا لَهُ تَعَالَى‏.‏ وَقِيلَ‏:‏ تَجِبُ لِيَتَحَقَّقَ مَعْنَى الْإِخْلَاصِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ تُسْتَحَبُّ لِذَلِكَ‏.‏ قَالَ الدَّمِيرِيُّ‏:‏ وَفِي تَصْوِيرِ عَدَمِ الْإِضَافَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى إشْكَالٌ، فَإِنَّ فِعْلَ الْفَرْضِ لَا يَكُونُ إلَّا لِلَّهِ، فَلَا يَنْفَكُّ قَصْدُ الْفَرْضِيَّةِ عَنْ نِيَّةِ الْإِضَافَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى ا هـ‏.‏ وَلَا تَجِبُ نِيَّةُ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَلَا عَدَدُ الرَّكَعَاتِ فِي الْأَصَحِّ فِيهِمَا، وَلَكِنْ تُسَنُّ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ، وَلَوْ غَيْرَ الْعَدَدِ كَأَنْ نَوَى الظُّهْرَ ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا لَمْ يَنْعَقِدْ، وَفَرَضَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْعَالِمِ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ فِي الْغَلَطِ، وَمُقْتَضَى قَوْلِهِمْ‏:‏ أَنَّ مَا وَجَبَ التَّعَرُّضُ لَهُ جُمْلَةً يَضُرُّ الْخَطَأُ فِيهِ أَنَّهُ يَضُرُّ؛ لِأَنَّ الظُّهْرَ يَشْتَمِلُ عَلَى الْعَدَدِ جُمْلَةً فَيَضُرُّ الْخَطَأُ فِيهِ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ‏.‏

المتن

وَأَنَّهُ يَصِحُّ الْأَدَاءُ بِنِيَّةِ الْقَضَاءِ وَعَكْسُهُ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَ‏)‏ الْأَصَحُّ ‏(‏أَنَّهُ يَصِحُّ الْأَدَاءُ بِنِيَّةِ الْقَضَاءِ‏)‏ عِنْدَ جَهْلِ الْوَقْتِ بِغَيْمٍ أَوْ نَحْوِهِ كَأَنْ ظَنَّ خُرُوجَ الْوَقْتِ فَصَلَّاهَا قَضَاءً فَبَانَ بَقَاؤُهُ ‏(‏وَعَكْسُهُ‏)‏ كَأَنْ ظَنَّ بَقَاءَ الْوَقْتِ فَصَلَّاهَا أَدَاءً فَبَانَ خُرُوجُهُ لِاسْتِعْمَالِ كُلٍّ بِمَعْنَى الْآخَرِ، تَقُولُ‏:‏ قَضَيْتُ الدَّيْنَ وَأَدَّيْتُهُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ‏.‏ قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ‏}‏ ‏[‏الْبَقَرَةُ‏]‏ أَيْ أَدَّيْتُمْ وَالثَّانِي لَا يَصِحُّ بَلْ يُشْتَرَطَانِ لِيَتَمَيَّزَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَنْ الْآخَرِ كَمَا فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يُسَنُّ لِذَلِكَ‏.‏ أَمَّا إذَا فَعَلَ ذَلِكَ عَالِمًا فَلَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ قَطْعًا لِتَلَاعُبِهِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ تَصْرِيحِهِمْ‏.‏ نَعَمْ إنْ قَصَدَ بِذَلِكَ الْمَعْنَى اللُّغَوِيَّ لَمْ يَضُرَّ كَمَا قَالَهُ فِي الْأَنْوَارِ، وَقِيلَ‏:‏ يُشْتَرَطُ التَّعَرُّضُ لِنِيَّةِ الْقَضَاءِ دُونَ الْأَدَاءِ؛ لِأَنَّ الْأَدَاءَ يَتَمَيَّزُ بِالْوَقْتِ بِخِلَافِ الْقَضَاءِ، وَقِيلَ‏:‏ إنْ كَانَ عَلَيْهِ فَائِتَةٌ مِثْلُهَا اُشْتُرِطَ التَّعَرُّضُ لِنِيَّةِ الْأَدَاءِ وَإِلَّا فَلَا يُشْتَرَطُ التَّعَرُّضُ لِلْوَقْتِ، فَلَوْ عَيَّنَ الْيَوْمَ وَأَخْطَأَ‏.‏ قَالَ الْبَغَوِيّ وَالْمُتَوَلِّي‏:‏ صَحَّ فِي الْأَدَاءِ؛ لِأَنَّ مَعْرِفَتَهُ بِالْوَقْتِ الْمُتَعَيَّنِ لِلْفِعْلِ بِالشُّرُوعِ فَلَغَا خَطَؤُهُ فِيهِ، وَلَا تَصِحُّ فِي الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ وَقْتَ الْفِعْلِ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ لَهُ بِالشُّرُوعِ وَلَمْ يَنْوِ قَضَاءَ مَا عَلَيْهِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ أَصْلِ الرَّوْضَةِ فِي التَّيَمُّمِ الصِّحَّةُ مُطْلَقًا، وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَمَنْ عَلَيْهِ فَوَائِتُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَنْوِيَ ظُهْرَ يَوْمِ كَذَا بَلْ يَكْفِيهِ نِيَّةُ الظُّهْرِ أَوْ الْعَصْرِ أَوْ الْفَائِتَةِ إنْ شَرَطْنَا نِيَّةَ الْقَضَاءِ‏.‏

المتن

وَالنَّفَلُ ذُو الْوَقْتِ أَوْ السَّبَبِ كَالْفَرْضِ فِيمَا سَبَقَ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَالنَّفَلُ ذُو الْوَقْتِ أَوْ‏)‏ ذُو ‏(‏السَّبَبِ كَالْفَرْضِ فِيمَا سَبَقَ‏)‏ مِنْ اشْتِرَاطِ قَصْدِ فِعْلِ الصَّلَاةِ وَتَعْيِينِهَا كَصَلَاةِ الْكُسُوفِ أَوْ الِاسْتِسْقَاءِ أَوْ عِيدِ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى أَوْ رَاتِبَةِ الْعِشَاءِ‏.‏ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ‏:‏ وَكَسُنَّةِ الظُّهْرِ الَّتِي قَبْلَهَا أَوْ الَّتِي بَعْدَهَا وَتَبِعَهُ السُّبْكِيُّ، وَوَجْهُهُ أَنَّ تَعْيِينَهَا إنَّمَا يَحْصُلُ بِذَلِكَ لِاشْتِرَاكِهَا فِي الِاسْمِ وَالْوَقْتِ وَإِنْ لَمْ يُؤَخِّرْ الْمُقَدَّمَةَ كَمَا يَجِبُ تَعْيِينُ الظُّهْرِ لِئَلَّا يَلْتَبِسَ بِالْعَصْرِ، وَكَمَا يَجِبُ تَعْيِينُ عِيدِ الْفِطْرِ عَنْ الْأَضْحَى لِئَلَّا يَلْتَبِسَ بِهِ، فَانْدَفَعَ مَا قِيلَ إنَّ مَحَلَّ هَذَا إذَا أَخَّرَ الْمُقَدَّمَةَ عَنْ الْفَرْضِ‏.‏ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ‏:‏ يَنْبَغِي فِي صَلَاةِ الْعِيدِ أَنْ لَا يَجِبَ التَّعَرُّضُ لِكَوْنِهِ فِطْرًا أَوْ نَحْرًا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي جَمِيعِ الصِّفَاتِ فَيَلْتَحِقُ بِالْكَفَّارَاتِ، بِخِلَافِ الْكُسُوفِ وَالْخُسُوفِ لِاخْتِلَافِهِمَا بِالْجَهْرِ وَالْإِسْرَارِ‏.‏ وَالْوِتْرُ صَلَاةٌ مُسْتَقِلَّةٌ فَلَا يُضَافُ إلَى الْعِشَاءِ، فَإِنْ أَوْتَرَ بِوَاحِدَةٍ أَوْ بِأَكْثَرَ وَوَصَلَ نَوَى الْوِتْرَ، وَإِنْ فَصَلَ نَوَى بِالْوَاحِدَةِ الْوِتْرَ، وَيَتَخَيَّرُ فِي غَيْرِهَا بَيْنَ نِيَّةِ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَمُقَدِّمَةِ الْوِتْرِ وَسُنَّتِهِ وَهِيَ أُولَى أَوْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ الْوِتْرِ عَلَى الْأَصَحِّ‏.‏ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ‏:‏ وَمَحَلُّ ذَلِكَ إذَا نَوَى عَدَدًا فَإِنْ لَمْ يَنْوِ فَهَلْ يَلْغُو لِإِبْهَامِهِ أَوْ يَصِحُّ ‏؟‏ وَيُحْمَلُ عَلَى رَكْعَةٍ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقِّنُ أَوْ ثَلَاثٍ؛ لِأَنَّهَا أَفْضَلُ كَنِيَّةِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا تَنْعَقِدُ رَكْعَتَيْنِ مَعَ صِحَّةِ الرَّكْعَةِ أَوْ إحْدَى عَشْرَةَ؛ لِأَنَّ الْوِتْرَ لَهُ غَايَةٌ ‏؟‏ فَحَمَلْنَا الْإِطْلَاقَ عَلَيْهَا بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فِيهِ نَظَرٌ ا هـ‏.‏ وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنَّهُ يَصِحُّ، وَيُحْمَلُ عَلَى مَا يُرِيدُهُ مِنْ رَكْعَةٍ إلَى إحْدَى عَشْرَةَ وِتْرًا، وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَوَاتِ السَّبَبِ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ، وَرَكْعَتَا الْوُضُوءِ، وَالْإِحْرَامِ، وَالِاسْتِخَارَةِ، فَيَكْفِي فِيهَا نِيَّةُ فِعْلِهَا كَمَا فِي الْكِفَايَةِ فِي الْأُولَى وَالْإِحْيَاءِ فِي الثَّانِيَةِ وَقِيَاسًا عَلَيْهَا فِي الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ، وَإِنْ قَالَ فِي الْكِفَايَةِ‏:‏ إنَّ الْمَنْقُولَ فِي الثَّالِثَةِ أَنَّهُ لَا يَكْفِي‏.‏

المتن

وَفِي نِيَّةِ النَّفْلِيَّةِ وَجْهَانِ‏.‏ قُلْتُ‏:‏ الصَّحِيحُ لَا تُشْتَرَطُ نِيَّةُ النَّفْلِيَّةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏ وَيَكْفِي فِي النَّفْلِ الْمُطْلَقِ نِيَّةُ فِعْلِ الصَّلَاةِ، وَالنِّيَّةُ بِالْقَلْبِ

الشرحُ

‏(‏وَفِي‏)‏ اشْتِرَاطِ ‏(‏نِيَّةِ النَّفْلِيَّةِ وَجْهَانِ‏)‏ كَمَا فِي اشْتِرَاطِ نِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ فِي الْفَرْضِ، وَعَبَّرَ بِالتَّعْرِيفِ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرَّوْضَةِ وَكَانَ فِي أَصْلِ الْمُصَنِّفِ كَذَلِكَ لَكِنَّهُ كَشَطَ الْأَلِفَ وَاللَّامَ وَصَحَّحَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ فِيهِمَا إبْهَامَ اشْتِرَاطِهَا، وَقَدْ صَوَّبَ فِي الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ الْجَزْمَ بِخِلَافِهِ، وَقَالَ هُنَا‏:‏ ‏(‏قُلْتُ‏:‏ الصَّحِيحُ لَا تُشْتَرَطُ نِيَّةُ النَّفْلِيَّةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏)‏؛ لِأَنَّ النَّفْلِيَّةَ مُلَازِمَةٌ لِلنَّفْلِ، بِخِلَافِ الظُّهْرِ وَنَحْوِهَا، فَإِنَّهَا قَدْ تَكُونُ فَرْضًا وَقَدْ لَا تَكُونُ بِدَلِيلِ الْمُعَادَةِ وَصَلَاةِ الصَّبِيِّ كَمَا سَبَقَ، وَفِي اشْتِرَاطِ نِيَّةِ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ وَالْإِضَافَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى الْخِلَافُ السَّابِقُ ‏(‏وَيَكْفِي فِي النَّفْلِ الْمُطْلَقِ‏)‏ وَهُوَ الَّذِي لَا يَتَقَيَّدُ بِوَقْتٍ وَلَا سَبَبٍ ‏(‏نِيَّةُ فِعْلِ الصَّلَاةِ‏)‏؛ لِأَنَّ النَّفَلَ أَدْنَى دَرَجَاتِ الصَّلَاةِ، فَإِذَا قَصَدَهَا وَجَبَ حُصُولُهُ، وَلَمْ يَذْكُرُوا هُنَا خِلَافًا فِي اشْتِرَاطِ نِيَّةِ النَّفْلِيَّةِ، وَيُمْكِنُ مَجِيئُهُ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَمَجِيءُ الْخِلَافِ فِي الْإِضَافَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى ‏(‏وَالنِّيَّةُ بِالْقَلْبِ‏)‏ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهَا الْقَصْدُ، فَلَا يَكْفِي النُّطْقُ مَعَ غَفْلَةِ الْقَلْبِ بِالْإِجْمَاعِ، وَنَبَّهَ بِذَلِكَ هُنَا عَلَى جَمِيعِ الْأَبْوَابِ فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ إلَّا هُنَا، وَلَا يَضُرُّ النُّطْقُ بِخِلَافِ مَا فِي الْقَلْبِ، كَأَنْ قَصَدَ الصُّبْحَ وَسَبَقَ لِسَانُهُ إلَى الظُّهْرِ‏.‏

المتن

وَيُنْدَبُ النُّطْقُ قُبَيْلَ التَّكْبِيرِ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَيُنْدَبُ النُّطْقُ‏)‏ بِالْمَنْوِيِّ ‏(‏قُبَيْلَ التَّكْبِيرِ‏)‏ لِيُسَاعِدَ اللِّسَانُ الْقَلْبَ وَلِأَنَّهُ أَبْعَدُ عَنْ الْوَسْوَاسِ‏:‏ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ وَلَا دَلِيلَ لِلنَّدَبِ ا هـ وَهُوَ مَمْنُوعٌ، بَلْ قِيلَ بِوُجُوبِ التَّلَفُّظِ بِالنِّيَّةِ فِي كُلِّ عِبَادَةٍ‏.‏ وَلَوْ عَقَّبَ النِّيَّةَ بِلَفْظِ‏:‏ إنْ شَاءَ اللَّهُ، أَوْ نَوَاهَا وَقَصَدَ بِذَلِكَ التَّبَرُّكَ أَوْ أَنَّ الْفِعْلَ وَاقِعٌ بِالْمَشِيئَةِ لَمْ يَضُرَّ، أَوْ التَّعْلِيقَ، أَوْ أَطْلَقَ لَمْ يَصِحَّ لِلْمُنَافَاةِ‏.‏ وَلَوْ قَلَبَ الْمُصَلِّي صَلَاتَهُ الَّتِي هُوَ فِيهَا صَلَاةً أُخْرَى عَالِمًا عَامِدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، أَوْ أَتَى بِمَا يُنَافِي الْفَرْضَ دُونَ النَّفْلِ، كَأَنْ أَحْرَمَ الْقَادِرُ بِالْفَرْضِ قَاعِدًا أَوْ أَحْرَمَ بِهِ الشَّخْصُ قَبْلَ الْوَقْتِ عَامِدًا عَالِمًا بِذَلِكَ لَمْ تَنْعَقِدْ صَلَاتُهُ لِتَلَاعُبِهِ، فَإِنْ كَانَ مَعْذُورًا كَمَنْ ظَنَّ دُخُولَ الْوَقْتِ فَأَحْرَمَ بِالْفَرْضِ أَوْ قَلَبَهُ نَفْلًا مُطْلَقًا لِيُدْرِكَ جَمَاعَةً مَشْرُوعَةً وَهُوَ مُنْفَرِدٌ، فَسَلَّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ لِيُدْرِكَهَا، أَوْ رَكَعَ الْمَسْبُوقُ قَبْلَ تَمَامِ التَّكْبِيرِ جَاهِلًا انْقَلَبَتْ نَفْلًا لِلْعُذْرِ، إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ بُطْلَانِ الْخُصُوصِ بُطْلَانُ الْعُمُومِ، وَخَرَجَ بِذَلِكَ مَا لَوْ قَلْبَهَا نَفْلًا مُعَيَّنًا كَرَكْعَتَيْ الضُّحَى فَلَا تَصِحُّ لِافْتِقَارِهِ إلَى التَّعْيِينِ، وَمَا إذَا لَمْ تُشْرَعْ الْجَمَاعَةُ كَمَا لَوْ كَانَ يُصَلِّي الظُّهْرَ فَوَجَدَ مَنْ يُصَلِّي الْعَصْرَ، فَلَا يَجُوزُ الْقَطْعُ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ فِي بَابِهَا، وَمَا لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ أَحْرَمَ قَبْلَ الْوَقْتِ فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ فَإِنَّهُ لَا يُتِمُّهَا لِتَبَيُّنِ بُطْلَانِهَا، وَإِنَّمَا وَقَعَتْ لَهُ نَافِلَةً لِقِيَامِ الْعُذْرِ، كَمَنْ صَلَّى بِالِاجْتِهَادِ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ الْحَالُ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا وَقَعَتْ لَهُ نَافِلَةً، وَإِنْ كَانَ فِي أَثْنَائِهَا بَطَلَتْ كَمَا مَرَّ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَمِرَّ فِيهَا‏.‏ فُرُوعٌ‏:‏ لَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ‏:‏ صَلِّ فَرْضَك وَلَك عَلَيَّ دِينَارٌ فَصَلَّى بِهَذِهِ النِّيَّةِ لَمْ يَسْتَحِقَّ الدِّينَارَ وَأَجْزَأَتْهُ صَلَاتُهُ، وَلَوْ نَوَى الصَّلَاةَ وَدَفَعَ الْغَرِيمُ صَحَّتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ دَفْعَهُ حَاصِلٌ وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ نَوَى بِصَلَاتِهِ فَرْضًا وَنَفْلًا غَيْرَ نَحْوِ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ لِتَشْرِيكِهِ بَيْنَ عِبَادَتَيْنِ لَا تَنْدَرِجُ إحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى، وَلَوْ قَالَ‏:‏ أُصَلِّي لِثَوَابِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ لِلْهَرَبِ مِنْ عِقَابِهِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ خِلَافًا لِلْفَخْرِ الرَّازِيِّ‏.‏

المتن

الثَّانِي تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ، وَيَتَعَيَّنُ عَلَى الْقَادِرِ‏:‏ اللَّهُ أَكْبَرُ‏.‏

الشرحُ

‏(‏الثَّانِي‏)‏ مِنْ الْأَرْكَانِ ‏(‏تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ‏)‏ فِي الْقِيَامِ أَوْ بَدَلِهِ لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ ‏(‏مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الْوُضُوءُ، وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ‏)‏، وَحَدِيثِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ‏:‏ ‏(‏إذَا قُمْتَ إلَى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا ثُمَّ اُسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا‏)‏ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ‏.‏ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ ‏(‏ثُمَّ اُسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَسْتَوِيَ قَائِمًا ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا‏)‏، وَفِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ بَدَلَ قَوْلِهِ ‏(‏حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا‏)‏، ‏(‏حَتَّى تَطْمَئِنَّ قَائِمًا‏)‏‏.‏

فَائِدَةٌ‏:‏

إنَّمَا سُمِّيَتْ هَذِهِ التَّكْبِيرَةُ بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ؛ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ بِهَا عَلَى الْمُصَلِّي مَا كَانَ حَلَالًا لَهُ قَبْلَهَا مِنْ مُفْسِدَاتِ الصَّلَاةِ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْكَلَامِ وَنَحْوِ ذَلِكَ‏.‏ ‏(‏وَيَتَعَيَّنُ‏)‏ فِيهَا ‏(‏عَلَى الْقَادِرِ‏)‏ عَلَى النُّطْقِ بِهَا ‏(‏اللَّهُ أَكْبَرُ‏)‏؛ لِأَنَّهُ الْمَأْثُورُ مِنْ فِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ ‏(‏صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي‏)‏‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ الْأَقْوَالُ لَا تُرَى فَكَيْفَ يُسْتَدَلُّ بِذَلِكَ‏؟‏‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالرُّؤْيَةِ الْعِلْمُ‏:‏ أَيْ كَمَا عَلِمْتُمُونِي أُصَلِّي، فَلَا يُجْزِئُ اللَّهُ الْكَبِيرُ لِفَوَاتِ مَدْلُولِ أَفْعَلَ، وَهُوَ التَّفْضِيلُ، وَكَذَا الرَّحْمَنُ أَوْ الرَّحِيمُ أَكْبَرُ عَنْ الْأَصَحِّ وَلَوْ قَالَ الرَّحْمَنُ أَجَلُّ أَوْ الرَّبُّ أَعْظَمُ لَمْ يَجُزْ قَطْعًا لِفَوَاتِ اللَّفْظَيْنِ مَعًا‏.‏

المتن

وَلَا تَضُرُّ زِيَادَةٌ لَا تَمْنَعُ الِاسْمَ كَاَللَّهِ أَكْبَرُ وَكَذَا اللَّهُ الْجَلِيلُ أَكْبَرُ فِي الْأَصَحِّ، لَا أَكْبَرُ اللَّهُ عَلَى الصَّحِيحِ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَلَا تَضُرُّ زِيَادَةٌ لَا تَمْنَعُ الِاسْمَ‏)‏ أَيْ اسْمَ التَّكْبِيرِ ‏(‏كَاَللَّهِ أَكْبَرُ‏)‏ بِزِيَادَةِ اللَّامِ؛ لِأَنَّهُ لَفْظٌ يَدُلُّ عَلَى التَّكْبِيرِ وَعَلَى زِيَادَةِ مُبَالَغَةٍ فِي التَّعْظِيمِ، وَهُوَ الْإِشْعَارُ بِالتَّخْصِيصِ فَصَارَ كَقَوْلِهِ‏:‏ اللَّهُ أَكْبَرُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، إذْ مَعْنَى اللَّهُ أَكْبَرُ‏:‏ أَيْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ‏(‏وَكَذَا‏)‏ لَا يَضُرُّ اللَّهُ أَكْبَرُ وَأَجَلُّ، أَوْ ‏(‏اللَّهُ الْجَلِيلُ أَكْبَرُ فِي الْأَصَحِّ‏)‏ وَكَذَا كُلُّ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ تَعَالَى إذَا لَمْ يَطُلْ بِهَا الْفَصْلُ، كَقَوْلِهِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَكْبَرُ لِبَقَاءِ النَّظْمِ، وَالْمَعْنَى بِخِلَافِ مَا لَوْ تَخَلَّلَ غَيْرُ صِفَاتِهِ تَعَالَى كَقَوْلِهِ‏:‏ اللَّهُ هُوَ الْأَكْبَرُ، أَوْ طَالَتْ صِفَاتُهُ تَعَالَى كَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ أَكْبَرُ، أَوْ طَالَ سُكُوتُهُ بَيْنَ كَلِمَتَيْ التَّكْبِيرِ، أَوْ زَادَ حَرْفًا فِيهِ يُغَيِّرُ الْمَعْنَى كَمَدَّةِ هَمْزَةِ اللَّهِ وَأَلِفٍ بَعْدَ الْبَاءِ، أَوْ زَادَ وَاوًا سَاكِنَةً أَوْ مُتَحَرِّكَةً بَيْنَ الْكَلِمَتَيْنِ، أَوْ زَادَهَا قَبْلَ الْكَلِمَتَيْنِ كَمَا فِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ، وَلَوْ شَدَّدَ الْبَاءَ مِنْ أَكْبَرُ، فَفِي فَتَاوَى ابْنِ رَزِينٍ أَنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ، وَوَجْهُهُ وَاضِحٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَشْدِيدُهَا إلَّا بِتَحْرِيكِ الْكَافِ؛ لِأَنَّ الْبَاءَ الْمُدْغَمَةَ سَاكِنَةٌ، وَالْكَافَ سَاكِنَةٌ وَلَا يُمْكِنُ النُّطْقُ بِهِمَا، وَإِذَا حُرِّكَتْ تَغَيَّرَ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ أَكْبَر، وَنَقَلَ عَنْهُ شَيْخُنَا أَنَّهُ قَالَ‏:‏ لَوْ شَدَّدَ الرَّاءَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ‏.‏ وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْوَجْهَ خِلَافُهُ، وَلَعَلَّ النَّقْلَ اخْتَلَفَ عَنْهُ وَلَوْ لَمْ يَجْزِمْ الرَّاءَ مِنْ أَكْبَرَ لَمْ يَضُرَّ خِلَافًا لِمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ ابْنِ يُونُسَ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ، وَاسْتَدَلَّ لَهُ الدَّمِيرِيُّ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏(‏التَّكْبِيرُ جَزْمٌ‏)‏ ا هـ‏.‏ قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ‏:‏ إنَّ هَذَا لَا أَصْلَ لَهُ، وَإِنَّمَا هُوَ قَوْلُ النَّخَعِيِّ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ فِي تَخْرِيجِ أَحَادِيثِ الرَّافِعِيِّ، وَعَلَى تَقْدِيرِ وُجُودِهِ فَمَعْنَاهُ عَدَمُ التَّرَدُّدِ فِيهِ، وَالثَّانِي‏:‏ تَضُرُّ الزِّيَادَةُ فِيهِ بِالصِّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ لِاسْتِقْلَالِهَا بِخِلَافِ اللَّهُ الْأَكْبَرُ، وَعَلَى الْأَوَّلِ الِاقْتِصَارُ عَلَى اللَّهُ أَكْبَرُ أَوْلَى اتِّبَاعًا لِلسُّنَّةِ وَلِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ ‏(‏لَا أَكْبَرُ اللَّهُ‏)‏ فَإِنَّهُ يَضُرُّ ‏(‏عَلَى الصَّحِيحِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى تَكْبِيرًا بِخِلَافِ عَلَيْكُمْ السَّلَامُ آخِرَ الصَّلَاةِ كَمَا سَيَأْتِي؛ لِأَنَّهُ يُسَمَّى سَلَامًا، وَالثَّانِي لَا يَضُرُّ؛ لِأَنَّ تَقْدِيمَ الْخَبَرِ جَائِزٌ‏.‏

فَائِدَةٌ‏:‏

هَمْزَةُ الْجَلَالَةِ‏:‏ هَمْزَةُ وَصْلٍ، فَلَوْ قَالَ الْمُصَلِّي مَأْمُومًا اللَّهُ أَكْبَرُ بِحَذْفِ هَمْزَةِ الْجَلَالَةِ صَحَّ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ لَكِنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى‏.‏ وَالْحِكْمَةُ فِي افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ بِالتَّكْبِيرِ كَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ اسْتِحْضَارُ الْمُصَلِّي عَظَمَةَ مَنْ تَهَيَّأَ لِخِدْمَتِهِ وَالْوُقُوفِ بَيْنَ يَدَيْهِ لِيَمْتَلِئَ هَيْبَةً فَيَحْضُرُ قَلْبُهُ وَيَخْشَعُ وَلَا يَعْبَثُ، وَيَجِبُ أَنْ يُكَبِّرَ قَائِمًا حَيْثُ يَلْزَمُهُ الْقِيَامُ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ السَّابِقِ، وَأَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ إذَا كَانَ صَحِيحَ السَّمْعِ لَا عَارِضَ عِنْدَهُ مِنْ لَغَطٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَيُسَنُّ أَنْ لَا يُقْصِرَهُ بِحَيْثُ لَا يُفْهَمُ، وَأَنْ لَا يُمَطِّطَهُ بِأَنْ يُبَالِغَ فِي مَدِّهِ بَلْ يَأْتِي بِهِ مُبَيِّنًا، وَالْإِسْرَاعُ بِهِ أَوْلَى مِنْ مَدِّهِ لِئَلَّا تَزُولَ النِّيَّةُ، وَبِخِلَافِ تَكْبِيرِ الِانْتِقَالَاتِ لِئَلَّا يَخْلُوَ بَاقِيهَا عَنْ الذِّكْرِ‏.‏ وَأَنْ يَجْهَرَ بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَتَكْبِيرَاتِ الِانْتِقَالَاتِ الْإِمَامُ لِيُسْمِعَ الْمَأْمُومِينَ فَيَعْلَمُوا صَلَاتَهُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ مَأْمُومٍ وَمُنْفَرِدٍ فَالسُّنَّةُ فِي حَقِّهِ الْإِسْرَارُ‏.‏ نَعَمْ إنْ لَمْ يَبْلُغْ صَوْتُ الْإِمَامِ جَمِيعَ الْمَأْمُومِينَ جَهَرَ بَعْضُهُمْ وَاحِدٌ أَوْ أَكْثَرَ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ لِيُبَلِّغَ عَنْهُ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ ‏(‏أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي مَرَضِهِ بِالنَّاسِ وَأَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُسْمِعُهُمْ التَّكْبِيرَ‏)‏‏.‏ وَلَوْ كَبَّرَ لِلْإِحْرَامِ تَكْبِيرَاتٍ نَاوِيًا بِكُلٍّ مِنْهَا الِافْتِتَاحَ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ بِالْأَوْتَارِ وَخَرَجَ مِنْهَا بِالْأَشْفَاعِ؛ لِأَنَّ مَنْ افْتَتَحَ صَلَاةً ثُمَّ نَوَى افْتِتَاحَ صَلَاةٍ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ‏.‏ هَذَا إنْ لَمْ يَنْوِ بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ خُرُوجًا وَافْتِتَاحًا وَإِلَّا فَيَخْرُجُ بِالنِّيَّةِ وَيَدْخُلُ بِالتَّكْبِيرِ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ بِغَيْرِ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى شَيْئًا لَمْ يَضُرَّ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ، وَمَحَلُّ مَا ذُكِرَ مَعَ الْعَمْدِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ‏.‏ أَمَّا مَعَ السَّهْوِ فَلَا بُطْلَانَ‏.‏

المتن

وَمَنْ عَجَزَ تَرْجَمَ، وَوَجَبَ التَّعَلُّمُ إنْ قَدَرَ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَمَنْ عَجَزَ‏)‏ وَهُوَ نَاطِقٌ عَنْ النُّطْقِ بِالتَّكْبِيرِ بِالْعَرَبِيَّةِ وَلَمْ يُمْكِنُهُ التَّعَلُّمُ فِي الْوَقْتِ ‏(‏تَرْجَمَ‏)‏؛ لِأَنَّهُ لَا إعْجَازَ فِيهِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَأْتِي بِمَدْلُولِ التَّكْبِيرِ بِأَيِّ لُغَةٍ شَاءَ، وَقِيلَ إنْ عَرَفَهُ بِالسُّرْيَانِيَّةِ أَوْ الْعِبْرَانِيَّةِ تَعَيَّنَتْ لِشَرَفِهَا بِإِنْزَالِ بَعْضِ كُتُبِ اللَّهِ تَعَالَى بِهَا، وَبَعْدَهُمَا الْفَارِسِيَّةُ أَوْلَى مِنْ التُّرْكِيَّةِ وَالْهِنْدِيَّةِ، وَانْفَرَدَ أَبُو حَنِيفَةَ بِجَوَازِ التَّرْجَمَةِ لِلْقَادِرِ ‏(‏وَوَجَبَ التَّعَلُّمُ إنْ قَدَرَ‏)‏ عَلَيْهِ وَلَوْ بِسَفَرٍ إلَى بَلَدٍ آخَرَ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ، وَقِيلَ‏:‏ لَا يَلْزَمُهُ السَّفَرُ كَمَا لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ لِيَتَوَضَّأَ، وَفَرْقُ الْأَوَّلِ بِأَنَّ هَذَا تَعَلُّمُ كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ يَنْتَفِعُ بِهَا طُولَ عُمْرِهِ بِخِلَافِ الْمَاءِ وَبَعْدَ التَّعَلُّمِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا صَلَّاهُ بِالتَّرْجَمَةِ قَبْلَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَخَّرَ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ صَلَاتِهِ بِالتَّرْجَمَةِ عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ لِحُرْمَتِهِ، وَيَجِبُ الْقَضَاءُ لِتَفْرِيطِهِ بِالتَّأْخِيرِ، وَهَذِهِ الْأَحْكَامُ جَارِيَةٌ فِيمَا عَدَا الْقُرْآنِ مِنْ الْوَاجِبَاتِ‏.‏

فَائِدَةٌ‏:‏

تَرْجَمَةُ التَّكْبِيرِ بِالْفَارِسِيَّةِ خداي بزركتر فَلَا يَكْفِي خداي بزرك لِتَرْكِهِ التَّفْضِيلَ كَاللَّهُ كَبِيرٌ‏.‏ وَيَلْزَمُ السَّيِّدَ أَنْ يُعَلِّمَ غُلَامَهُ الْعَرَبِيَّةَ لِأَجْلِ التَّكْبِيرِ أَوْ يُخَلِّيَهُ لِيَكْتَسِبَ أُجْرَةَ الْمُعَلَّمِ فَلَوْ لَمْ يُعَلِّمْهُ وَاسْتَكْسَبَهُ عَصَى بِذَلِكَ‏.‏ وَأَمَّا الْعَاجِزُ لِخَرَسٍ فَيَجِبُ عَلَيْهِ تَحْرِيكُ لِسَانِهِ وَشَفَتَيْهِ وَلَهَاتِهِ بِالتَّكْبِيرِ قَدْرَ إمْكَانِهِ، قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ‏:‏ وَهَكَذَا حُكْمُ تَشَهُّدِهِ وَسَلَامِهِ وَسَائِرِ أَذْكَارِهِ، قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ‏:‏ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ نَوَاهُ بِقَلْبِهِ كَمَا فِي الْمَرِيضِ‏.‏

المتن

وَيُسَنُّ رَفْعُ يَدَيْهِ فِي تَكْبِيرِهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وَالْأَصَحُّ رَفْعُهُ مَعَ ابْتِدَائِهِ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَيُسَنُّ‏)‏ لِلْمُصَلِّي ‏(‏رَفْعُ يَدَيْهِ فِي تَكْبِيرِهِ‏)‏ لِلْإِحْرَامِ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ وَلَوْ مُضْطَجِعًا مُسْتَقْبِلًا بِكَفَّيْهِ الْقِبْلَةَ مُمِيلًا أَطْرَافَ أَصَابِعِهِمَا نَحْوَهَا كَمَا قَالَ الْمَحَامِلِيُّ وَإِنْ اسْتَغْرَبَهُ الْبُلْقِينِيُّ مُفَرِّقًا أَصَابِعَهُمَا تَفْرِيقًا وَسَطًا كَمَا فِي الرَّوْضَةِ، قَالَ وَإِنْ فِي الْمَجْمُوعِ الْمَشْهُورُ عَدَمُ التَّقْيِيدِ بِهِ كَاشِفًا لَهُمَا، فَالْمُرَادُ بِالْيَدَيْنِ هُنَا الْكَفَّانِ، وَيَرْفَعُهُمَا ‏(‏حَذْوَ‏)‏ بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ‏:‏ أَيْ مُقَابِلَ ‏(‏مَنْكِبَيْهِ‏)‏ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا ‏(‏أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ‏)‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ‏.‏ قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ‏.‏ مَعْنَى حَذْوِ مَنْكِبَيْهِ أَنْ تُحَاذِيَ أَطْرَافُ أَصَابِعِهِ أَعْلَى أُذُنَيْهِ وَإِبْهَامَاهُ شَحْمَتَيْ أُذُنَيْهِ وَرَاحَتَاهُ مَنْكِبَيْهِ، وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ بَلْ مَعْنَاهُ كَوْنُ رُءُوسِ أَصَابِعِهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وَالْمَنْكِبُ مَجْمَعُ عَظْمِ الْعَضُدِ وَالْكَفِّ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ الرَّفْعُ إلَّا بِزِيَادَةٍ عَلَى الْمَشْرُوعِ أَوْ نَقْصٍ مِنْهُ أَتَى بِالْمُمْكِنِ مِنْهُمَا، فَإِنْ أَمْكَنَهُ الْإِتْيَانُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا فَالزِّيَادَةُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِالْمَأْمُورِ وَزِيَادَةٍ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ رَفْعُ إحْدَى يَدَيْهِ رَفَعَ الْأُخْرَى، وَأَقْطَعُ الْكَفَّيْنِ يَرْفَعُ سَاعِدَيْهِ، وَأَقْطَعُ الْمِرْفَقَيْنِ يَرْفَعُ عَضُدَيْهِ تَشْبِيهًا بِرَفْعِ الْيَدَيْنِ ‏(‏وَالْأَصَحُّ‏)‏ فِي زَمَنِ الرَّفْعِ ‏(‏رَفْعُهُ مَعَ ابْتِدَائِهِ‏)‏ أَيْ التَّكْبِيرِ لِلِاتِّبَاعِ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ، سَوَاءٌ انْتَهَى التَّكْبِيرُ مَعَ الْحَطِّ أَمْ لَا كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ وَرَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الرَّوْضَةِ وَشَرْحِ مُسْلِمٍ وَصَحَّحَ فِي التَّحْقِيقِ وَالْمَجْمُوعِ، وَشَرْحِ الْوَسِيطِ أَنَّهُ يُسَنُّ انْتِهَاؤُهُمَا مَعًا، وَنَقَلَهُ فِي الْأَخِيرَيْنِ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ‏.‏ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ فَهُوَ الْمُفْتَى بِهِ‏.‏ وَالثَّانِي يَرْفَعُ قَبْلَ التَّكْبِيرِ وَيُكَبِّرُ مَعَ ابْتِدَاءِ الْإِرْسَالِ وَيُنْهِيه مَعَ انْتِهَائِهِ، وَقِيلَ‏:‏ يَرْفَعُ غَيْرَ مُكَبِّرٍ ثُمَّ يُكَبِّرُ وَيَدَاهُ مُرْتَفِعَتَانِ فَإِذَا فَرَغَ أَرْسَلَهُمَا مِنْ غَيْرِ تَكْبِيرٍ، فَإِنْ تَرَكَ الرَّفْعَ حَتَّى شَرَعَ فِي التَّكْبِيرِ أَتَى بِهِ فِي أَثْنَائِهِ لَا بَعْدَهُ لِزَوَالِ سَبَبِهِ، وَرَدَّهُمَا مِنْ الرَّفْعِ إلَى تَحْتِ صَدْرِهِ أَوْلَى مِنْ إرْسَالِهِمَا بِالْكُلِّيَّةِ ثُمَّ اسْتِئْنَافُ رَفْعِهِمَا إلَى تَحْتِ صَدْرِهِ‏.‏ قَالَ الْمُتَوَلِّي‏:‏ وَيَنْبَغِي أَنْ يَنْظُرَ قَبْلَ الرَّفْعِ وَالتَّكْبِيرِ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ وَيُطْرِقُ رَأْسَهُ قَلِيلًا‏.‏

المتن

وَيَجِبُ قَرْنُ النِّيَّةِ بِالتَّكْبِيرَةِ، وَقِيلَ يَكْفِي بِأَوَّلِهِ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَيَجِبُ قَرْنُ النِّيَّةِ بِالتَّكْبِيرَةِ‏)‏ أَيْ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ؛ لِأَنَّهَا أَوَّلُ الْأَرْكَانِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَأْتِيَ بِهَا عِنْدَ أَوَّلِهَا وَيَسْتَمِرُّ ذَاكِرًا لَهَا إلَى آخِرِهَا كَمَا يَجِبُ حُضُورُ شُهُودِ النِّكَاحِ إلَى الْفَرَاغِ مِنْهُ ‏(‏وَقِيلَ‏:‏ يَكْفِي‏)‏ قَرْنُهَا ‏(‏بِأَوَّلِهِ‏)‏ بِأَنْ يَسْتَحْضِرَ مَا يَنْوِيهِ قَبْلَهُ وَلَا يَجِبُ اسْتِصْحَابُهَا إلَى آخِرِهِ، وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَالْوَسِيطِ تَبَعًا لِلْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ الِاكْتِفَاءَ بِالْمُقَارَنَةِ الْعُرْفِيَّةِ عِنْدَ الْعَوَامّ بِحَيْثُ يُعَدُّ مُسْتَحْضِرًا لِلصَّلَاةِ اقْتِدَاءً بِالْأَوَّلِينَ فِي تَسَامُحِهِمْ بِذَلِكَ‏.‏ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ‏:‏ إنَّهُ الْحَقُّ، وَصَوَّبَهُ السُّبْكِيُّ، وَلِي بِهِمَا أُسْوَةٌ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ عَزَبَتْ قَبْلَ تَمَامِ التَّكْبِيرِ لَمْ تَصِحَّ الصَّلَاةُ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ مُعْتَبَرَةٌ فِي الِانْعِقَادِ، وَالِانْعِقَادُ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِتَمَامِ التَّكْبِيرَةِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ اشْتِرَاطُ مُقَارَنَةِ النِّيَّةِ لِلْجَلِيلِ مَثَلًا إذَا قَالَ‏:‏ اللَّهُ الْجَلِيلُ أَكْبَرُ، وَالظَّاهِرُ كَمَا أَفْتَى بِهِ شَيْخِي أَنَّ كَلَامَهُمْ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ مِنْ عَدَمِ زِيَادَةِ شَيْءٍ بَيْنَ لَفْظَيْ التَّكْبِيرِ فَلَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى اشْتِرَاطِ الْمُقَارَنَةِ فِيمَا عَدَا لَفْظَيْ التَّكْبِيرِ نَظَرًا لِلْمَعْنَى، إذْ الْمُعْتَبَرُ اقْتِرَانُهَا بِاللَّفْظِ الَّذِي يَتَوَقَّفُ الِانْعِقَادُ عَلَيْهِ وَهُوَ اللَّهُ أَكْبَرُ فَلَا يُشْتَرَطُ اقْتِرَانُهَا بِمَا تَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا، وَلَا يَجِبُ اسْتِصْحَابُهَا بَعْدَ التَّكْبِيرِ لِلْعُسْرِ لَكِنَّهُ يُسَنُّ، وَيُعْتَبَرُ عَدَمُ الْمُنَافِي كَمَا فِي عَقْدِ الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ تَعَالَى، فَإِنْ نَوَى الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ أَوْ تَرَدَّدَ فِي أَنْ يَخْرُجَ أَوْ يَسْتَمِرَّ بَطَلَتْ بِخِلَافِ الْوُضُوءِ وَالِاعْتِكَافِ وَالْحَجِّ وَالصَّوْمِ؛ لِأَنَّهَا أَضْيَقُ بَابًا مِنْ الْأَرْبَعَةِ فَكَانَ تَأْثِيرُهَا بِاخْتِلَافِ النِّيَّةِ أَشَدُّ‏.‏ فَالْعِبَادَةُ فِي قَطْعِ النِّيَّةِ أَضْرَبُ‏:‏ الْأَوَّلُ‏:‏ الْإِيمَانُ وَالصَّلَاةُ يَبْطُلَانِ بِنِيَّةِ الْخُرُوجِ وَبِالتَّرَدُّدِ‏.‏ الثَّانِي‏:‏ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ لَا يَبْطُلَانِ بِهِمَا‏.‏ الثَّالِثُ‏:‏ الصَّوْمُ وَالِاعْتِكَافُ الْأَصَحُّ أَنَّهُمَا لَا يَبْطُلَانِ‏.‏ الرَّابِعُ‏:‏ الْوُضُوءُ لَا يَبْطُلُ بِنِيَّةِ الْخُرُوجِ بَعْدَ الْفَرَاغِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَلَا بِالتَّرَدُّدِ فِيهِ قَطْعًا، وَلَا أَثَرَ لِلْوَسَاوِسِ الطَّارِقَةِ لِلْفِكْرِ بِلَا اخْتِيَارٍ بِأَنْ وَقَعَ فِي فِكْرِهِ أَنَّهُ لَوْ تَرَدَّدَ فِي الصَّلَاةِ كَيْفَ يَكُونُ الْحَالُ فَقَدْ يَقَعُ مِثْلُهُ فِي الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ تَعَالَى‏.‏ فُرُوعٌ‏:‏ لَوْ عُلِّقَ الْخُرُوجُ مِنْ الصَّلَاةِ بِحُصُولِ شَيْءٍ بَطَلَتْ فِي الْحَالِ وَلَوْ لَمْ يَقْطَعْ بِحُصُولِهِ كَتَعْلِيقِهِ بِدُخُولِ شَخْصٍ، وَفَارَقَ ذَلِكَ مَا لَوْ نَوَى فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى أَنْ يَفْعَلَ فِي الثَّانِيَةِ فِعْلًا مُبْطِلًا لِلصَّلَاةِ كَتَكَلُّمٍ وَأَكْلٍ حَيْثُ لَا تَبْطُلُ فِي الْحَالِ بِأَنَّهُ هُنَا لَيْسَ بِجَازِمٍ وَهُنَاكَ جَازِمٌ، وَالْمُحَرَّمُ عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ فِعْلُ الْمُنَافِي لِلصَّلَاةِ وَلَمْ يَأْتِ بِهِ‏.‏ وَلَوْ شَكَّ هَلْ أَتَى بِتَمَامِ النِّيَّةِ أَوْ لَا أَوْ هَلْ نَوَى ظُهْرًا أَوْ عَصْرًا، فَإِنْ تَذَكَّرَ بَعْدَ طُولِ زَمَانٍ أَوْ بَعْدَ إتْيَانِهِ بِرُكْنٍ وَلَوْ قَوْلِيًّا كَالْقِرَاءَةِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِانْقِطَاعِ نَظْمِهَا، وَنُدْرَةُ مِثْلِ ذَلِكَ فِي الْأُولَى، وَلِتَقْصِيرِهِ بِتَرْكِ التَّوَقُّفِ إلَى التَّذَكُّرِ فِي الثَّانِيَةِ، وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا إذْ كَانَ مِنْ حَقِّهِ أَنْ لَا يَأْتِيَ بِهِ وَيَتَوَقَّفَ عَنْ الْإِتْيَانِ بِهِ، بِخِلَافِ مَنْ زَادَ فِي صَلَاتِهِ رُكْنًا نَاسِيًا إذْ لَا حِيلَةَ فِي النِّسْيَانِ، ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَبَعْضُ الرُّكْنِ الْقَوْلِيِّ فِيمَا ذُكِرَ كَكُلِّهِ، وَمَحَلُّهُ إذَا طَالَ زَمَنُ الشَّكِّ أَوْ لَمْ يُعِدْ مَا قَرَأَهُ فِيهِ، وَأَلْحَقَ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ قِرَاءَةَ السُّورَةِ فِيمَا ذُكِرَ بِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ، وَفِيهَا عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَوْ ظَنَّ أَنَّهُ فِي صَلَاةٍ أُخْرَى فَأَتَمَّ عَلَيْهِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ ا هـ‏.‏ فَإِنْ تَذَكَّرَ قَبْلَ طُولِ الزَّمَانِ وَإِتْيَانِهِ بِرُكْنٍ لَمْ تَبْطُلْ لِكَثْرَةِ عُرُوضِ مِثْلِ ذَلِكَ‏.‏ وَقَوْلُ ابْنِ الْمُقْرِي تَبَعًا لِلْقَمُولِيِّ ‏:‏ إنَّهُ لَوْ قَنَتَ فِي سُنَّةِ الْفَجْرِ ظَانًّا أَنَّهَا الصُّبْحُ وَطَالَ الزَّمَانُ أَوْ أَتَى بِرُكْنٍ ثُمَّ تَذَكَّرَ بَطَلَتْ، قَالَ شَيْخِي‏:‏ ضَعِيفٌ لِمُخَالَفَتِهِ لِمَا نَقَلَهُ الْبَغَوِيّ عَنْ الْأَصْحَابِ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ‏.‏ وَلَوْ شَكَّ فِي الطَّهَارَةِ وَهُوَ جَالِسٌ لِلتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ فَقَامَ إلَى الثَّالِثَةِ ثُمَّ تَذَكَّرَ الطَّهَارَةَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ كَمَا لَوْ شَكَّ فِي النِّيَّةِ ثُمَّ تَذَكَّرَ بَعْدَ إحْدَاثِ فِعْلٍ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَامَ لِيَتَوَضَّأَ فَتَذَكَّرَ فَإِنَّهَا لَا تَبْطُلُ بَلْ يَعُودُ وَيَبْنِي وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ‏.‏

المتن

الثَّالِثُ الْقِيَامُ فِي فَرْضِ الْقَادِرِ‏.‏

الشرحُ

‏(‏الثَّالِثُ‏)‏ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ ‏(‏الْقِيَامُ فِي فَرْضِ الْقَادِرِ‏)‏ عَلَيْهِ وَلَوْ بِمُعَيَّنٍ بِأُجْرَةٍ فَاضِلَةٍ عَنْ مُؤْنَتِهِ وَمُؤْنَةِ مُمَوَّنِهِ يَوْمَهُ وَلَيْلَتَهُ فَيَجِبُ حَالَةَ الْإِحْرَامِ بِهِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا يَجِبُ أَنْ يُكَبِّرَ قَائِمًا حَيْثُ يَجِبُ الْقِيَامُ، لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ ‏(‏كَانَتْ بِي بَوَاسِيرُ فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الصَّلَاةِ ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ‏)‏ ‏.‏ زَادَ النَّسَائِيُّ ‏"‏ فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَمُسْتَلْقِيًا، لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا ‏"‏، وَأَجْمَعَ الْأُمَّةُ عَلَى ذَلِكَ، وَهُوَ مَعْلُومٌ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ، وَخَرَجَ بِالْفَرْضِ النَّفَلُ وَبِالْقَادِرِ الْعَاجِزُ وَسَيَأْتِي حُكْمُهُمَا، لَكِنَّهُ أَفْهَمَ صِحَّةَ صَلَاةِ الصَّبِيِّ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ، وَالْأَصَحُّ كَمَا فِي الْبَحْرِ خِلَافُهُ‏.‏ وَمِثْلُ صَلَاةِ الصَّبِيِّ الصَّلَاةُ الْمُعَادَةُ، وَاسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ مِنْ كَلَامِهِ مَسَائِلَ‏:‏ مِنْهَا مَا لَوْ خَافَ رَاكِبُ سَفِينَةٍ غَرَقًا، أَوْ دَوَرَانَ رَأْسٍ فَإِنَّهُ يُصَلِّي مِنْ قُعُودٍ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَمِنْهَا مَا لَوْ كَانَ بِهِ سَلَسُ بَوْلٍ لَوْ قَامَ سَالَ بَوْلُهُ، وَإِنْ قَعَدَ لَمْ يُسِلْ فَإِنَّهُ يُصَلِّي مِنْ قُعُودٍ عَلَى الْأَصَحِّ بِلَا إعَادَةٍ‏.‏ وَمِنْهَا مَا لَوْ قَالَ طَبِيبٌ ثِقَةٌ لِمَنْ بِعَيْنِهِ مَاءٌ‏:‏ إنْ صَلَّيْتَ مُسْتَلْقِيًا أَمْكَنَ مُدَاوَاتُك فَلَهُ تَرْكُ الْقِيَامِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَوْ أَمْكَنَ الْمَرِيضُ الْقِيَامَ مُنْفَرِدًا بِلَا مَشَقَّةٍ وَلَمْ يُمْكِنْهُ ذَلِكَ فِي جَمَاعَةٍ إلَّا بِأَنْ يُصَلِّيَ بَعْضَهَا قَاعِدًا فَالْأَفْضَلُ الِانْفِرَادُ، وَتَصِحُّ مَعَ الْجَمَاعَةِ وَإِنْ قَعَدَ فِي بَعْضِهَا كَمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ‏.‏ وَمِنْهَا مَا لَوْ كَانَ لِلْغُزَاةِ رَقِيبٌ يَرْقُبُ الْعَدُوَّ، وَلَوْ قَامَ لَرَآهُ الْعَدُوُّ، أَوْ جَلَسَ الْغُزَاةُ فِي مَكْمَنٍ، وَلَوْ قَامُوا لَرَآهُمْ الْعَدُوُّ وَفَسَدَ تَدْبِيرُ الْحَرْبِ صَلَّوْا قُعُودًا، وَوَجَبَتْ الْإِعَادَةُ عَلَى الْمَذْهَبِ لِنُدْرَةِ ذَلِكَ، لَا إنْ خَافُوا قَصْدَ الْعَدُوِّ لَهُمْ، فَلَا تَلْزَمُهُمْ الْإِعَادَةُ كَمَا صَحَّحَهُ فِي التَّحْقِيقِ، وَنَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ تَصْحِيحِ الْمُتَوَلِّي، وَقِيلَ‏:‏ تَلْزَمُهُمْ الْإِعَادَةُ كَمَا نَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ النَّصِّ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْعُذْرَ هُنَا أَعْظَمُ مِنْهُ ثَمَّ، وَفِي الْحَقِيقَةِ لَا اسْتِثْنَاءَ؛ لِأَنَّ مَنْ ذُكِرَ عَاجِزٌ إمَّا لِضَرُورَةِ التَّدَاوِي، أَوْ خَوْفِ الْغَرَقِ، أَوْ الْخَوْفِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَتَنَاوَلَهُ كَلَامُهُ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ لِمَ أُخِّرَ الْقِيَامُ عَنْ النِّيَّةِ وَالتَّكْبِيرُ مَعَ أَنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِمَا‏؟‏‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّهُمَا رُكْنَانِ فِي الصَّلَاةِ مُطْلَقًا وَهُوَ رُكْنٌ فِي الْفَرِيضَةِ فَقَطْ، فَلِذَا قُدِّمَا عَلَيْهِ‏.‏

المتن

وَشَرْطُهُ نَصْبُ فَقَارَهُ، فَإِنْ وَقَفَ مُنْحَنِيًا أَوْ مَائِلًا بِحَيْثُ لَا يُسَمَّى قَائِمًا لَمْ يَصِحَّ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَشَرْطُهُ‏)‏ أَيْ الْقِيَامِ ‏(‏نَصْبُ فَقَارِهَ‏)‏ أَيْ الْمُصَلِّي، وَهُوَ بِفَتْحِ الْفَاءِ عِظَامٌ مِنْ الظَّهْرِ أَوْ مَفَاصِلِهِ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْقِيَامِ دَائِرٌ مَعَهُ، لَا نَصْبَ رَقَبَتِهِ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ إطْرَاقُ الرَّأْسِ ‏(‏فَإِنْ وَقَفَ مُنْحَنِيًا‏)‏ إلَى قُدَّامِهِ أَوْ خَلْفِهِ ‏(‏أَوْ مَائِلًا‏)‏ إلَى يَمِينِهِ أَوْ يَسَارِهِ ‏(‏بِحَيْثُ لَا يُسَمَّى قَائِمًا لَمْ يَصِحَّ‏)‏ قِيَامُهُ لِتَرْكِهِ الْوَاجِبَ بِلَا عُذْرٍ‏.‏ وَالِانْحِنَاءُ السَّالِبُ لِلِاسْمِ‏:‏ أَنْ يَصِيرَ إلَى الرُّكُوعِ أَقْرَبَ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ أَقْرَبَ إلَى الْقِيَامِ أَوْ اسْتَوَى الْأَمْرَانِ صَحَّ، وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ نَظَرَ فِيهِ الْأَذْرَعِيُّ، وَلَوْ اسْتَنَدَ إلَى شَيْءٍ كَجِدَارٍ أَجْزَأَهُ مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَلَوْ تَحَامَلَ عَلَيْهِ وَكَانَ بِحَيْثُ لَوْ رَفَعَ مَا اسْتَنَدَ إلَيْهِ لَسَقَطَ لِوُجُودِ اسْمِ الْقِيَامِ، وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ يَرْفَعُ قَدَمَيْهِ إنْ شَاءَ وَهُوَ مُسْتَنِدٌ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى قَائِمًا بَلْ مُعَلِّقًا نَفْسَهُ‏.‏

المتن

فَإِنْ لَمْ يُطِقْ انْتِصَابًا، وَصَارَ كَرَاكِعٍ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَقِفُ كَذَلِكَ، وَيَزِيدُ انْحِنَاءَهُ لِرُكُوعِهِ إنْ قَدَرَ

الشرحُ

‏(‏فَإِنْ لَمْ يُطِقْ انْتِصَابًا‏)‏ لِنَحْوُ مَرَضٍ كَكِبَرٍ ‏(‏وَصَارَ كَرَاكِعٍ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَقِفُ‏)‏ وُجُوبًا ‏(‏كَذَلِكَ‏)‏؛ لِأَنَّهُ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبُ ‏(‏وَيَزِيدُ انْحِنَاءَهُ لِرُكُوعِهِ إنْ قَدَرَ‏)‏ عَلَى الزِّيَادَةِ لِيَتَمَيَّزَ الرُّكْنَانِ‏.‏ وَالثَّانِي‏:‏ لَا بَلْ يَقْعُدُ، فَإِذَا وَصَلَ إلَى الرُّكُوعِ لَزِمَهُ الِارْتِفَاعُ؛ لِأَنَّ حَدَّ الرُّكُوعِ يُفَارِقُ حَدَّ الْقِيَامِ، فَلَا يَتَأَدَّى هَذَا بِذَاكَ‏.‏

المتن

وَلَوْ أَمْكَنَهُ

الشرحُ

‏(‏وَلَوْ أَمْكَنَهُ‏)‏ الْقِيَامُ مُتَّكِئًا عَلَى شَيْءٍ أَوْ الْقِيَامُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ لَزِمَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَيْسُورُهُ‏.‏

المتن

الْقِيَامُ دُونَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ قَامَ وَفَعَلَهُمَا بِقَدْرِ إمْكَانِهِ‏.‏

الشرحُ

أَوْ أَمْكَنَهُ ‏(‏الْقِيَامُ دُونَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ‏)‏ لِعِلَّةٍ بِظَهْرِهِ مَثَلًا تَمْنَعُ الِانْحِنَاءَ ‏(‏قَامَ‏)‏ وُجُوبًا ‏(‏وَفَعَلَهُمَا بِقَدْرِ إمْكَانِهِ‏)‏ فِي الِانْحِنَاءِ لَهُمَا بِالصُّلْبِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ ‏(‏إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ‏)‏ فَإِنْ عَجَزَ فَبِالرَّقَبَةِ وَالرَّأْسِ، فَإِنْ عَجَزَ أَوْمَأَ إلَيْهِمَا‏.‏

المتن

وَلَوْ عَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ قَعَدَ كَيْفَ شَاءَ‏.‏

الشرحُ

وَلَوْ قَدَرَ عَلَى الرُّكُوعِ دُونَ السُّجُودِ أَتَى بِهِ مَرَّتَيْنِ‏:‏ مَرَّةً لِلرُّكُوعِ وَمَرَّةً لِلسُّجُودِ، وَإِنْ قَدَرَ عَلَى زِيَادَةٍ عَلَى الرُّكُوعِ لَزِمَهُ أَنْ يَقْتَصِرَ فِي الرُّكُوعِ عَلَى حَدِّ الْكَمَالِ وَيَأْتِيَ بِالزِّيَادَةِ لِلسُّجُودِ، وَمَنْ قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ وَالِاضْطِجَاعِ فَقَطْ قَامَ بَدَلَ الْقُعُودِ‏.‏ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْبَغَوِيِّ‏:‏ لِأَنَّهُ قُعُودٌ وَزِيَادَةٌ، وَأَوْمَأَ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ إمْكَانَهُ وَتَشَهَّدَ قَائِمًا ‏(‏وَلَوْ عَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ قَعَدَ‏)‏ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ وَلِلْإِجْمَاعِ ‏(‏كَيْفَ شَاءَ‏)‏ لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ، وَلَا يَنْقُصُ ثَوَابُهُ عَنْ ثَوَابِ الْمُصَلِّي قَائِمًا؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ‏.‏ قَالَ الرَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَا نَعْنِي بِالْعَجْزِ عَدَمُ الْإِمْكَانِ فَقَطْ، بَلْ فِي مَعْنَاهُ خَوْفُ الْهَلَاكِ أَوْ الْغَرَقِ وَزِيَادَةُ الْمَرَضِ، أَوْ لِخَوْفِ مَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ، أَوْ دَوَرَانِ الرَّأْسِ فِي حَقِّ رَاكِبِ السَّفِينَةِ كَمَا تَقَدَّمَ بَعْضُ ذَلِكَ‏.‏ قَالَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ‏:‏ وَاَلَّذِي اخْتَارَهُ الْإِمَامُ فِي ضَبْطِ الْعَجْزِ أَنْ تَلْحَقَهُ مَشَقَّةٌ تُذْهِبُ خُشُوعَهُ، لَكِنَّهُ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ‏:‏ إنَّ الْمَذْهَبَ خِلَافُهُ ا هـ‏.‏ وَجَمَعَ شَيْخِي بَيْنَ كَلَامَيْ الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ بِأَنَّ إذْهَابَ الْخُشُوعِ يَنْشَأُ عَنْ مَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ‏.‏

المتن

وَافْتِرَاشُهُ أَفْضَلُ مِنْ تَرَبُّعِهِ فِي الْأَظْهَرِ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَ‏)‏ لَكِنْ ‏(‏افْتِرَاشُهُ‏)‏ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي مَوْضِعِ قِيَامِهِ ‏(‏أَفْضَلُ مِنْ تَرَبُّعِهِ‏)‏ وَغَيْرِهِ ‏(‏فِي الْأَظْهَرِ‏)‏؛ لِأَنَّهَا هَيْئَةٌ مَشْرُوعَةٌ فِي الصَّلَاةِ فَكَانَتْ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهَا‏.‏ وَالثَّانِي تَرْبِيعُهُ أَفْضَلُ، وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ‏.‏ وَقِيلَ‏:‏ إنَّ تَرْبِيعَ الْمَرْأَةِ أَفْضَلُ، وَاخْتَارَهُ فِي الْحَاوِي؛ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهَا، وَقِيلَ‏:‏ التَّوَرُّكُ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ أَعْوَنُ لِلْمُصَلِّي‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ لَا يُؤْخَذُ مِنْ الْعِبَارَةِ تَفْضِيلُ الِافْتِرَاشِ عَلَى سَائِرِ الْهَيْئَاتِ بَلْ عَلَى التَّرْبِيعِ فَقَطْ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ فِي الْمُحَرَّرِ بِالتَّرْبِيعِ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّهُ إذَا فَضَلَ عَلَى التَّرْبِيعِ فَغَيْرُهُ أَوْلَى، وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ أَفْضَلِيَّتِهِ عَلَى التَّرْبِيعِ أَفْضَلِيَّتِهِ عَلَى التَّوَرُّكِ؛ لِأَنَّ التَّوَرُّكَ قُعُودُ عِبَادَةٍ، بِخِلَافِ التَّرْبِيعِ، وَإِنَّمَا فُضِّلَ الِافْتِرَاشُ عَلَى التَّوَرُّكِ؛ لِأَنَّهُ قُعُودٌ يَعْقُبُهُ حَرَكَةٌ فَأَشْبَهَ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ، فَلَوْ أَطْلَقَ كَالْمُحَرَّرِ أَوْ زَادَ مَا قَدَّرْتُهُ كَانَ أَوْلَى‏.‏

المتن

وَيُكْرَهُ الْإِقْعَاءُ بِأَنْ يَجْلِسَ عَلَى وَرِكَيْهِ نَاصِبًا رُكْبَتَيْهِ ثُمَّ يَنْحَنِي لِرُكُوعِهِ بِحَيْثُ تُحَاذِي جَبْهَتُهُ مَا قُدَّامُ رُكْبَتَيْهِ، وَالْأَكْمَلُ أَنْ تُحَاذِيَ مَوْضِعَ سُجُودِهِ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَيُكْرَهُ الْإِقْعَاءُ‏)‏ هُنَا وَفِي سَائِرِ قَعَدَاتِ الصَّلَاةِ لِلنَّهْيِ عَنْهُ كَمَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَفُسِّرَ الْإِقْعَاءُ بِتَفَاسِيرَ أَحْسَنُهَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ ‏(‏بِأَنْ يَجْلِسَ‏)‏ الْمُصَلِّي ‏(‏عَلَى وَرِكَيْهِ‏)‏ وَهُمَا أَصْلُ فَخْذَيْهِ ‏(‏نَاصِبًا رُكْبَتَيْهِ‏)‏ بِأَنْ يُلْصِقَ أَلْيَيْهِ بِمَوْضِعِ صَلَاتِهِ، وَيَنْصِبَ فَخْذَيْهِ وَسَاقَيْهِ كَهَيْئَةِ الْمُسْتَوْفِزِ، وَضَمَّ إلَيْهِ أَبُو عُبَيْدَةَ أَنْ يَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ، وَوَجْهُ النَّهْيِ عَنْهُ مَا فِيهِ مِنْ التَّشَبُّهِ بِالْكَلْبِ وَالْقِرْدِ كَمَا وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِهِ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ‏.‏ وَمِنْ الْإِقْعَاءِ نَوْعٌ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَابْنِ الصَّلَاحِ، وَهُوَ أَنْ يَفْرِشَ رِجْلَيْهِ وَيَضَعَ أَلْيَيْهِ عَلَى عَقِبَيْهِ، وَجَعَلَهُ الرَّافِعِيُّ أَحَدَ الْأَوْجُهِ فِي تَفْسِيرِ الْإِقْعَاءِ الْمَكْرُوهِ، وَعَلَى هَذَا فَهُوَ تَفْسِيرٌ ثَانٍ لِلْمَكْرُوهِ، وَفَسَّرَ الْبَيْهَقِيُّ الْمُسْتَحَبَّ بِأَنْ يَضَعَ أَطْرَافَ أَصَابِعِهِ بِالْأَرْضِ وَأَلْيَيْهِ عَلَى عَقِبَيْهِ، وَفِي الْبُوَيْطِيِّ نَحْوَهُ، وَظَاهِرُهُ نَصْبُ قَدَمَيْهِ لَا فَرْشُهُمَا‏.‏ وَالتَّفْسِيرُ الثَّالِثُ أَنْ يَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ وَيَقْعُدَ عَلَى أَطْرَافِ أَصَابِعِهِ‏.‏ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ‏:‏ وَيُكْرَهُ أَيْضًا أَنْ يَقْعُدَ مَادًّا رِجْلَيْهِ ‏(‏ثُمَّ يَنْحَنِي‏)‏ الْمُصَلِّي قَاعِدًا ‏(‏لِرُكُوعِهِ بِحَيْثُ تُحَاذِي‏)‏ أَيْ تُقَابِلُ ‏(‏جَبْهَتُهُ مَا قُدَّامُ رُكْبَتَيْهِ‏)‏ وَهَذَا أَقَلُّ رُكُوعِهِ ‏(‏وَالْأَكْمَلُ أَنْ تُحَاذِيَ مَوْضِعَ سُجُودِهِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ يُضَاهِي رُكُوعَ الْقَائِمِ فِي الْمُحَاذَاةِ فِي الْأَقَلِّ وَالْأَكْمَلِ‏.‏

المتن

فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْقُعُودِ صَلَّى لِجَنْبِهِ الْأَيْمَنِ، فَإِنْ عَجَزَ فَمُسْتَلْقِيًا‏.‏

الشرحُ

‏(‏فَإِنْ عَجَزَ‏)‏ الْمُصَلِّي ‏(‏عَنْ الْقُعُودِ‏)‏ بِأَنْ نَالَهُ مِنْ الْقُعُودِ تِلْكَ الْمَشَقَّةُ الْحَاصِلَةُ مِنْ الْقِيَامِ ‏(‏صَلَّى لِجَنْبِهِ‏)‏ مُسْتَقْبِلًا الْقِبْلَةَ بِوَجْهِهِ وَمُقَدَّمِ بَدَنِهِ وُجُوبًا لِحَدِيثِ عِمْرَانَ السَّابِقِ‏:‏ وَكَالْمَيِّتِ فِي اللَّحْدِ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى ‏(‏الْأَيْمَنِ‏)‏ وَيُكْرَهُ عَلَى الْأَيْسَرِ بِلَا عُذْرٍ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ ‏(‏فَإِنْ عَجَزَ‏)‏ عَنْ الْجَنْبِ ‏(‏فَمُسْتَلْقِيًا‏)‏ عَلَى ظَهْرِهِ وَأُخْمُصَاهُ لِلْقِبْلَةِ، وَلَا بُدَّ مِنْ وَضْعِ نَحْوِ وِسَادَةٍ تَحْتَ رَأْسِهِ لِيَسْتَقْبِلَ بِوَجْهِهِ الْقِبْلَةَ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْكَعْبَةِ وَهِيَ مَسْقُوفَةٌ، فَالْمُتَّجَهُ كَمَا قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ‏:‏ جَوَازُ الِاسْتِلْقَاءِ عَلَى ظَهْرِهِ، وَكَذَا عَلَى وَجْهِهِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُسْقَفَةً؛ لِأَنَّهُ كَيْفَمَا تَوَجَّهَ فَهُوَ مُتَوَجِّهٌ لِجُزْءٍ مِنْهَا، وَيَرْكَعُ وَيَسْجُدُ بِقَدْرِ إمْكَانِهِ، فَإِنْ قَدَرَ الْمُصَلِّي عَلَى الرُّكُوعِ فَقَطْ كَرَّرَهُ لِلسُّجُودِ، وَمَنْ قَدَرَ عَلَى زِيَادَةٍ عَلَى أَكْمَلِ الرُّكُوعِ تَعَيَّنَتْ تِلْكَ الزِّيَادَةُ لِلسُّجُودِ؛ لِأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا وَاجِبٌ عَلَى الْمُتَمَكِّنِ‏.‏ وَلَوْ عَجَزَ عَنْ السُّجُودِ إلَّا أَنْ يَسْجُدَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ أَوْ صُدْغِهِ، وَكَانَ بِذَلِكَ أَقْرَبَ إلَى الْأَرْضِ وَجَبَ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ أَوْمَأَ بِرَأْسِهِ، وَالسُّجُودُ أَخْفَضُ مِنْ الرُّكُوعِ، فَإِنْ عَجَزَ فَبِبَصَرِهِ، فَإِنْ عَجَزَ أَجْرَى أَفْعَالَ الصَّلَاةِ بِسُنَنِهَا عَلَى قَلْبِهِ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، وَلَا تَسْقُطُ عَنْهُ الصَّلَاةُ وَعَقْلُهُ ثَابِتٌ لِوُجُودِ مَنَاطِ التَّكْلِيفِ‏.‏ فُرُوعٌ‏:‏ لَوْ قَدَرَ فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ عَلَى الْقِيَامِ أَوْ الْقُعُودِ أَوْ عَجَزَ عَنْهُ أَتَى بِالْمَقْدُورِ لَهُ وَبَنَى عَلَى قِرَاءَتِهِ، وَيُسْتَحَبُّ إعَادَتُهَا فِي الْأُولَيَيْنِ لِتَقَعَ حَالَ الْكَمَالِ، وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ أَوْ الْقُعُودِ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ قَرَأَ قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا، وَلَا تُجْزِئُهُ قِرَاءَتُهُ فِي نُهُوضِهِ لِقُدْرَتِهِ عَلَيْهَا فِيمَا هُوَ أَكْمَلُ مِنْهُ، فَلَوْ قَرَأَ فِيهِ شَيْئًا أَعَادَهُ، وَتَجِبُ الْقِرَاءَةُ فِي هُوِيِّ الْعَاجِزِ؛ لِأَنَّهُ أَكْمَلُ مِمَّا بَعْدَهُ وَلَوْ قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ وَجَبَ قِيَامٌ بِلَا طُمَأْنِينَةٍ لِيَرْكَعَ مِنْهُ لِقُدْرَتِهِ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ الطُّمَأْنِينَةُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ لِنَفْسِهِ، وَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ فِي الرُّكُوعِ قَبْلَ الطُّمَأْنِينَةِ ارْتَفَعَ لَهَا إلَى حَدِّ الرُّكُوعِ عَنْ قِيَامٍ، فَإِنْ انْتَصَبَ ثُمَّ رَكَعَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ رُكُوعٍ، أَوْ بَعْدَ الطُّمَأْنِينَةِ فَقَدْ تَمَّ رُكُوعُهُ، وَلَا يَلْزَمُهُ الِانْتِقَالُ إلَى حَدِّ الرَّاكِعِينَ، وَلَوْ قَدَرَ فِي الِاعْتِدَالِ قَبْلَ الطُّمَأْنِينَةِ قَامَ وَاطْمَأَنَّ، وَكَذَا بَعْدَهَا إنْ أَرَادَ قُنُوتًا فِي مَحَلِّهِ، وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُهُ الْقِيَامُ؛ لِأَنَّ الِاعْتِدَالَ رُكْنٌ قَصِيرٌ فَلَا يَطُولُ، وَقَضِيَّةُ الْمُعَلَّلِ جَوَازُ الْقِيَامِ، وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ مَنْعُهُ، وَهُوَ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَوْجَهُ، فَإِنْ قَنَتَ قَاعِدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ‏.‏

فَائِدَةٌ‏:‏

سُئِلَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ عَنْ رَجُلٍ يَتَّقِي الشُّبُهَاتِ، وَيَقْتَصِرُ عَلَى مَأْكُولٍ يَسُدُّ الرَّمَقَ مِنْ نَبَاتِ الْأَرْضِ وَنَحْوِهِ فَضَعُفَ بِسَبَبِ ذَلِكَ عَنْ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ وَالْقِيَامِ فِي الْفَرَائِضِ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ لَا خَيْرَ فِي وَرَعٍ يُؤَدِّي إلَى إسْقَاطِ فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى‏.‏ ‏(‏وَلِلْقَادِرِ‏)‏ عَلَى الْقِيَامِ ‏(‏التَّنَفُّلُ قَاعِدًا‏)‏ بِالْإِجْمَاعِ سَوَاءٌ الرَّوَاتِبُ وَغَيْرُهَا؛ لِأَنَّ النَّفَلَ يَكْثُرُ، فَاشْتِرَاطُ الْقِيَامِ فِيهِ يُؤَدِّي إلَى الْحَرَجِ أَوْ التَّرْكِ، وَلِهَذَا قِيلَ‏:‏ لَا يُصَلِّي الْعِيدَيْنِ وَالْكُسُوفَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاءَ مِنْ قُعُودٍ مَعَ الْقُدْرَةِ لِنُدْرَتِهَا‏.‏

المتن

وَكَذَا مُضْطَجِعًا فِي الْأَصَحِّ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَكَذَا‏)‏ لَهُ النَّفَلُ ‏(‏مُضْطَجِعًا‏)‏ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ ‏(‏فِي الْأَصَحِّ‏)‏ لِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ ‏(‏مَنْ صَلَّى قَائِمًا فَهُوَ أَفْضَلُ، وَمَنْ صَلَّى قَاعِدًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَائِمِ، وَمَنْ صَلَّى نَائِمًا أَيْ مُضْطَجِعًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَاعِدِ‏)‏‏.‏ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ، فَإِنْ اضْطَجَعَ عَلَى الْأَيْسَرِ جَازَ، وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَقْعُدَ لِلرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَقِيلَ‏:‏ يُومِئُ بِهِمَا أَيْضًا‏.‏ وَالثَّانِي‏:‏ لَا يَصِحُّ مِنْ اضْطِجَاعٍ لِمَا فِيهِ مِنْ انْمِحَاقِ صُورَةِ الصَّلَاةِ‏.‏ قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ‏:‏ فَإِنْ اسْتَلْقَى مَعَ إمْكَانِ الِاضْطِجَاعِ لَمْ يَصِحَّ، وَقِيلَ‏:‏ الْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَ مُسْتَلْقِيًا فَإِنَّ اضْطَجَعَ صَحَّ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ، وَمَحَلُّ نُقْصَانِ أَجْرِ الْقَاعِدِ وَالْمُضْطَجِعِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ وَإِلَّا لَمْ يَنْقُصْ مِنْ أَجْرِهِمَا شَيْءٌ‏.‏

المتن

الرَّابِعُ‏:‏ الْقِرَاءَةُ، وَيُسَنُّ بَعْدَ التَّحَرُّمِ دُعَاءُ الِافْتِتَاحِ

الشرحُ

‏(‏الرَّابِعُ‏)‏ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ ‏(‏الْقِرَاءَةُ‏)‏ لِلْفَاتِحَةِ كَمَا سَيَأْتِي ‏(‏وَيُسَنُّ بَعْدَ التَّحَرُّمِ‏)‏ أَيْ عَقِبَهُ وَلَوْ لِلنَّفْلِ ‏(‏دُعَاءُ الِافْتِتَاحِ‏)‏ وَهُوَ‏:‏ ‏(‏وَجَّهْتُ وَجْهِيَّ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ إنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي أَيْ عِبَادَتِي وَمَحْيَايَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَمَمَاتِي بِإِسْكَانِ الْيَاءِ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ فِيهِمَا، وَيَجُوزُ فِيهِمَا الْإِسْكَانُ وَالْفَتْحُ، لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْت وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ‏)‏، وَإِنْ كَانَ الَّذِي فِي الْآيَةِ ‏(‏وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ‏)‏ ‏[‏الْأَنْعَامَ‏]‏ وَذَلِكَ لِلِاتِّبَاعِ‏.‏ رَوَاهُ مُسْلِمٌ إلَّا كَلِمَةَ‏:‏ مُسْلِمًا، فَابْنُ حِبَّانَ‏.‏ وَفِي رِوَايَةٍ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ‏.‏ وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ بِمَا فِيهَا؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مُسْلِمٍ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَيُسْرِعُ بِهِ الْمَأْمُومُ وَيَقْتَصِرُ عَلَيْهِ لِيَسْمَعَ قِرَاءَةَ إمَامِهِ، وَيَزِيدُ الْمُنْفَرِدُ وَإِمَامُ عَلِمَ رِضَا مُقْتَدٍ بِهِ‏:‏ اللَّهُمَّ أَنْتَ الْمَلِكُ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ سُبْحَانَك وَبِحَمْدِكَ، أَنْتَ رَبِّي وَأَنَا عَبْدُكَ، ظَلَمْتُ نَفْسِي وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي جَمِيعًا إنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ، وَاهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ لَا يَهْدِينِي لِأَحْسَنِهَا إلَّا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إلَّا أَنْتَ، لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْكَ، وَالشَّرُّ لَيْسَ إلَيْكَ‏:‏ أَيْ لَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إلَيْكَ‏.‏ وَقِيلَ‏:‏ لَا يُفْرَدُ بِالْإِضَافَةِ إلَيْكَ، وَقِيلَ‏:‏ لَا يَصْعَدُ، وَإِنَّمَا يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ، وَقِيلَ‏:‏ لَيْسَ شَرًّا بِالنِّسْبَةِ إلَيْكَ فَإِنَّكَ خَلَقْتَهُ لِحِكْمَةٍ بَالِغَةٍ، وَإِنَّمَا هُوَ شَرٌّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْخَلْقِ، أَنَا بِكَ وَإِلَيْكَ، تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ، أَسْتَغْفِرُك وَأَتُوبُ إلَيْكَ‏.‏ وَقَدْ صَحَّ دُعَاءُ الِافْتِتَاحِ أَخْبَارٌ أُخَرُ لَا نُطِيلُ بِذِكْرِهَا، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي التَّعْبِيرِ بِقَوْلِهِ‏:‏ حَنِيفًا وَمِنْ الْمُشْرِكِينَ وَمِنْ الْمُسْلِمِينَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، وَهُوَ صَحِيحٌ عَلَى إرَادَةِ الْأَشْخَاصِ‏:‏ أَيْ وَأَنَا مِنْ الْأَشْخَاصِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَنَا شَخْصٌ حَنِيفًا مُسْلِمًا، فَتَأْتِي بِهِمَا الْمَرْأَةُ كَذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمَا حَالَانِ مِنْ الْوَجْهِ، وَالْمُرَادُ بِالْوَجْهِ‏:‏ ذَاتُ الْإِنْسَانِ وَجُمْلَةُ بَدَنِهِ، وَلَا يَصِحُّ كَوْنُهُمَا حَالَيْنِ مِنْ تَاءِ الضَّمِيرِ فِي وَجَّهْتُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَلْزَمُ التَّأْنِيثُ، وَيَدُلُّ لَهُ مَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ ‏(‏أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِفَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا‏:‏ قَوْمِي فَاشْهَدِي أُضْحِيَّتَكِ، وَقَوْلِي‏:‏ إنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي إلَى قَوْلِهِ‏:‏ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ‏)‏‏.‏ وَقَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَكَانَتْ مِنْ الْقَانِتِينَ‏}‏ ‏[‏التَّحْرِيمَ‏]‏‏:‏ أَيْ الْقَوْمِ الْمُطِيعِينَ، وَلَوْ تَرَكَ دُعَاءُ الِافْتِتَاحِ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا حَتَّى شَرَعَ فِي التَّعَوُّذِ لَمْ يَعُدْ إلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ، وَلَا يُسَنُّ لِمَنْ خَافَ فَوْتَ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ أَوْ فَوْتَ وَقْتِ الصَّلَاةِ أَوْ وَقْتِ الْأَدَاءِ بِأَنْ لَمْ يَبْقَ مِنْ وَقْتِهَا إلَّا مَا يَسَعُ رَكْعَةً، بَلْ يَأْتِي بِالْقِرَاءَةِ؛ لِأَنَّهَا فَرْضٌ، فَلَا يَشْتَغِلُ عَنْهُ بِالنَّفْلِ وَلَا فِيمَا إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي غَيْرِ الْقِيَامِ إلَّا فِيمَا إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ، أَوْ فِي التَّشَهُّدِ وَقَامَ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ، أَوْ خَرَجَ مِنْ الصَّلَاةِ بِحَدَثٍ أَوْ غَيْرِهِ قَبْلَ أَنْ يُوَافِقَهُ، وَلَا فِي صَلَاةِ جِنَازَةٍ‏.‏

المتن

ثُمَّ التَّعَوُّذُ، وَيُسِرُّهُمَا، وَيَتَعَوَّذُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَالْأُولَى آكَدُ‏.‏

الشرحُ

‏(‏ثُمَّ التَّعَوُّذُ‏)‏ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ‏}‏ ‏[‏النَّحْلُ‏]‏ وَالرَّجِيمُ‏:‏ الْمَطْرُودُ، وَقِيلَ‏:‏ الْمَرْجُومُ بِالشُّهُبِ، وَيَحْصُلُ بِكُلٍّ مَا اشْتَمَلَ عَلَى التَّعَوُّذِ مِنْ الشَّيْطَانِ، وَأَفْضَلُهُ‏:‏ أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، وَقِيلَ‏:‏ أَعُوذُ بِاَللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ اسْتِحْبَابِ التَّعَوُّذِ مَا تَقَدَّمَ اسْتِثْنَاؤُهُ فِي دُعَاءِ الِافْتِتَاحِ إلَّا فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ فَإِنَّهُ يُسَنُّ التَّعَوُّذُ فِيهَا ‏(‏وَيُسِرُّهُمَا‏)‏ أَيْ الِافْتِتَاحَ وَالتَّعَوُّذَ نَدْبًا فِي الْجَهْرِيَّةِ وَالسَّرِيَّةِ كَسَائِرِ الْأَذْكَارِ الْمُسْتَحَبَّةِ بِحَيْثُ يُسْمِعُ نَفْسَهُ لَوْ كَانَ سَمِيعًا، وَقِيلَ‏:‏ يُسْتَحَبُّ الْجَهْرُ بِالتَّعَوُّذِ فِي الْجَهْرِيَّةِ تَبَعًا لِلْقِرَاءَةِ فَأَشْبَهَ التَّأْمِينَ ‏(‏وَيَتَعَوَّذُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ عَلَى الْمَذْهَبِ‏)‏ لِحُصُولِ الْفَصْلِ بَيْنَ الْقِرَاءَتَيْنِ بِالْكُوعِ وَغَيْرِهِ ‏(‏وَالْأُولَى آكَدُ‏)‏ مِمَّا بَعْدَهَا لِلِاتِّفَاقِ عَلَيْهَا، وَلِأَنَّ افْتِتَاحَ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ إنَّمَا هُوَ فِيهَا‏.‏ وَالطَّرِيقُ الثَّانِي قَوْلَانِ‏:‏ أَحَدُهُمَا هَذَا‏.‏ وَالثَّانِي‏:‏ يَتَعَوَّذُ فِي الْأَوَّلِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ فِي الصَّلَاةِ وَاحِدَةٌ كَمَا لَا يُعِيدُهُ لَوْ سَجَدَ لِلتِّلَاوَةِ ثُمَّ عَادَ لِلْقِرَاءَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ، وَصَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي مَجْمُوعِهِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ تَرَكَهُ فِي الْأُولَى عَمْدًا أَوْ سَهْوًا أَتَى بِهِ فِي الثَّانِيَةِ بِخِلَافِ دُعَاءِ الِافْتِتَاحِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

كَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي اسْتِحْبَابَ التَّعَوُّذِ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَلَمْ تُوجَدْ بِخِلَافِ دُعَاءِ الِافْتِتَاحِ‏.‏

المتن

وَتَتَعَيَّنُ الْفَاتِحَةُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ إلَّا رَكْعَةَ مَسْبُوقٍ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَتَتَعَيَّنُ الْفَاتِحَةُ‏)‏ أَيْ قِرَاءَتُهَا حِفْظًا، أَوْ نَظَرًا فِي مُصْحَفٍ أَوْ تَلْقِينًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ ‏(‏فِي كُلِّ رَكْعَةٍ‏)‏ فِي قِيَامِهَا أَوْ بَدَلِهِ لِلْمُنْفَرِدِ وَغَيْرِهِ سِرِّيَّةً كَانَتْ الصَّلَاةُ أَوْ جَهْرِيَّةً فَرْضًا أَوْ نَفْلًا، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏(‏لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَا يَقْرَأُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ‏)‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ‏.‏ وَخَبَرُ ‏(‏لَا تُجْزِئُ صَلَاةٌ لَا يُقْرَأُ فِيهَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ‏)‏‏.‏ رَوَاهُ ابْنَا خُزَيْمَةَ وَحَبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا‏.‏ وَلِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا فِي مُسْلِمٍ مَعَ خَبَرِ الْبُخَارِيِّ ‏(‏صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي‏)‏‏.‏ وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ‏}‏ ‏[‏الْمُزَّمِّلُ‏]‏ فَوَارِدٌ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ لَا فِي قَدْرِ الْقِرَاءَةِ، أَوْ مَحْمُولٌ مَعَ خَبَرِ ‏(‏ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ عَلَى الْفَاتِحَةِ‏)‏ أَوْ عَلَى الْعَاجِزِ عَنْهَا، جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ، وَتَتَعَيَّنُ الْفَاتِحَةُ أَيْضًا فِي الْقِيَامِ الثَّانِي مِنْ صَلَاةِ الْكُسُوفَيْنِ، وَيَتَعَوَّذُ قَبْلَ قِرَاءَتِهَا كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى‏.‏

فَائِدَةٌ‏:‏

نَقَلَ تَعَيُّنَ الْفَاتِحَةِ الشَّيْخُ أَبُو زَيْدٍ عَنْ نَيِّفٍ وَعِشْرِينَ صَحَابِيًّا، وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِافْتِتَاحِ الْقُرْآنِ بِهَا، وَبِأُمِّ الْكِتَابِ وَبِأُمِّ الْقُرْآنِ، وَالْأَسَاسِ؛ لِأَنَّهَا أَوَّلُهُ وَأَصْلُهُ كَمَا سُمِّيَتْ مَكَّةُ أُمَّ الْقُرَى؛ لِأَنَّهَا أَوَّلُ الْأَرْضِ وَأَصْلُهَا وَمِنْهَا دُحِيَتْ، وَزِيدَ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهَا سُمِّيَتْ أَيْضًا السَّبْعَ الْمَثَانِيَ؛ لِأَنَّهَا سَبْعُ آيَاتٍ وَتُثَنَّى فِي الصَّلَاةِ، وَأُنْزِلَتْ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً بِمَكَّةَ وَمَرَّةً بِالْمَدِينَةِ، وَالْوَافِيَةَ بِالْفَاءِ؛ لِأَنَّ تَبْعِيضَهَا لَا يَجُوزُ، وَالْوَاقِيَةَ بِالْقَافِ؛ لِأَنَّهَا تَقِي مِنْ السُّوءِ، وَالْكَافِيَةَ؛ لِأَنَّهَا لَا تُجْزِئُ عَنْ غَيْرِهَا، وَالشِّفَاءَ، وَوَرَدَ فِيهِ حَدِيثٌ، وَمَعْنَاهُ وَاضِحٌ، وَالْكَنْزَ، وَالْحَمْدَ لِذِكْرِ الْحَمْدِ فِيهَا‏.‏ قَالَ الدَّمِيرِيُّ‏:‏ وَفِي تَفْسِيرِ تَقِيِّ الدِّينِ بْنِ مَخْلَدٍ‏:‏ أَنَّ إبْلِيسَ لَعَنَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - رَنَّ أَرْبَعَ رَنَّاتٍ‏:‏ رَنَّةٌ حِينَ لُعِنَ، وَرَنَّةٌ حَيْثُ أُهْبِطَ، وَرَنَّةٌ حِينَ وُلِدَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَنَّةٌ حِينَ أُنْزِلَتْ فَاتِحَةُ الْكِتَابِ ‏(‏إلَّا رَكْعَةَ مَسْبُوقٍ‏)‏ فَإِنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ عَلَى الْأَصَحِّ الْآتِي فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ عَدَمُ لُزُومِ الْمَسْبُوقِ الْفَاتِحَةَ وَهُوَ وَجْهٌ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ وَتَحَمَّلَهَا عَنْهُ الْإِمَامُ، وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِيمَا لَوْ بَانَ إمَامُهُ مُحْدِثًا أَوْ فِي خَامِسَةٍ أَنَّ الرَّكْعَةَ لَا تُحْسَبُ لَهُ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ لَيْسَ أَهْلًا لِلتَّحَمُّلِ، فَلَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّ تَعْيِينَهَا لَا يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ لِتَحَمُّلِ الْإِمَامِ عَنْهُ، وَيُتَصَوَّرُ سُقُوطُ الْفَاتِحَةِ أَيْضًا فِي كُلِّ مَوْضِعٍ حَصَلَ لِلْمَأْمُومِ فِيهِ عُذْرٌ تَخَلَّفَ بِسَبَبِهِ عَنْ الْإِمَامِ بِأَرْبَعَةِ أَرْكَانٍ طَوِيلَةٍ وَزَالَ عُذْرُهُ، وَالْإِمَامُ رَاكِعٌ فَيَحْتَمِلُ عَنْهُ الْفَاتِحَةَ كَمَا لَوْ كَانَ بَطِيءَ الْقِرَاءَةِ أَوْ نَسِيَ أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ، أَوْ امْتَنَعَ مِنْ السُّجُودِ بِسَبَبِ زَحْمَةٍ أَوْ شَكَّ بَعْدَ رُكُوعِ إمَامِهِ فِي قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فَتَخَلَّفَ لَهَا، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْإِسْنَوِيُّ مُعْتَرِضًا بِهِ عَلَى الْحَصْرِ فِي رَكْعَةِ الْمَسْبُوقِ‏.‏

المتن

وَالْبَسْمَلَةُ مِنْهَا

الشرحُ

‏(‏وَالْبَسْمَلَةُ‏)‏ آيَةٌ ‏(‏مِنْهَا‏)‏ أَيْ الْفَاتِحَةِ لِمَا رُوِيَ ‏(‏أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَدَّ الْفَاتِحَةَ سَبْعَ آيَاتٍ، وَعَدَّ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ آيَةً مِنْهَا‏)‏‏.‏ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ‏.‏ وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ ‏(‏إذَا قَرَأْتُمْ الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاقْرَءُوا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إنَّهَا أُمُّ الْقُرْآنِ وَأُمُّ الْكِتَابِ وَالسَّبْعُ الْمَثَانِي وَبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إحْدَى آيَاتِهَا‏)‏‏.‏ وَرَوَى ابْنُ خُزَيْمَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ ‏(‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَدَّ‏:‏ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ آيَةً، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ‏:‏ أَيْ إلَى آخِرِهَا سِتَّ آيَاتٍ‏)‏‏.‏ فَإِنْ قِيلَ يَشْكُلُ وُجُوبُهَا فِي الصَّلَاةِ بِقَوْلِ أَنَسٍ ‏(‏كَانَ النَّبِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ يَفْتَتِحُونَ الصَّلَاةَ بِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ‏)‏ كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَبِقَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَقْرَأُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ‏)‏ كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ مَعْنَى الْأَوَّلِ كَانُوا يَفْتَتِحُونَ بِسُورَةِ الْحَمْدِ، وَيُبَيِّنُهُ مَا صَحَّ عَنْ أَنَسٍ كَمَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ ‏"‏ إنَّهُ كَانَ يُجْهَرُ بِالْبَسْمَلَةِ، وَقَالَ‏:‏ لَا آلُو أَنْ أَقْتَدِيَ بِصَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏"‏‏.‏ وَأَمَّا الثَّانِي فَقَالَ أَئِمَّتُنَا‏:‏ إنَّهُ رِوَايَةٌ لِلَفْظِ الْأُولَى بِالْمَعْنَى الَّذِي عَبَّرَ عَنْهُ الرَّاوِي بِمَا ذَكَرَ بِحَسَبِ فَهْمِهِ، وَلَوْ بَلَغَ الْخَبَرُ بِلَفْظِهِ كَمَا فِي الْبُخَارِيِّ لَأَصَابَ‏:‏ إذْ اللَّفْظُ الْأَوَّلُ هُوَ الَّذِي اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْحُفَّاظُ، وَآيَةُ مِنْ كُلِّ سُورَةٍ إلَّا بَرَاءَةً لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى إثْبَاتِهَا فِي الْمُصْحَفِ بِخَطِّهِ أَوَائِلَ السُّوَرِ سِوَى بَرَاءَةَ دُونَ الْأَعْشَارِ وَتَرَاجِمِ السُّوَرِ وَالتَّعَوُّذِ، فَلَوْ لَمْ تَكُنْ قُرْآنًا لَمَا أَجَازُوا ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى اعْتِقَادِ مَا لَيْسَ بِقُرْآنٍ قُرْآنًا وَلَوْ كَانَتْ لِلْفَصْلِ كَمَا قِيلَ لَأُثْبِتَتْ فِي أَوَّلِ بَرَاءَةٍ وَلَمْ تَثْبُتْ فِي أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ الْقُرْآنُ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالتَّوَاتُرِ، أُجِيبَ بِأَنَّ مَحَلَّهُ فِيمَا يَثْبُتُ قُرْآنًا قَطْعًا‏.‏ أَمَّا مَا يَثْبُتُ قُرْآنًا حُكْمًا فَيَكْفِي فِيهِ الظَّنُّ كَمَا يَكْفِي فِي كُلِّ ظَنِّيٍّ، وَأَيْضًا إثْبَاتُهَا فِي الْمُصْحَفِ بِخَطِّهِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فِي مَعْنَى التَّوَاتُرِ، وَأَيْضًا قَدْ ثَبَتَ التَّوَاتُرُ عِنْدَ قَوْمٍ دُونَ آخَرِينَ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ لَوْ كَانَتْ قُرْآنًا لَكَفَرَ جَاحِدُهَا، أُجِيبَ بِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تَكُنْ قُرْآنًا لَكَفَرَ مُثْبِتُهَا، وَأَيْضًا التَّكْفِيرُ لَا يَكُونُ بِالظَّنِّيَّاتِ، وَهِيَ آيَةٌ كَامِلَةٌ مِنْ أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ قَطْعًا، وَكَذَا فِيمَا عَدَا بَرَاءَةً مِنْ بَاقِي السُّوَرِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَفِي قَوْلٍ إنَّهَا بَعْضُ آيَةٍ وَالسُّنَّةُ أَنْ يَصِلَهَا بِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَأَنْ يَجْهَرَ بِهَا حَيْثُ يَشْرَعُ الْجَهْرُ بِالْقِرَاءَةِ‏.‏

المتن

وَتَشْدِيدَاتِهَا

فَائِدَةٌ‏:‏

مَا أُثْبِتَ فِي الْمُصْحَفِ الْآنَ مِنْ أَسْمَاءِ السُّوَرِ وَالْأَعْشَارُ شَيْءٌ ابْتَدَعَهُ الْحَجَّاجُ فِي زَمَنِهِ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَتَشْدِيدَاتُهَا‏)‏ مِنْهَا؛ لِأَنَّهَا هَيْئَاتٌ لِحُرُوفِهَا الْمُشَدَّدَةِ وَوُجُوبُهَا شَامِلٌ لِهَيْئَاتِهَا فَالْحُكْمُ عَلَى التَّشْدِيدِ بِكَوْنِهِ مِنْ الْفَاتِحَةِ فِيهِ تَجَوُّزٌ، وَلِذَا عَبَّرَ فِي الْمُحَرَّرِ بِقَوْلِهِ‏:‏ وَيَجِبُ رِعَايَةُ تَشْدِيدَاتِهَا، فَلَوْ عَبَّرَ بِهَا لَكَانَ أَوْلَى، وَهِيَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ شَدَّةً مِنْهَا ثَلَاثٌ فِي الْبَسْمَلَةِ فَلَوْ خَفَّفَ مِنْهَا تَشْدِيدَةً بَطَلَتْ قِرَاءَةُ تِلْكَ الْكَلِمَةِ لِتَغْيِيرِهِ النَّظْمَ، بَلْ قَالَ فِي الْحَاوِي وَالْبَحْرِ‏:‏ لَوْ تَرَكَ الشَّدَّةَ مِنْ قَوْلِهِ إيَّاكَ مُتَعَمِّدًا وَعَرَفَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُكَفِّرُ؛ لِأَنَّ الْإِيَا ضَوْءُ الشَّمْسِ فَكَأَنَّهُ قَالَ‏:‏ نَعْبُدُ ضَوْءَ الشَّمْسِ، وَإِنْ كَانَ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا سَجَدَ لِلسَّهْوِ، وَلَوْ شَدَّدَ الْمُخَفَّفَ أَسَاءَ وَأَجْزَأَهُ كَمَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ‏.‏ وَلَوْ أَبْدَلَ ضَادًا بِظَاءٍ لَمْ تَصِحَّ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَلَوْ أَبْدَلَ ضَادًا‏)‏ مِنْهَا‏:‏ أَيْ أَتَى بَدَلَهَا ‏(‏بِظَاءٍ لَمْ تَصِحَّ‏)‏ قِرَاءَتُهُ لِتِلْكَ الْكَلِمَةِ ‏(‏فِي الْأَصَحِّ‏)‏ لِتَغْيِيرِهِ النَّظْمَ وَاخْتِلَافِ الْمَعْنَى، فَإِنَّ الضَّادَ مِنْ الضَّلَالِ وَالظَّاءَ مِنْ قَوْلِهِمْ‏:‏ ظَلَّ يَفْعَلُ كَذَا ظَلُولًا إذَا فَعَلَهُ نَهَارًا وَقِيَاسًا عَلَى بَاقِي الْحُرُوفِ، وَالثَّانِي‏:‏ تَصِحُّ لِعُسْرِ التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْحَرْفَيْنِ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ، وَالْخِلَافُ مَخْصُوصٌ بِقَادِرٍ لَمْ يَتَعَمَّدْ أَوْ عَاجِزٍ أَمْكَنَهُ التَّعَلُّمَ فَلَمْ يَتَعَلَّمْ‏.‏ أَمَّا الْعَاجِزُ عَنْ التَّعَلُّمِ فَتُجْزِئُهُ قَطْعًا وَهُوَ أُمِّيٌّ، وَالْقَادِرُ الْمُتَعَمِّدُ لَا تُجْزِئُهُ قَطْعًا وَلَوْ أَبْدَلَ الضَّادَ بِغَيْرِ الظَّاءِ لَمْ تَصِحَّ قِرَاءَتُهُ قَطْعًا، وَلَوْ أَبْدَلَ ذَالَ الَّذِينَ الْمُعْجَمَةَ بِالْمُهْمَلَةِ لَمْ تَصِحَّ كَمَا اقْتَضَى إطْلَاقُ الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ الْجَزْمَ بِهِ خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ وَمَنْ تَبِعْهُ، وَلَوْ نَطَقَ بِالْقَافِ مُتَرَدِّدَةً بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْكَافِ كَمَا يَنْطِقُ بِهَا الْعَرَبُ صَحَّ مَعَ الْكَرَاهَةِ كَمَا جَزَمَ بِهِ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ، وَإِنْ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ فِيهِ نَظَرٌ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ كَانَ الصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ‏:‏ وَلَوْ أَبْدَلَ ظَاءً بِضَادٍ، إذْ الْبَاءُ مَعَ الْإِبْدَالِ تَدْخُلُ عَلَى الْمَتْرُوكِ لَا عَلَى الْمَأْتِيِّ بِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَمَنْ يَتَبَدَّلْ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ‏}‏ ‏[‏الْبَقَرَةُ‏]‏ وَقَالَ تَعَالَى‏:‏‏{‏وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ‏}‏ ‏[‏سَبَأُ‏]‏‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ الْبَاءَ فِي التَّبْدِيلِ وَالْإِبْدَالِ إذَا اقْتَصَرَ فِيهِمَا عَلَى الْمُتَقَابِلَيْنِ وَدَخَلَتْ عَلَى أَحَدِهِمَا إنَّمَا تَدْخُلُ عَلَى الْمَأْخُوذِ لَا عَلَى الْمَتْرُوكِ، فَقَدْ نَقَلَ الْأَزْهَرِيُّ عَنْ ثَعْلَبٍ بَدَّلْتُ الْخَاتَمَ بِالْحَلَقَةِ إذَا أَذَبْتُهُ وَسَوَّيْتُهُ حَلَقَةً، وَبَدَّلْت الْحَلَقَةَ بِالْخَاتَمِ إذَا أَذَبْتُهَا وَجَعَلْتُهَا خَاتَمًا، وَأَبْدَلْتُ الْخَاتَمَ بِالْحَلَقَةِ إذَا نَحَّيْتُ هَذَا وَجَعَلْتُ هَذِهِ مَكَانَهُ‏.‏ قَالَ السُّبْكِيُّ بَعْدَ نَقْلِهِ بَعْضَ ذَلِكَ عَنْ الْوَاحِدِيِّ عَنْ ثَعْلَبٍ عَنْ الْفَرَّاءِ، وَرَأَيْتُ فِي شِعْرِ الطُّفَيْلِ بْنِ عَمْرٍو الدَّوْسِيِّ لَمَّا أَسْلَمَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏[‏الْوَافِرُ‏]‏ فَأَلْهَمَنِي هُدَايَ اللَّهُ عَنْهُ وَبَدَّلَ طَالِعِي نَحْسِي بِسَعْدِي وَمَنْشَأُ الِاعْتِرَاضِ تَوَهُّمُ أَنَّ الْإِبْدَالَ الْمُسَاوِيَ لِلتَّبْدِيلِ كَالِاسْتِبْدَالِ وَالتَّبَدُّلِ، فَإِنَّ ذَيْنَكَ تَدْخُلُ الْبَاءُ فِيهِمَا عَلَى الْمَتْرُوكِ، قَالَ شَيْخَنَا‏:‏ وَبِذَلِكَ عُلِمَ فَسَادُ مَا اُعْتُرِضَ بِهِ عَلَى الْفُقَهَاءِ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ، بَلْ يَلْزَمُ دُخُولُهَا عَلَى الْمَتْرُوكِ‏.‏

المتن

وَيَجِبُ تَرْتِيبُهَا وَمُوَالَاتُهَا، فَإِنْ تَخَلَّلَ ذِكْرٌ قَطَعَ الْمُوَالَاةَ فَإِنْ تَعَلَّقَ بِالصَّلَاةِ كَتَأْمِينِهِ لِقِرَاءَةِ إمَامِهِ وَفَتْحِهِ عَلَيْهِ فَلَا فِي الْأَصَحِّ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَيَجِبُ تَرْتِيبُهَا‏)‏ بِأَنْ يَأْتِيَ بِهَا عَلَى نَظْمِهَا الْمَعْرُوفِ؛ لِأَنَّهُ مَنَاطُ الْبَلَاغَةِ وَالْإِعْجَازِ، فَلَوْ بَدَأَ بِنِصْفِهَا الثَّانِي مَثَلًا ثُمَّ أَتَى بِالنِّصْفِ الْأَوَّلِ لَمْ يُعْتَدَّ بِالنِّصْفِ الثَّانِي وَيَبْنِي عَلَى الْأَوَّلِ إنْ سَهَا بِتَأْخِيرِهِ وَلَمْ يُطَلْ الْفَصْلُ وَيَسْتَأْنِفُ إنْ تَعَمَّدَ وَلَمْ يُغَيِّرْ الْمَعْنَى أَوْ طَالَ الْفَصْلُ بَيْنَ فَرَاغِهِ مِنْ النِّصْفِ الْأَوَّلِ وَتَذَكُّرِهِ، فَإِنْ تَرَكَهُ عَامِدًا وَلَمْ يُغَيِّرْ الْمَعْنَى اسْتَأْنَفَ الْقِرَاءَةَ وَإِنْ غَيَّرَهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ لِمَ وَجَبَ الِاسْتِئْنَافُ هُنَا وَلَمْ يَجِبْ فِي الْوُضُوءِ وَالْأَذَانِ وَالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ‏؟‏‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ التَّرَتُّبَ هُنَا لَمَّا كَانَ مَنَاطَ الْإِعْجَازِ كَمَا مَرَّ كَانَ الِاعْتِنَاءُ بِهِ أَكْثَرَ فَجَعَلَ قَصْدَ التَّكْمِيلِ بِالْمُرَتَّبِ صَارِفًا عَنْ صِحَّةِ الْبِنَاءِ بِخِلَافِ تِلْكَ الصُّوَرِ، وَمَنْ صَرَّحَ بِأَنَّهُ يَبْنِي فِي ذَلِكَ مُرَادُهُ مَا إذَا لَمْ يَقْصِدْ التَّكْمِيلَ بِالْمُرَتَّبِ، وَإِنْ تَرَكَهُ سَاهِيًا وَلَمْ يُطِلْ غَيْرَ الْمُرَتَّبِ بَنَى، وَإِنْ طَالَ اسْتَأْنَفَ ‏(‏وَ‏)‏ تَجِبُ ‏(‏مُوَالَاتُهَا‏)‏ بِأَنْ يَصِلَ الْكَلِمَاتِ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ وَلَا يَفْصِلُ إلَّا بِقَدْرِ التَّنَفُّسِ لِلِاتِّبَاعِ مَعَ خَبَرِ ‏(‏صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي‏)‏ فَلَوْ أَخَلَّ بِهَا سَهْوًا لَمْ يَضُرَّ كَتَرْكِ الْمُوَالَاةِ فِي الصَّلَاةِ بِأَنْ طَوَّلَ رُكْنًا قَصِيرًا نَاسِيًا، بِخِلَافِ مَا لَوْ تَرَكَ الْفَاتِحَةَ سَهْوًا فَإِنَّهُ يَضُرُّ؛ لِأَنَّ الْمُوَالَاةَ صِفَةٌ، وَالْقِرَاءَةَ أَصْلٌ، فَإِنْ قِيلَ‏:‏ نِسْيَانُ التَّرْتِيبِ يَضُرُّ مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا وَاجِبٌ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ أَمْرَ الْمُوَالَاةِ أَسْهَلُ مِنْ التَّرْتِيبِ بِدَلِيلِ تَطْوِيلِ الرُّكْنِ الْقَصِيرِ نَاسِيًا كَمَا مَرَّ، بِخِلَافِ التَّرْتِيبِ إذْ لَا يُعْتَدُّ بِالْمُقَدَّمِ مِنْ سُجُودٍ عَلَى رُكُوعٍ مَثَلًا، وَلَوْ شَكَّ هَلْ قَرَأَهَا أَوْ لَا لَزِمَهُ قِرَاءَتُهَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ قِرَاءَتِهَا، أَوْ شَكَّ هَلْ تَرَكَ مِنْهَا شَيْئًا بَعْدَ تَمَامِهَا لَمْ يُؤَثِّرْ، فَإِنْ شَكَّ فِي ذَلِكَ قَبْلَ تَمَامِهَا اسْتَأْنَفَهَا ‏(‏فَإِنْ تَخَلَّلَ ذِكْرٌ‏)‏ أَجْنَبِيٌّ لَا يَتَعَلَّقُ بِالصَّلَاةِ ‏(‏قَطَعَ الْمُوَالَاةَ‏)‏ وَإِنْ قَلَّ كَالتَّحْمِيدِ عِنْدَ الْعُطَاسِ، وَإِجَابَةِ الْمُؤَذِّنِ وَالتَّسْبِيحِ لِلدَّاخِلِ؛ لِأَنَّ الِاشْتِغَالَ بِهِ يُوهِمُ الْإِعْرَاضَ عَنْ الْقِرَاءَةِ فَلِيَسْتَأْنِفهَا، هَذَا إنْ تَعَمَّدَ، فَإِنْ كَانَ سَهْوًا فَالصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ أَنَّهُ لَا يَقْطَعُ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ بَلْ يَبْنِ، وَقِيلَ إنْ طَالَ الذِّكْرُ قَطَعَ الْمُوَالَاةَ وَإِلَّا فَلَا‏.‏

فَائِدَةٌ‏:‏

الذِّكْرُ بِاللِّسَانِ ضِدُّ الْإِنْصَاتِ وَذَالُهُ مَكْسُورَةٌ، وَبِالْقَلْبِ ضِدُّ النِّسْيَانِ وَذَالُهُ مَضْمُومَةٌ، قَالَهُ الْكِسَائِيُّ، وَقَالَ غَيْرُهُ‏:‏ هُمَا لُغَتَانِ بِمَعْنًى ‏(‏فَإِنْ تَعَلَّقَ بِالصَّلَاةِ كَتَأْمِينِهِ لِقِرَاءَةِ إمَامِهِ وَفَتْحِهِ عَلَيْهِ‏)‏ إذَا تَوَقَّفَ فِيهَا وَالْفَتْحُ‏:‏ هُوَ تَلْقِينُ الْآيَةِ عِنْدَ التَّوَقُّفِ فِيهَا، وَمَحَلُّهُ كَمَا فِي التَّتِمَّةِ إذَا سَكَتَ فَلَا يُفْتَحُ عَلَيْهِ مَا دَامَ يُرَدِّدُ التِّلَاوَةَ وَسُجُودِهِ لِتِلَاوَتِهِ وَسُؤَالِ رَحْمَةٍ وَاسْتِعَاذَةٍ مِنْ عَذَابٍ لِقِرَاءَةِ آيَتِهِمَا ‏(‏فَلَا‏)‏ يَقْطَعُ الْمُوَالَاةَ ‏(‏فِي الْأَصَحِّ‏)‏ لِنَدْبِ ذَلِكَ لِلْمَأْمُومِ فِي الْأَصَحِّ، وَالثَّانِي‏:‏ يَقْطَعُهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَنْدُوبًا كَالْحَمْدِ عِنْدَ الْعُطَاسِ وَغَيْرِهِ‏.‏ وَرَدَ بِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ مَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ، وَالِاحْتِيَاطُ اسْتِئْنَافُهَا لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الْعَامِدِ، فَإِنْ كَانَ سَاهِيًا لَمْ يَقْطَعْ مَا ذُكِرَ جَزْمًا‏.‏

المتن

وَيَقْطَعُ السُّكُوتُ الطَّوِيلُ، وَكَذَا يَسِيرٌ قَصَدَ بِهِ قَطْعَ الْقِرَاءَةِ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَيَقْطَعُ‏)‏ الْمُوَالَاةَ ‏(‏السُّكُوتُ‏)‏ الْعَمْدُ ‏(‏الطَّوِيلُ‏)‏ لِإِشْعَارِهِ بِالْإِعْرَاضِ مُخْتَارًا كَانَ أَوْ لِعَائِقٍ لِإِخْلَالِهِ بِالْمُوَالَاةِ الْمُعْتَبَرَةِ، أَمَّا النَّاسِي فَلَا يَقْطَعُ عَلَى الصَّحِيحِ وَإِنْ أَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ خِلَافَهُ ‏(‏وَكَذَا‏)‏ يَقْطَعُ ‏(‏يَسِيرٌ قَصَدَ بِهِ قَطْعَ الْقِرَاءَةِ فِي الْأَصَحِّ‏)‏ لِتَأْثِيرِ الْفِعْلِ مَعَ النِّيَّةِ كَنَقْلِ الْوَدِيعَةِ بِنِيَّةِ الْخِيَانَةِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ، وَإِنْ لَمْ يَضْمَنْ بِأَحَدِهِمَا مُنْفَرِدًا، وَالثَّانِي‏:‏ لَا يَقْطَعُ؛ لِأَنَّ قَصْدَ الْقَطْعِ وَحْدَهُ لَا يُؤَثِّرُ، وَالسُّكُوتُ الْيَسِيرُ وَحْدَهُ لَا يُؤَثِّرُ أَيْضًا فَكَذَا إذَا اجْتَمَعَا، وَجَوَابُهُ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ‏:‏ الْمَنْعُ، فَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ الْقَطْعَ وَلَمْ يَطُلْ السُّكُوتُ لَمْ يَضُرَّ كَنَقْلِ الْوَدِيعَةِ بِلَا نِيَّةِ تَعَدٍّ، وَكَذَا إنْ نَوَى قَطْعَ الْقِرَاءَةَ وَلَمْ يَسْكُتْ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ لِمَ بَطَلَتْ الصَّلَاةُ بِنِيَّةِ قَطْعِهَا فَقَطْ‏؟‏‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ نِيَّةَ الصَّلَاةِ رُكْنٌ تَجِبُ إدَامَتُهَا حُكْمًا، وَالْقِرَاءَةُ لَا تَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ خَاصَّةٍ فَلَمْ يُؤَثِّرْ فِيهَا نِيَّةُ قَطْعِهَا، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ نِيَّةَ الْقَطْعِ لَا تُؤَثِّرُ فِي الرُّكُوعِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَرْكَانِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَالْيَسِيرُ‏:‏ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ كَتَنَفُّسٍ وَاسْتِرَاحَةٍ، وَالطَّوِيلُ مَا زَادَ عَلَى سَكْتَةِ الِاسْتِرَاحَةِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُقْرِي أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الْمَجْمُوعِ، وَعَدَلَ إلَيْهِ عَنْ ضَبْطِ أَصْلِهِ لَهُ بِمَا أَشْعَرَ بِقَطْعِ الْقِرَاءَةِ أَوْ إعْرَاضِهِ عَنْهَا مُخْتَارًا أَوْ لِعَائِقٍ، وَهَذَا أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ السُّكُوتَ لِلْإِعْيَاءِ لَا يُؤَثِّرُ، وَإِنْ طَالَ؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ، وَنَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ كُلٍّ مِنْ الضَّابِطَيْنِ مَا لَوْ نَسِيَ آيَةً فَسَكَتَ طَوِيلًا لِتَذَكُّرِهَا فَإِنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَلَوْ قَرَأَ نِصْفَ الْفَاتِحَةِ مَثَلًا وَشَكَّ هَلْ أَتَى بِالْبَسْمَلَةِ ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ الْفَرَاغِ أَنَّهُ أَتَى بِهَا أَعَادَ مَا قَرَأَهُ بَعْدَ الشَّكِّ فَقَطْ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَاعْتَمَدَهُ شَيْخِي خِلَافًا لِابْنِ سُرَيْجٍ الْقَائِلِ بِوُجُوبِ الِاسْتِئْنَافِ وَلَوْ كَرَّرَ آيَةً مِنْ الْفَاتِحَةِ الْأُولَى أَوْ الْأَخِيرَةِ أَوْ شَكَّ فِي غَيْرِهِمَا فَكَرَّرَهُ لَمْ يَضُرَّ، وَكَذَا إنْ لَمْ يَشُكَّ عَلَى الْمَذْهَبِ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ، وَاعْتَمَدَهُ فِي التَّحْقِيقِ، وَقَالَ الْمُتَوَلِّي‏:‏ إنْ كَرَّرَ الْآيَةَ الَّتِي هُوَ فِيهَا لَمْ يَضُرَّ، وَإِنْ أَعَادَ بَعْضَ الْآيَاتِ الَّتِي فَرَغَ مِنْهَا بِأَنْ وَصَلَ إلَى ‏(‏أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ‏)‏ ‏[‏الْفَاتِحَةَ‏]‏ ثُمَّ قَرَأَ ‏(‏مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ‏)‏ ‏[‏الْفَاتِحَةَ‏]‏ فَإِنْ اسْتَمَرَّ عَلَى الْقِرَاءَةِ أَجْزَأَتْهُ، وَإِنْ اقْتَصَرَ عَمْدًا عَلَى ‏(‏مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ‏)‏ ثُمَّ عَادَ فَقَرَأَ ‏(‏غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ‏)‏ ‏[‏الْفَاتِحَةُ‏]‏ لَزِمَهُ اسْتِئْنَافُ الْقِرَاءَةِ؛ لِأَنَّ هَذَا غَيْرُ مَعْهُودٍ فِي التِّلَاوَةِ ا هـ‏.‏ وَاعْتَمَدَ مَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي فِي الْأَنْوَارِ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ، وَيُسَنُّ أَنْ يَصِلَ ‏(‏أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ‏)‏ بِمَا بَعْدَهُ إذْ لَيْسَ وَقْفًا وَلَا مُنْتَهَى آيَةٍ‏.‏

المتن

فَإِنْ جَهِلَ الْفَاتِحَةَ فَسَبْعُ آيَاتٍ مُتَوَالِيَةٍ، فَإِنْ عَجَزَ فَمُتَفَرِّقَةٌ‏.‏ قُلْتُ‏:‏ الْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ جَوَازُ الْمُتَفَرِّقَةِ مَعَ حِفْظِهِ مُتَوَالِيَةً، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

الشرحُ

‏(‏فَإِنْ جَهِلَ الْفَاتِحَةَ‏)‏ بِكَمَالِهَا بِأَنْ لَمْ يُمْكِنْهُ مَعْرِفَتُهَا لِعَدَمِ مُعَلِّمٍ أَوْ مُصْحَفٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ ‏(‏فَسَبْعُ آيَاتٍ‏)‏ إنْ أَحْسَنَهَا عَدَدَ آيَاتِهَا بِالْبَسْمَلَةِ، وَاسْتَحَبَّ الشَّافِعِيُّ قِرَاءَةَ ثَمَانِ آيَاتٍ لِتَكُونَ الثَّامِنَةُ بَدَلًا عَنْ السُّورَةِ، نَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَفِي اشْتِرَاطِ كَوْنِ الْبَدَلِ مُشْتَمِلًا عَلَى ثَنَاءٍ وَدُعَاءٍ كَمَا فِي الْفَاتِحَةِ وَجْهَانِ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ لِلطَّبَرِيِّ أَوْجَهُهُمَا عَدَمُ الِاشْتِرَاطِ فَلَا يُجْزِئُ دُونَ عَدَدِ آيَاتِهَا وَإِنْ طَالَ لِرِعَايَتِهِ فِيهَا وَلَا دُونَ حُرُوفِهَا كَالْآيِ بِخِلَافِ صَوْمِ يَوْمٍ قَصِيرٍ عَنْ طَوِيلٍ لِعُسْرِ رِعَايَةِ السَّاعَاتِ وَلَا التَّرْجَمَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏إنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا‏}‏ ‏[‏يُوسُفُ‏]‏ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْعَجَمِيَّ لَيْسَ بِقُرْآنٍ بِخِلَافِ مَا إذَا عَجَزَ عَنْ التَّكْبِيرِ أَوْ الْخُطْبَةِ أَوْ الْإِتْيَانِ بِالشَّهَادَتَيْنِ بِالْعَرَبِيَّةِ فَإِنَّهُ يُتَرْجِمُ عَنْهَا؛ لِأَنَّ نَظْمَ الْقُرْآنِ مُعْجِزٌ ‏(‏مُتَوَالِيَة‏)‏؛ لِأَنَّهُ أَشْبَهَ الْفَاتِحَةَ ‏(‏فَإِنْ عَجَزَ‏)‏ عَنْ الْمُتَوَالِيَةِ ‏(‏فَمُتَفَرِّقَةٌ‏)‏ لِأَنَّهُ الْمَقْدُورُ ‏(‏قُلْتُ‏:‏ الْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ جَوَازُ الْمُتَفَرِّقَةِ‏)‏ مِنْ سُورَةٍ أَوْ سُوَرٍ ‏(‏مَعَ حِفْظِهِ مُتَوَالِيَةً، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏)‏ كَمَا فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ‏.‏ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ‏:‏ وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَاعْتَرَضَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ بِأَنَّ مَنْ نَقَلَ عَنْهُ جَوَازَ كَوْنِهَا مِنْ سُورَةٍ أَوْ سُوَرٍ لَمْ يُصَرِّحْ بِالْجَوَازِ مَعَ حِفْظِ الْمُتَوَالِيَةِ بَلْ أَطْلَقَ فَيُمْكِنُ حَمْلُ إطْلَاقِهِ عَلَى مَا قَيَّدَهُ غَيْرُهُ ا هـ‏.‏ وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تُفِيدَ الْمُتَفَرِّقَةُ مَعْنًى مَنْظُومًا أَمْ لَا كَثُمَّ نَظَرٌ‏.‏ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَالتَّنْقِيحِ‏:‏ وَهُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا أَطْلَقَهُ الْجُمْهُورُ لِإِطْلَاقِ الْأَخْبَارِ ا هـ‏.‏ وَاخْتَارَ الْإِمَامُ الْأَوَّلَ وَأَقَرَّهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا‏.‏ قَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ وَالثَّانِي هُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّهُ كَمَا يَحْرُمُ قِرَاءَتُهَا عَلَى الْجُنُبِ فَكَذَلِكَ يُعْتَدُّ بِقِرَاءَتِهَا هَهُنَا، وَيَلْزَمُ الْإِمَامَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ يَحْفَظُ أَوَائِلَ السُّوَرِ خَاصَّةً كَ ‏"‏ الم ‏"‏ وَ ‏"‏ الر ‏"‏ وَ ‏"‏ المر ‏"‏ وَ ‏"‏ طسم ‏"‏ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ قِرَاءَتُهَا عِنْدَ مَنْ يَجْعَلُهَا أَوَائِلَ السُّوَرِ، وَهُوَ بَعِيدٌ؛ لِأَنَّا مُتَعَبِّدُونَ بِقِرَاءَتِهَا وَهِيَ قُرْآنٌ مُتَوَاتِرٌ ا هـ‏.‏ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ الْمُخْتَارُ مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ، وَإِطْلَاقُهُمْ مَحْمُولٌ عَلَى الْغَالِبِ ثُمَّ مَا اخْتَارَهُ الشَّيْخُ‏:‏ أَيْ الْمُصَنِّفُ إنَّمَا يَنْقَدِحُ إذَا لَمْ يُحْسِنْ غَيْرَ ذَلِكَ، أَمَّا مَعَ حِفْظِهِ مُتَوَالِيَةً أَوْ مُتَفَرِّقَةً مُنْتَظِمَةَ الْمَعْنَى فَلَا وَجْهَ لَهُ وَإِنْ شَمِلَهُ إطْلَاقُهُمْ ا هـ‏.‏ وَهَذَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ جَمْعًا بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ‏:‏ وَهُوَ جَمْعٌ حَسَنٌ، وَمَنْ يُحْسِنُ بَعْضَ الْفَاتِحَةِ يَأْتِي بِهِ وَبِبَدَلِ الْبَاقِي إنْ أَحْسَنَهُ وَإِلَّا كَرَّرَهُ فِي الْأَصَحِّ، وَكَذَا مَنْ يُحْسِنُ بَعْضَ بَدَلِهَا مِنْ الْقُرْآنِ، وَيَجِبُ التَّرْتِيبُ بَيْنَ الْأَصْلِ وَ الْبَدَلِ، فَإِنْ كَانَ يُحْسِنُ الْآيَةَ فِي أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ أَتَى بِهَا ثُمَّ يَأْتِي بِالْبَدَلِ، وَإِنْ كَانَ آخِرَ الْفَاتِحَةِ أَتَى بِالْبَدَلِ ثُمَّ بِالْآيَةِ وَإِنْ كَانَ فِي وَسَطِهَا أَتَى بِبَدَلِ الْأَوَّلِ ثُمَّ قَرَأَ مَا فِي الْوَسَطِ ثُمَّ أَتَى بِبَدَلِ الْآخَرِ، فَإِنْ قِيلَ‏:‏ كَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يُعَبِّرَ بِالْمُرَتَّبَةِ؛ لِأَنَّ الْمُوَالَاةَ تُذْكَرُ فِي مُقَابَلَةِ التَّفَرُّقِ، وَالْمُرَتَّبُ يُذْكَرُ فِي مُقَابَلَةِ الْقَلْبِ بِالتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ فَتَفْرِيقُ الْقِرَاءَةِ يُخِلُّ بِمُوَالَاتِهَا وَلَا يُخِلُّ بِتَرْتِيبِهَا وَقَدْ يَأْتِي بِالْقِرَاءَةِ مُتَوَالِيَةً لَكِنْ لَا مَعَ تَرْتِيبِهَا‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُتَوَالِيَةِ التَّوَالِي عَلَى تَرْتِيبِ الْمُصْحَفِ فَيُسْتَفَادُ التَّرْتِيبُ مَعَ التَّوَالِي جَمِيعًا بِخِلَافِ مَا لَوْ عَبَّرَ بِالْمَرْتَبَةِ فَإِنَّهُ لَا يُسْتَفَادُ مِنْهَا التَّوَالِي‏.‏

المتن

فَإِنْ عَجَزَ أَتَى بِذِكْرٍ‏.‏

الشرحُ

‏(‏فَإِنْ عَجَزَ‏)‏ عَنْ الْقُرْآنِ ‏(‏أَتَى بِذِكْرٍ‏)‏ غَيْرِهِ لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ ‏(‏أَنَّ رَجُلًا قَالَ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ آخُذَ مِنْ الْقُرْآنِ شَيْئًا فَعَلِّمْنِي مَا يُجْزِينِي عَنْهُ فَقَالَ‏:‏ قُلْ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ‏)‏ ثُمَّ قِيلَ‏:‏ يَتَعَيَّنُ هَذَا الذِّكْرُ وَيُضِيفُ إلَيْهِ كَلِمَتَيْنِ‏:‏ أَيْ نَوْعَيْنِ آخَرَيْنِ مِنْ الذِّكْرِ نَحْوَ‏:‏ مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ لِتَصِيرَ السَّبْعَةُ أَنْوَاعٍ مَقَامَ سَبْعِ آيَاتٍ، وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ فِي التَّنْبِيهِ‏.‏ وَقِيلَ‏:‏ تَكْفِي هَذِهِ الْخَمْسَةُ أَنْوَاعٍ لِذِكْرِهَا فِي الْحَدِيثِ وَسُكُوتِهِ عَلَيْهَا، وَرُدَّ بِأَنَّ سُكُوتَهُ لَا يَنْفِي الزِّيَادَةَ عَلَيْهَا وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ شَيْءٌ مِنْ الذِّكْرِ؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ بَدَلٌ عَنْ الْفَاتِحَةِ وَالذِّكْرَ بَدَلٌ عَنْ الْقُرْآنِ وَغَيْرَ الْفَاتِحَةِ مِنْ الْقُرْآنِ لَا يَتَعَيَّنُ فَكَذَلِكَ هُوَ بَلْ يَجِبُ أَنْ يَأْتِيَ بِسَبْعَةِ أَنْوَاعٍ مِنْ أَيْ ذِكْرٍ كَانَ‏.‏ إمَّا الْمَذْكُورُ أَوْ غَيْرُهُ لِيَقُومَ كُلُّ نَوْعٍ مَقَامَ آيَةٍ، وَأَمْرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْأَعْرَابِيِّ بِالذِّكْرِ الْمَخْصُوصِ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ يَحْفَظُهُ وَلَا يَحْفَظُ مَا سِوَاهُ قَالَ الْإِمَامُ‏:‏ وَالْأَشْبَهُ إجْزَاءُ دُعَاءٍ يَتَعَلَّقُ بِالْآخِرَةِ دُونَ الدُّنْيَا وَرَجَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَالتَّحْقِيقِ، قَالَ الْإِمَامُ‏:‏ فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ غَيْرَ مَا يَتَعَلَّقُ بِالدُّنْيَا أَتَى بِهِ وَأَجْزَأَهُ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ نَازَعَ فِي ذَلِكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ كَالْإِمَامِ السُّبْكِيُّ‏.‏

المتن

وَلَا يَجُوزُ نَقْصُ حُرُوفِ الْبَدَلِ عَنْ الْفَاتِحَةِ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَلَا يَجُوزُ نَقْصُ حُرُوفِ الْبَدَلِ‏)‏ مِنْ قُرْآنٍ أَوْ غَيْرِهِ ‏(‏عَنْ‏)‏ حُرُوفِ ‏(‏الْفَاتِحَةِ فِي الْأَصَحِّ‏)‏ كَمَا لَا يَجُوزُ النَّقْصُ عَنْ آيَاتِهَا، وَحُرُوفُهَا مِائَةٌ وَسِتَّةٌ وَخَمْسُونَ حَرْفًا بِالْبَسْمَلَةِ، وَبِقِرَاءَةِ مَالِكٍ بِالْأَلِفِ‏.‏ قَالَ فِي الْكِفَايَةِ‏:‏ وَيُعَدُّ الْحَرْفُ الْمُشَدَّدُ مِنْ الْفَاتِحَةِ بِحَرْفَيْنِ مِنْ الذِّكْرِ وَلَا يُرَاعَى فِي الذِّكْرِ التَّشْدِيدُ، وَالْمُرَادُ أَنَّ الْمَجْمُوعَ لَا يَنْقُصُ عَنْ الْمَجْمُوعِ لَا أَنَّ كُلَّ آيَةٍ أَوْ نَوْعٍ مِنْ الذِّكْرِ، وَالدُّعَاءُ مِنْ الْبَدَلِ قَدْرُ آيَةٍ مِنْ الْفَاتِحَةِ‏.‏ وَالثَّانِي‏:‏ يَجُوزُ سَبْعُ آيَاتٍ أَوْ سَبْعَةُ أَذْكَارٍ أَقَلُّ مِنْ حُرُوفِ الْفَاتِحَةِ كَمَا يَجُوزُ صَوْمُ يَوْمٍ قَصِيرٍ قَضَاءً عَنْ صَوْمِ يَوْمٍ طَوِيلٍ، وَدَفَعَ بِأَنَّ الصَّوْمَ يَخْتَلِفُ زَمَانُهُ طُولًا وَقِصَرًا فَلَمْ يُعْتَبَرُ فِي قَضَائِهِ مُسَاوَاةٌ، بِخِلَافِ الْفَاتِحَةِ لَا تَخْتَلِفُ، فَاعْتُبِرَ فِي بَدَلِهَا الْمُسَاوَاةُ‏.‏ قَالَ ابْنُ الْأُسْتَاذِ‏:‏ قَطَعُوا بِاعْتِبَارِ سَبْعَ آيَاتٍ، وَاخْتَلَفُوا فِي عَدَدِ الْحُرُوفِ، وَالْحُرُوفُ هِيَ الْمَقْصُودُ؛ لِأَنَّ الثَّوَابَ عَلَيْهَا ا هـ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ أَنْ يَقْصِدَ بِهِمَا الْبَدَلِيَّةَ، بَلْ الشَّرْطُ أَنْ لَا يَقْصِدَ بِهِمَا غَيْرَهَا‏.‏

المتن

فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ شَيْئًا وَقَفَ قَدْرَ الْفَاتِحَةِ‏.‏

الشرحُ

‏(‏فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ شَيْئًا‏)‏ بِأَنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ حَتَّى عَنْ تَرْجَمَةِ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ ‏(‏وَوَقَفَ‏)‏ وُجُوبًا ‏(‏قَدْرَ الْفَاتِحَةِ‏)‏ فِي ظَنِّهِ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ فِي نَفْسِهِ‏.‏ قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ‏:‏ وَهَلْ يُنْدَبُ أَنْ يَزِيدَ فِي الْقِيَامِ قَدْرَ سُورَةٍ ‏؟‏ لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ، وَفِيهِ نَظَرٌ ا هـ وَيَنْبَغِي أَنْ يَزِيدَ ذَلِكَ‏.‏ وَلَمَّا كَانَ لِلْفَاتِحَةِ سُنَّتَانِ سَابِقَتَانِ وَهُمَا دُعَاءُ الِافْتِتَاحِ وَالتَّعَوُّذُ، وَسُنَّتَانِ لَاحِقَتَانِ وَهُمَا التَّأْمِينُ وَقِرَاءَةُ السُّورَةِ، وَقَدْ فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ الْأُولَيَيْنِ شَرَعَ فِي ذِكْرِ الْأَخِيرَتَيْنِ‏.‏

المتن

وَيُسَنُّ عَقِبَ الْفَاتِحَةِ آمِينَ خَفِيفَةُ الْمِيمِ بِالْمَدِّ، وَيَجُوزُ الْقَصْرُ

الشرحُ

فَقَالَ‏:‏ ‏(‏وَيُسَنُّ عَقِبَ الْفَاتِحَةِ‏)‏ بَعْدَ سَكْتَةٍ لَطِيفَةٍ ‏(‏آمِينَ‏)‏ سَوَاءٌ أَكَانَ فِي صَلَاةٍ أَمْ لَا ‏؟‏، وَلَكِنْ فِي الصَّلَاةِ أَشَدُّ اسْتِحْبَابًا لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ قَالَ‏:‏ ‏(‏صَلَّيْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا قَالَ‏:‏ - وَلَا الضَّالِّينَ - قَالَ‏:‏ - آمِينَ - وَمَدَّ بِهَا صَوْتَهُ‏)‏‏.‏ وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ‏"‏ إذَا قَالَ الْإِمَامُ‏:‏ وَلَا الضَّالِّينَ، فَقُولُوا آمِينَ فَإِنَّ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ ‏"‏ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْعَقِبِ هُنَا أَنْ يَصِلَ التَّأْمِينَ بِهَا كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا قَدَّرْتُهُ، وَإِنَّمَا فَصَلَ بَيْنَهُمَا بِذَلِكَ لِيَتَمَيَّزَ عَنْ الْقِرَاءَةِ وَلَا يَفُوتُ التَّأْمِينُ إلَّا بِالشُّرُوعِ فِي غَيْرِهِ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَقِيلَ‏:‏ بِالرُّكُوعِ، وَاخْتَصَّ بِالْفَاتِحَةِ؛ لِأَنَّ نِصْفَهَا دُعَاءٌ فَاسْتُحِبَّ أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ - تَعَالَى - إجَابَتَهُ، وَلَا يُسَنُّ عَقِبَ بَدَلِ الْفَاتِحَةِ مِنْ قِرَاءَةٍ وَلَا ذِكْرٍ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ، وَقَالَ الْغَزِّيُّ ‏:‏ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ‏:‏ إنْ تَضَمَّنَ ذَلِكَ دُعَاءً اُسْتُحِبَّ وَمَا بَحَثَهُ صَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ‏.‏

فَائِدَةٌ‏:‏

رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا مَرْفُوعًا ‏(‏حَسَدَنَا الْيَهُودُ عَلَى الْقِبْلَةِ الَّتِي هُدِينَا إلَيْهَا وَضَلُّوا عَنْهَا، وَعَلَى الْجُمُعَةِ، وَعَلَى قَوْلِنَا خَلْفَ الْإِمَامِ‏:‏ آمِينَ‏)‏ وَيَجُوزُ فِي عَقِبِ ضَمُّ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِ الْقَافِ‏.‏ وَأَمَّا قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ عَقِيبَ بِيَاءٍ بَعْدَ الْقَافِ، فَهِيَ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ، وَآمِينَ‏:‏ اسْمُ فِعْلٍ بِمَعْنَى اسْتَجِبْ، وَهِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْفَتْحِ مِثْلَ كَيْفَ وَأَيْنَ ‏(‏خَفِيفَةُ الْمِيمِ بِالْمَدِّ‏)‏ هَذِهِ هِيَ اللُّغَةُ الْمَشْهُورَةُ الْفَصِيحَةُ‏.‏ قَالَ الشَّاعِرُ‏:‏ ‏[‏الْبَسِيطُ‏]‏ آمِينَ آمِينَ لَا أَرْضَى بِوَاحِدَةٍ حَتَّى أُبَلِّغَهَا أَلْفَيْنِ آمِينَا ‏(‏وَيَجُوزُ الْقَصْرُ‏)‏؛ لِأَنَّهُ لَا يُخِلُّ بِالْمَعْنَى، وَحَكَى الْوَاحِدِيُّ مَعَ الْمَدِّ لُغَةً ثَالِثَةً، وَهِيَ الْإِمَالَةُ، وَحُكِيَ التَّشْدِيدُ مَعَ الْقَصْرِ وَالْمَدِّ‏:‏ أَيْ قَاصِدِينَ إلَيْكَ وَأَنْتَ أَكْرَمُ أَنْ لَا تُخَيِّبَ مَنْ قَصْدَكَ وَهُوَ لَحْنٌ، بَلْ قِيلَ‏:‏ إنَّهُ شَاذٌّ مُنْكَرٌ، وَلَا تَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ لِقَصْدِهِ الدُّعَاءَ بِهِ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ‏.‏ قَالَ فِي الْأُمِّ‏:‏ وَلَوْ قَالَ‏:‏ آمِينَ رَبَّ الْعَالَمِينَ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الذِّكْرِ كَانَ حَسَنًا‏.‏

المتن

وَيُؤَمِّنُ مَعَ تَأْمِينِ إمَامِهِ

الشرحُ

‏(‏وَيُؤَمِّنُ مَعَ تَأْمِينِ إمَامِهِ‏)‏ لَا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ لِخَبَرِ ‏(‏إذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ‏)‏ وَخَبَرِ ‏(‏إذَا قَالَ أَحَدُكُمْ آمِينَ وَقَالَتْ الْمَلَائِكَةُ فِي السَّمَاءِ آمِينَ فَوَافَقَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ‏)‏ رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ، وَلَيْسَ لَنَا مَا تُسْتَحَبُّ فِيهِ مُقَارَنَةُ الْإِمَامِ سِوَى هَذِهِ؛ لِأَنَّ التَّأْمِينَ لِلْقِرَاءَةِ لَا لِلتَّأْمِينِ وَقَدْ فَرَغَ مِنْهَا، وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ‏:‏ إذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ إذَا أَرَادَ التَّأْمِينَ، وَمَعْنَى مُوَافَقَةِ الْمَلَائِكَةِ أَنْ يُوَافِقَهُمْ فِي الزَّمَنِ، وَقِيلَ فِي الصِّفَاتِ مِنْ الْإِخْلَاصِ وَغَيْرِهِ، وَالْمُرَادُ بِالْمَلَائِكَةِ هُنَا الْحَفَظَةُ، وَقِيلَ غَيْرُهُمْ، لِخَبَرِ ‏(‏فَوَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ أَهْلِ السَّمَاءِ‏)‏‏.‏ وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّهُ إذَا قَالَهَا الْحَفَظَةُ قَالَهَا مَنْ فَوْقَهُمْ حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَى أَهْلِ السَّمَاءِ‏.‏ قَالَ شَيْخُنَا‏:‏ وَلَوْ قِيلَ بِأَنَّهُمْ الْحَفَظَةُ وَسَائِرُ الْمَلَائِكَةِ لَكَانَ أَقْرَبَ، فَإِنْ لَمْ تَتَّفِقْ مُوَافَقَتُهُ أَمَّنَ عَقِبَهُ، فَإِنْ لَمْ يُؤَمِّنْ الْإِمَامُ أَوْ لَمْ يَسْمَعْهُ أَوْ لَمْ يَدْرِ هَلْ أَمَّنَ أَوْ لَا ‏؟‏ أَمَّنَ هُوَ، وَلَوْ أَخَّرَ الْإِمَامُ التَّأْمِينَ عَنْ وَقْتِهِ الْمَنْدُوبِ أَمَّنَ الْمَأْمُومُ‏.‏ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ‏:‏ وَلَوْ قَرَأَ مَعَهُ وَفَرَغَا مَعًا كَفَى تَأْمِينُ وَاحِدٍ، أَوْ فَرَغَ قَبْلَهُ قَالَ الْبَغَوِيّ‏:‏ يَنْتَظِرُهُ، وَالْمُخْتَارُ أَوْ الصَّوَابُ أَنَّهُ يُؤَمِّنُ لِنَفْسِهِ ثُمَّ لِلْمُتَابَعَةِ‏.‏

المتن

وَيَجْهَرُ بِهِ فِي الْأَظْهَرِ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَيَجْهَرُ بِهِ‏)‏ الْمَأْمُومُ فِي الْجَهْرِيَّةِ ‏(‏فِي الْأَظْهَرِ‏)‏ تَبَعًا لِإِمَامِهِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحُوهُ مَعَ خَبَرِ ‏(‏صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي‏)‏ وَالثَّانِي يُسِرُّ كَسَائِرِ أَذْكَارِهِ، وَقِيلَ‏:‏ إنْ كَثُرَ الْجَمْعُ جَهَرَ وَإِلَّا فَلَا‏.‏ أَمَّا الْإِمَامُ وَالْمُنْفَرِدُ فَيَجْهَرَانِ قَطْعًا، وَقِيلَ فِيهِمَا وَجْهٌ شَاذٌّ، وَأَمَّا السِّرِّيَّةُ فَيُسِرُّونَ فِيهَا جَمِيعُهُمْ كَالْقِرَاءَةِ، قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ‏:‏ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَإِنْ لَمْ يُؤَمِّنْ اُسْتُحِبَّ لِلْمَأْمُومِ التَّأْمِينُ جَهْرًا قَطْعًا لِيَسْمَعَهُ الْإِمَامُ فَيَأْتِيَ بِهِ ا هـ‏.‏ وَجَهْرُ الْأُنْثَى وَالْخُنْثَى بِالتَّأْمِينِ كَجَهْرِهِمَا بِالْقِرَاءَةِ، وَسَيَأْتِي‏.‏

فَائِدَةٌ‏:‏

يَجْهَرُ الْمَأْمُومُ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي خَمْسَةِ مَوَاضِعَ‏:‏ أَرْبَعَةُ مَوَاضِعَ تَأْمِينٍ، يُؤَمِّنُ مَعَ تَأْمِينِ الْإِمَامِ، وَفِي دُعَائِهِ فِي قُنُوتِ الصُّبْحِ، وَفِي قُنُوتِ الْوِتْرِ فِي النِّصْفِ الثَّانِي مِنْ رَمَضَانَ، وَفِي قُنُوتِ النَّازِلَةِ فِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، وَإِذَا فَتَحَ عَلَيْهِ‏.‏

المتن

وَتُسَنُّ سُورَةٌ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ إلَّا فِي الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ فِي الْأَظْهَرِ‏.‏ قُلْتُ‏:‏ فَإِنْ سَبَقَ بِهِمَا قَرَأَهَا فِيهِمَا عَلَى النَّصِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَتُسَنُّ‏)‏ لِلْإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ ‏(‏سُورَةٌ‏)‏ يَقْرَؤُهَا فِي الصَّلَاةِ ‏(‏بَعْدَ الْفَاتِحَةِ‏)‏ وَلَوْ كَانَتْ الصَّلَاةُ سِرِّيَّةً ‏(‏إلَّا فِي الثَّالِثَةِ‏)‏ مِنْ الْمَغْرِبِ وَغَيْرِهَا ‏(‏وَالرَّابِعَةِ‏)‏ مِنْ الرُّبَاعِيَّةِ ‏(‏فِي الْأَظْهَرِ‏)‏ لِلِاتِّبَاعِ فِي الشِّقَّيْنِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَمُقَابِلُ الْأَظْهَرِ دَلِيلُهُ الِاتِّبَاعُ فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ، وَالِاتِّبَاعَانِ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَيُقَاسُ عَلَيْهِمَا غَيْرُهُمَا، وَالسُّورَةُ عَلَى الثَّانِي أَقْصَرُ كَمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ، وَسَيَأْتِي آخِرَ الْبَابِ سُنَّ تَطْوِيلُ قِرَاءَةِ الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ فِي الْأَصَحِّ، وَكَذَا الثَّالِثَةُ عَلَى الرَّابِعَةِ عَلَى الثَّانِي‏.‏ قَالَ الشَّارِحُ‏:‏ ثُمَّ فِي تَرْجِيحِهِمْ الْأَوَّلَ تَقْدِيمٌ لِدَلِيلِهِ النَّافِي عَلَى دَلِيلِ الثَّانِي الْمُثْبِتُ عَكْسَ الرَّاجِحِ فِي الْأُصُولِ لِمَا قَامَ عِنْدَهُمْ فِي ذَلِكَ ا هـ‏.‏ وَيَظْهَرُ أَنَّهُمْ إنَّمَا قَدَّمُوهُ لِتَقْوِيَتِهِ بِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ‏(‏كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ بِالْأُولَيَيْنِ بِأُمِّ الْكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ، وَفِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ بِأُمِّ الْكِتَابِ وَيُسْمِعُنَا الْآيَةَ أَحْيَانًا، وَيُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مَا لَا يُطَوِّلُ فِي الثَّانِيَةِ، وَكَذَا فِي الْعَصْرِ وَهَكَذَا فِي الصُّبْحِ‏)‏ ا هـ‏.‏ وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ السُّورَةُ لِحَدِيثِ ‏(‏أُمُّ الْقُرْآنِ عِوَضٌ مِنْ غَيْرِهَا، وَلَيْسَ غَيْرُهَا عِوَضًا مِنْهَا‏)‏ رَوَاهُ الْحَاكِمُ، وَقَالَ‏:‏ إنَّهُ عَلَى شَرْطِهِمَا، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ مَا لَوْ قَرَأَهَا قَبْلَهَا أَوْ كَرَّرَ الْفَاتِحَةَ، فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ مَا وَرَدَ فِي السُّنَّةِ، وَلِأَنَّ الشَّيْءَ الْوَاحِدَ لَا يُؤَدَّى بِهِ فَرْضٌ وَنَفْلٌ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ، نَعَمْ لَوْ لَمْ يُحْسِنْ غَيْرَ الْفَاتِحَةِ وَأَعَادَهَا يَتَّجِهُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ الْإِجْزَاءُ، وَيُحْمَلُ كَلَامُهُمْ عَلَى الْغَالِبِ، وَيَحْصُلُ أَصْلُ السُّنَّةِ بِقِرَاءَةِ شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ وَلَوْ آيَةً، وَالْأَوْلَى ثَلَاثُ آيَاتٍ لِتَكُونَ قَدْرَ أَقْصَرِ سُورَةٍ، وَالسُّورَةُ الْكَامِلَةُ أَفْضَلُ مِنْ قَدْرِهَا مِنْ طَوِيلَةٍ؛ لِأَنَّ الِابْتِدَاءَ بِهَا وَالْوَقْفَ عَلَى آخِرِهَا صَحِيحَانِ بِالْقَطْعِ بِخِلَافِهِمَا فِي بَعْضِ السُّورَةِ فَإِنَّهُمَا يَخْفَيَانِ، وَمَحَلُّهُ فِي غَيْرِ التَّرَاوِيحِ‏.‏ أَمَّا فِيهَا فَقِرَاءَةُ بَعْضِ الطَّوِيلَةِ أَفْضَلُ كَمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَغَيْرُهُ، وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّ السُّنَّةَ فِيهَا الْقِيَامُ بِجَمِيعِ الْقُرْآنِ، وَعَلَيْهِ فَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالتَّرَاوِيحِ، بَلْ كُلُّ مَحَلٍّ وَرَدَ فِيهِ الْأَمْرُ بِالْبَعْضِ فَالِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ أَفْضَلُ كَقِرَاءَةِ آيَتَيْ الْبَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ فِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ ‏(‏قُلْتُ‏:‏ فَإِنْ سَبَقَ بِهِمَا‏)‏ أَيْ بِالثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ مِنْ صَلَاةِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ مَا يُدْرِكُهُ الْمَسْبُوقُ هُوَ أَوَّلُ صَلَاتِهِ ‏(‏قَرَأَهَا فِيهِمَا‏)‏ حِينَ تَدَارَكَهُمَا ‏(‏عَلَى النَّصِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏)‏ لِئَلَّا تَخْلُوَ صَلَاتُهُ مِنْ سُورَتَيْنِ، وَقِيلَ‏:‏ لَا كَمَا لَا يَجْهَرُ فِيهِمَا عَلَى الْمَشْهُورِ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ السُّنَّةَ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ الْإِسْرَارُ بِخِلَافِ الْقِرَاءَةِ فَإِنَّهُ لَا يُقَالُ إنَّهُ يُسَنُّ تَرْكُهَا، بَلْ لَا يُسَنُّ فِعْلُهَا، وَأَيْضًا الْقِرَاءَةُ سُنَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ، وَالْجَهْرُ صِفَةٌ لِلْقِرَاءَةِ فَكَانَتْ أَحَقَّ، وَإِنَّمَا قَدَّرْت الثَّالِثَةَ وَالرَّابِعَةَ لَا الْأُولَتَيْنِ، وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا أَيْضًا لِاتِّحَادِ الضَّمِيرَيْنِ، ثُمَّ مَحَلُّ مَا تَقَرَّرَ عَلَى الْأَوَّلِ كَمَا أَفْهَمَهُ التَّعْلِيلُ إذَا لَمْ يَقْرَأْ السُّورَةَ فِي أُولَيَيْهِ، فَإِنْ قَرَأَهَا فِيهِمَا لِسُرْعَةِ قِرَاءَتِهِ وَبُطْءِ قِرَاءَةِ إمَامِهِ أَوْ لِكَوْنِ الْإِمَامِ قَرَأَهَا فِيهِمَا لَمْ يُسَنَّ لَهُ قِرَاءَتُهَا فِي الْأَخِيرَتَيْنِ، وَلَوْ سَقَطَتْ قِرَاءَتُهَا عَنْهُ لِكَوْنِهِ مَسْبُوقًا أَوْ بَطِيءَ الْحَرَكَةِ فَلَا يَقْرَؤُهَا فِي الْأَخِيرَتَيْنِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ فَاقِدُ الطَّهُورَيْنِ إذَا كَانَ عَلَيْهِ حَدَثٌ أَكْبَرُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ قِرَاءَةُ السُّورَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي التَّيَمُّمِ‏.‏

المتن

وَلَا سُورَةَ لِلْمَأْمُومِ، بَلْ يَسْتَمِعُ

الشرحُ

‏(‏وَلَا سُورَةَ لِلْمَأْمُومِ‏)‏ فِي جَهْرِيَّةٍ ‏(‏بَلْ يَسْتَمِعُ‏)‏ لِقِرَاءَةِ إمَامِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ‏}‏ ‏[‏الْأَعْرَافُ‏]‏ الْآيَةَ، وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏(‏إذَا كُنْتُمْ خَلْفِي فَلَا تَقْرَءُوا إلَّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ‏)‏ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَالِاسْتِمَاعُ مُسْتَحَبٌّ، وَقِيلَ وَاجِبٌ، وَجَزَمَ بِهِ الْفَارِقِيُّ فِي فَوَائِدِ الْمُهَذَّبِ‏.‏

المتن

فَإِنْ بَعُدَ أَوْ كَانَتْ سِرِّيَّةً قَرَأَ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

الشرحُ

‏(‏فَإِنْ‏)‏ لَمْ يَسْمَعْ قِرَاءَتَهُ كَأَنْ ‏(‏بَعُدَ‏)‏ الْمَأْمُومُ عَنْهُ أَوْ كَانَ بِهِ صَمَمٌ أَوْ سَمِعَ صَوْتًا لَا يَفْهَمُهُ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي أَذْكَارِهِ ‏(‏أَوْ كَانَتْ‏)‏ الصَّلَاةُ ‏(‏سِرِّيَّةً‏)‏ وَلَمْ يَجْهَرْ الْإِمَامُ فِيهَا أَوْ جَهْرِيَّةً، وَأَسَرَّ فِيهَا ‏(‏قَرَأَ‏)‏ الْمَأْمُومُ السُّورَةَ ‏(‏فِي الْأَصَحِّ‏)‏ إذْ لَا مَعْنَى لِسُكُوتِهِ‏.‏ أَمَّا إذَا جَهَرَ الْإِمَامُ فِي السَّرِيَّةِ فَإِنَّ الْمَأْمُومَ يَسْتَمِعُ لِقِرَاءَتِهِ كَمَا صَرَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ اعْتِبَارًا بِفِعْلِ الْإِمَامِ، وَصَحَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ‏:‏ اعْتِبَارَ الْمَشْرُوعِ فِي الْفَاتِحَةِ، فَعَلَى هَذَا يَقْرَأُ الْمَأْمُومُ فِي السِّرِّيَّةِ مُطْلَقًا وَلَا يَقْرَأُ فِي الْجَهْرِيَّةِ مُطْلَقًا، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ لَا يَقْرَأُ مُطْلَقًا لِإِطْلَاقِ النَّهْيِ‏.‏ فُرُوعٌ‏:‏ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ، وَالْمُنْفَرِدِ الْجَهْرُ فِي الصُّبْحِ وَالْأُولَيَيْنِ مِنْ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، وَلِلْإِمَامِ فِي الْجُمُعَةِ لِلِاتِّبَاعِ وَالْإِجْمَاعِ فِي الْإِمَامِ وَلِلْقِيَاسِ عَلَيْهِ فِي الْمُنْفَرِدِ، وَيُسِرُّ كُلٌّ مِنْهُمَا فِيمَا عَدَا ذَلِكَ، هَذَا فِي الْمُؤَدَّاةِ، وَأَمَّا الْمَقْضِيَّةُ فَيُجْهَرُ فِيهَا مِنْ مَغِيبِ الشَّمْسِ إلَى طُلُوعِهَا، وَيُسِرُّ مِنْ طُلُوعِهَا إلَى غُرُوبِهَا، وَيَسْتَثْنِي كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ صَلَاةُ الْعِيدِ فَإِنَّهُ يَجْهَرُ فِي قَضَائِهَا كَمَا يَجْهَرُ فِي أَدَائِهَا، هَذَا كُلُّهُ فِي حَقِّ الذَّكَرِ‏.‏ أَمَّا الْأُنْثَى وَالْخُنْثَى فَيَجْهَرَانِ حَيْثُ لَا يَسْمَعُ أَجْنَبِيٌّ، وَيَكُونُ جَهْرُهُمَا دُونَ جَهْرِ الذَّكَرِ، فَإِنْ كَانَ يَسْمَعُهُمَا أَجْنَبِيٌّ أَسَرَّا، فَإِنْ جَهَرَا لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُمَا، وَوَقَعَ فِي الْمَجْمُوعِ وَالتَّحْقِيقِ أَنَّ الْخُنْثَى يُسِرُّ بِحَضْرَةِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ‏.‏ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ‏:‏ وَهُوَ مَرْدُودٌ - أَيْ لِأَنَّهُ بِحَضْرَةِ النِّسَاءِ - إمَّا ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى، وَفِي الْحَالَيْنِ يُسَنُّ لَهُ الْجَهْرُ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِهِمَا عَلَى أَنَّهُ يُسِرُّ إذَا اجْتَمَعَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ وَهُوَ صَحِيحٌ، وَأَمَّا النَّوَافِلُ غَيْرُ الْمُطْلَقَةِ فَيَجْهَرُ فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ وَخُسُوفِ الْقَمَرِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَالتَّرَاوِيحِ وَالْوِتْرِ فِي رَمَضَانَ وَرَكْعَتَيْ الطَّوَافِ إذَا صَلَّاهُمَا لَيْلًا، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهَا فِي أَبْوَابِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَيُسِرُّ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ‏.‏ وَأَمَّا النَّوَافِلُ الْمُطْلَقَةُ فَيُسِرُّ فِيهَا نَهَارًا وَيَتَوَسَّطُ فِيهَا لَيْلًا بَيْنَ الْإِسْرَارِ وَالْجَهْرِ إنْ لَمْ يُشَوِّشْ عَلَى نَائِمٍ أَوْ مُصَلٍّ أَوْ نَحْوَهُ وَإِلَّا فَالسُّنَّةُ الْإِسْرَارُ، فَقَدْ نَقَلَ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّ مَحَلَّ فَضِيلَةِ رَفْعِ الصَّوْتِ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ إذَا لَمْ يَخَفْ رِيَاءً وَلَمْ يَتَأَذَّ بِهِ أَحَدٌ، وَإِلَّا فَالْإِسْرَارُ أَفْضَلُ، وَهَذَا جَمْعٌ بَيْنَ الْأَخْبَارِ الْمُقْتَضِيَةِ لِأَفْضَلِيَّةِ الْإِسْرَارِ، وَالْأَخْبَارِ الْمُقْتَضِيَةِ لِأَفْضَلِيَّةِ الرَّفْعِ ا هـ‏.‏ وَيُقَاسُ عَلَى ذَلِكَ مَنْ يَجْهَرُ بِالذِّكْرِ أَوْ الْقِرَاءَةِ بِحَضْرَةِ مَنْ يُطَالِعُ أَوْ يَدْرِسُ أَوْ يُصَنِّفُ كَمَا أَفْتَى بِهِ شَيْخِي قَالَ‏:‏ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْحُكْمَ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْإِسْرَارِ وَالْجَهْرِ بِكَوْنِهِ سُنَّةً مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ، وَاخْتَلَفُوا فِي التَّوَسُّطِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ، يُعْرَفُ بِالْقَايِسَةِ بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْإِسْرَارِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِك‏}‏ الْآيَةَ‏.‏ وَقَالَ بَعْضٌ آخَرُ‏:‏ يَجْهَرُ تَارَةً وَيُسِرُّ أُخْرَى كَمَا وَرَدَ فِي فِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى‏.‏ وَيُنْدَبُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَسْكُتَ بَعْدَ تَأْمِينِهِ فِي الْجَهْرِيَّةِ قَدْرَ قِرَاءَةِ الْمَأْمُومِ الْفَاتِحَةَ، وَيَشْتَغِلُ حِينَئِذٍ بِذِكْرٍ أَوْ دُعَاءٍ أَوْ قِرَاءَةٍ سِرًّا، جَزَمَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ، وَالْقِرَاءَةُ أَوْلَى‏.‏

فَائِدَةٌ‏:‏

السَّكَتَاتُ الْمَنْدُوبَةُ فِي الصَّلَاةِ أَرْبَعَةٌ‏:‏ سَكْتَةٌ بَعْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ يَفْتَتِحُ فِيهَا، وَسَكْتَةٌ بَيْنَ وَلَا الضَّالِّينَ وَآمِينَ، وَسَكْتَةٌ لِلْإِمَامِ بَيْنَ التَّأْمِينِ فِي الْجَهْرِيَّةِ وَبَيْنَ قِرَاءَةِ السُّورَةِ بِقَدْرِ قِرَاءَةِ الْمَأْمُومِ الْفَاتِحَةَ، وَسَكْتَةٌ قَبْلَ تَكْبِيرَةِ الرُّكُوعِ‏.‏ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ‏:‏ وَتَسْمِيَةُ كُلٍّ مِنْ الْأُولَى وَالثَّالِثَةِ سَكْتَةٌ مَجَازٌ، فَإِنَّهُ لَا يَسْكُتُ حَقِيقَةً لِمَا تَقَرَّرَ فِيهِمَا، وَعَدَّهَا الزَّرْكَشِيُّ خَمْسَةً‏:‏ الثَّلَاثَةُ الْأَخِيرَةُ، وَسَكْتَةٌ بَيْنَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَالِافْتِتَاحِ، وَسَكْتَةٌ بَيْنَ الِافْتِتَاحِ وَالْقِرَاءَةِ، وَعَلَيْهِ لَا مَجَازَ إلَّا فِي سَكْتَةِ الْإِمَامِ بَعْدَ التَّأْمِينِ، وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ‏.‏

المتن

وَيُسَنُّ لِلصُّبْحِ وَالظُّهْرِ طِوَالُ الْمُفَصَّلِ، وَلِلْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ أَوْسَاطَهُ، وَلِلْمَغْرِبِ قِصَارُهُ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَيُسَنُّ لِلصُّبْحِ وَالظُّهْرِ طِوَالُ الْمُفَصَّلِ‏)‏ بِكَسْرِ الطَّاءِ جَمْعٌ، وَالْمُفْرَدُ طَوِيلٌ وَطُوَالُ بِضَمِّ الطَّاءِ وَتَخْفِيفِ الْوَاوِ، فَإِذَا أَفْرَطَ فِي الطُّولِ شَدَدْتُهَا ‏(‏وَلِلْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ أَوْسَاطَهُ‏)‏ وَسُنِّيَّةُ هَذَا فِي الْإِمَامِ مُقَيَّدَةٌ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ بِرِضَا مَأْمُومِينَ مَحْصُورِينَ ‏(‏وَلِلْمَغْرِبِ قِصَارُهُ‏)‏ لِخَبَرِ النَّسَائِيّ فِي ذَلِكَ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الصُّبْحِ وَالظُّهْرِ، وَلَكِنَّ الْمُسْتَحَبَّ أَنْ يَقْرَأَ فِي الظُّهْرِ قَرِيبٌ مِنْ الطِّوَالِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا، وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّ وَقْتَ الصُّبْحِ طَوِيلٌ، وَالصَّلَاةُ رَكْعَتَانِ فَحَسُنَ تَطْوِيلُهُمَا، وَوَقْتُ الْمَغْرِبِ ضَيِّقٌ فَحَسُنَ فِيهِ الْقِصَارُ، وَأَوْقَاتُ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ طَوِيلَةٌ لَكِنَّ الصَّلَوَاتِ أَيْضًا طَوِيلَةٌ، فَلَمَّا تَعَارَضَ ذَلِكَ رَتَّبَ عَلَيْهِ التَّوَسُّطَ فِي غَيْرِ الظُّهْرِ، وَفِيهَا قَرِيبٌ مِنْ الطِّوَالِ، وَاسْتَثْنَى الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَالْغَزَالِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْإِحْيَاءِ صَلَاةَ الصُّبْحِ فِي السَّفَرِ، فَالسُّنَّةُ فِيهَا أَنْ يَقْرَأَ فِي الْأُولَى ‏(‏قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ‏)‏ ‏[‏الْكَافِرُونَ‏]‏ وَفِي الثَّانِيَةِ الْإِخْلَاصَ، وَالْمُفَصَّلُ الْمُبَيَّنُ الْمُمَيَّزُ‏.‏ قَالَ تَعَالَى ‏{‏كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ‏}‏ ‏[‏فُصِّلَتْ‏]‏ أَيْ جُعِلَتْ تَفَاصِيلَ فِي مَعَانٍ مُخْتَلِفَةٍ مِنْ وَعْدٍ وَوَعِيدٍ وَحَلَالٍ وَحَرَامٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِكَثْرَةِ الْفُصُولِ فِيهِ بَيْنَ السُّوَرِ، وَقِيلَ لِقِلَّةِ الْمَنْسُوخِ فِيهِ، وَآخِرُهُ ‏{‏قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ‏}‏ ‏[‏النَّاسُ‏]‏ وَفِي أَوَّلِهِ عَشَرَةُ أَقْوَالٍ لِلسَّلَفِ، قِيلَ الصَّافَّاتُ، وَقِيلَ الْجَاثِيَةُ، وَقِيلَ الْقِتَالُ، وَقِيلَ الْفَتْحُ، وَقِيلَ الْحُجُرَاتُ، وَقِيلَ قَافٌ، وَقِيلَ الصَّفُّ، وَقِيلَ تَبَارَكَ، وَقِيلَ سَبَّحَ، وَقِيلَ الضُّحَى، وَرَجَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي الدَّقَائِقِ وَالتَّحْرِيرِ‏:‏ أَنَّهُ الْحُجُرَاتُ، وَعَلَى هَذَا طِوَالُهُ، كَالْحُجُرَاتِ وَاقْتَرَبَتْ، وَالرَّحْمَنِ، وَأَوْسَاطُهُ كَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا، وَاللَّيْلِ إذَا يَغْشَى، وَقِصَارُهُ كَالْعَصْرِ، وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، وَقِيلَ طِوَالٌ مِنْ الْحُجُرَاتِ إلَى عَمَّ، وَمِنْهَا إلَى الضُّحَى أَوْسَاطُهُ، وَمِنْهَا إلَى آخِرِ الْقُرْآنِ قِصَارُهُ‏.‏

فَائِدَةٌ‏:‏

قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ‏:‏ الْقُرْآنُ يَنْقَسِمُ إلَى فَاضِلٍ وَمَفْضُولٍ كَآيَةِ الْكُرْسِيِّ وَتَبَّتْ، فَالْأَوَّلُ كَلَامُ اللَّهِ فِي اللَّهِ وَالثَّانِي كَلَامُ اللَّهِ فِي غَيْرِهِ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُدَاوِمَ عَلَى قِرَاءَةِ الْفَاضِلِ وَيَتْرُكَ الْمَفْضُولَ ‏"‏؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَفْعَلْهُ ‏"‏ وَلِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى هِجْرَانِ بَعْضِ الْقُرْآنِ وَنِسْيَانِهِ‏.‏

المتن

وَلِصُبْحِ الْجُمُعَةِ فِي الْأُولَى الم تَنْزِيلُ، وَفِي الثَّانِيَةِ هَلْ أَتَى

الشرحُ

‏(‏وَلِصُبْحِ الْجُمُعَةِ فِي الْأُولَى الم تَنْزِيلُ، وَفِي الثَّانِيَةِ هَلْ أَتَى‏)‏ بِكَمَالِهِمَا لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ‏.‏ فَإِنْ تَرَكَ الم فِي الْأُولَى سُنَّ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا فِي الثَّانِيَةِ، فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى بَعْضِهِمَا أَوْ قَرَأَ غَيْرَهُمَا خَالَفَ السُّنَّةَ قَالَ الْفَارِقِيُّ‏:‏ وَلَوْ ضَاقَ الْوَقْتُ عَنْهُمَا أَتَى بِالْمُمْكِنِ وَلَوْ آيَةَ السَّجْدَةِ وَبَعْضَ ‏(‏هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ‏)‏ ‏[‏الْإِنْسَانُ‏]‏ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ، وَعَنْ أَبِي إِسْحَاقَ وَابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا تُسْتَحَبُّ الْمُدَاوَمَةُ عَلَيْهِمَا لِيُعْرَفَ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ وَاجِبٍ، وَقِيلَ لِلشَّيْخِ عِمَادِ الدِّينِ بْنِ يُونُسَ‏:‏ إنَّ الْعَامَّةَ صَارُوا يَرَوْنَ قِرَاءَةَ السَّجْدَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاجِبَةً وَيُنْكِرُونَ عَلَى مَنْ تَرَكَهَا، فَقَالَ‏:‏ تُقْرَأُ فِي وَقْتٍ وَتُتْرَكُ فِي وَقْتٍ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ‏.‏

المتن

الْخَامِسُ الرُّكُوعُ وَأَقَلُّهُ أَنْ يَنْحَنِيَ قَدْرَ بُلُوغِ رَاحَتَيْهِ رُكْبَتَيْهِ

الشرحُ

‏(‏الْخَامِسُ‏)‏ مِنْ الْأَرْكَانِ ‏(‏الرُّكُوعُ‏)‏ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ‏{‏ارْكَعُوا‏}‏ ‏[‏الْحَجُّ‏]‏ وَلِخَبَرِ ‏(‏إذَا قُمْتَ إلَى الصَّلَاةِ‏)‏ وَلِلْإِجْمَاعِ ‏(‏وَأَقَلُّهُ‏)‏ أَيْ الرُّكُوعِ فِي حَقِّ الْقَائِمِ ‏(‏أَنْ يَنْحَنِيَ‏)‏ انْحِنَاءً خَالِصًا لَا انْخِنَاسَ فِيهِ ‏(‏قَدْرَ بُلُوغِ رَاحَتَيْهِ‏)‏ أَيْ رَاحَتَيْ يَدَيْ الْمُعْتَدِلِ خِلْقَةً ‏(‏رُكْبَتَيْهِ‏)‏ إذَا أَرَادَ وَضْعَهَا فَلَا يَحْصُلُ بِانْخِنَاسٍ وَلَا بِهِ مَعَ انْحِنَاءٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى رُكُوعًا‏.‏ أَمَّا رُكُوعُ الْقَاعِدِ فَتَقَدَّمَ وَظَاهِرُ تَعْبِيرِهِ بِالرَّاحَةِ وَهِيَ بَطْنُ الْكَفِّ أَنَّهُ لَا يَكْتَفِي بِالْأَصَابِعِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مُقْتَضَى كَلَامِ التَّنْبِيهِ الِاكْتِفَاءَ بِهَا، فَلَوْ طَالَتْ يَدَاهُ أَوْ قَصْرَتَا أَوْ قُطِعَ شَيْءٌ مِنْهُمَا لَمْ يُعْتَبَرْ ذَلِكَ، فَإِنْ عَجَزَ عَمَّا ذُكِرَ إلَّا بِمُعِينٍ وَلَوْ بِاعْتِمَادٍ عَلَى شَيْءٍ أَوْ انْحِنَاءٍ عَلَى شِقِّهِ لَزِمَهُ، وَالْعَاجِزُ يَنْحَنِي قَدْرَ إمْكَانِهِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الِانْحِنَاءِ أَصْلًا أَوْمَأَ بِرَأْسِهِ ثُمَّ بِطَرَفِهِ‏.‏

المتن

بِطُمَأْنِينَةٍ بِحَيْثُ يَنْفَصِلُ رَفْعُهُ عَنْ هُوِيِّهِ وَلَا يَقْصِدُ بِهِ غَيْرَهُ فَلَوْ هَوَى لِتِلَاوَةٍ فَجَعَلَهُ رُكُوعًا لَمْ يَكْفِ‏.‏

الشرحُ

وَيُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الرُّكُوعِ أَنْ يَكُونَ ‏(‏بِطُمَأْنِينَةٍ‏)‏ لِحَدِيثِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ الْمُتَقَدِّمِ، وَأَقَلُّهَا أَنْ تَسْتَقِرَّ أَعْضَاؤُهُ رَاكِعًا ‏(‏بِحَيْثُ يَنْفَصِلُ رَفْعُهُ‏)‏ مِنْ رُكُوعِهِ ‏(‏عَنْ هَوِيِّهِ‏)‏ بِفَتْحِ الْهَاءِ أَفْصَحُ مِنْ ضَمِّهَا أَيْ سُقُوطِهِ فَلَا تَقُومُ زِيَادَةُ الْهَوِيِّ مَقَامَ الطُّمَأْنِينَةِ ‏(‏وَلَا يَقْصِدُ بِهِ‏)‏ أَيْ الْهُوِيَّ ‏(‏غَيْرَهُ‏)‏ أَيْ الرُّكُوعِ قَصْدَهُ هُوَ أَمْ لَا كَغَيْرِهِ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَرْكَانِ؛ لِأَنَّ نِيَّةَ الصَّلَاةِ مُنْسَحِبَةٌ عَلَيْهِ ‏(‏فَلَوْ هَوَى لِتِلَاوَةٍ فَجَعَلَهُ رُكُوعًا لَمْ يَكْفِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ صَرَفَهُ إلَى غَيْرِ الْوَاجِبِ، بَلْ يَنْتَصِبُ لِيَرْكَعَ، وَلَوْ قَرَأَ إمَامُهُ آيَةَ سَجْدَةٍ ثُمَّ رَكَعَ عَقِبَهَا وَظَنَّ الْمَأْمُومُ أَنَّهُ يَسْجُدُ لِلتِّلَاوَةِ فَهَوَى لِذَلِكَ فَرَآهُ لَمْ يَسْجُدْ فَوَقَفَ عَنْ السُّجُودِ فَالْأَقْرَبُ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ أَنَّهُ يُحْسَبُ لَهُ، وَيُغْتَفَرُ ذَلِكَ لِلْمُتَابَعَةِ، وَإِنْ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ‏:‏ الْأَقْرَبُ عِنْدِي أَنَّهُ يَعُودُ إلَى الْقِيَامِ ثُمَّ يَرْكَعُ‏.‏

المتن

وَأَكْمَلُهُ تَسْوِيَةُ ظَهْرِهِ وَعُنُقِهِ وَنَصْبُ سَاقَيْهِ وَأَخَذَ رُكْبَتَيْهِ بِيَدَيْهِ وَتَفْرِقَةُ أَصَابِعِهِ لِلْقِبْلَةِ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَأَكْمَلُهُ‏)‏ أَيْ الرُّكُوعِ ‏(‏تَسْوِيَةُ ظَهْرِهِ وَعُنُقِهِ‏)‏ أَيْ يَمُدُّهُمَا بِانْحِنَاءٍ خَالِصٍ بِحَيْثُ يَصِيرَانِ كَالصَّفِيحَةِ الْوَاحِدَةِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ، فَإِنْ تَرَكَهُ كُرِهَ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ ‏(‏وَنَصْبُ سَاقَيْهِ‏)‏ وَفَخْذَيْهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَعْوَنُ لَهُ وَلَا يُثْنِي رُكْبَتَيْهِ لِيَتِمَّ لَهُ تَسْوِيَةُ ظَهْرِهِ، وَالسَّاقُ بِالْهَمْزِ وَتَرْكِهِ مَا بَيْنَ الْقَدَمِ وَالرُّكْبَةِ فَلَا يُفْهَمُ مِنْهُ نَصْبُ الْفَخِذِ، وَلِذَا قَالَ فِي الرَّوْضَةِ‏:‏ وَنَصْبُ سَاقَيْهِ إلَى الْحَقْوِ، فَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَزِيدَ ذَلِكَ أَوْ مَا قَدَّرْته، وَالسَّاقُ مُؤَنَّثَةٌ وَتُجْمَعُ عَلَى أَسْوُقَ وَسِيقَانٍ وَسُوقٍ ‏(‏وَأَخَذَ رُكْبَتَيْهِ بِيَدَيْهِ‏)‏ أَيْ بِكَفَّيْهِ لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ ‏(‏وَتَفْرِقَةُ أَصَابِعِهِ‏)‏ تَفْرِيقًا وَسَطًا لِلِاتِّبَاعِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْوَسَطِ، رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ ‏(‏لِلْقِبْلَةِ‏)‏ أَيْ لِجِهَتِهَا؛ لِأَنَّهَا أَشْرَفُ الْجِهَاتِ‏.‏ قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ‏:‏ وَلَمْ أَفْهَمْ مَعْنَاهُ، قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ‏:‏ احْتَرَزَ بِذَلِكَ عَلَى أَنْ يُوَجِّهَ أَصَابِعَهُ إلَى غَيْرِ جِهَةِ الْقِبْلَةِ مِنْ يَمْنَةٍ أَوْ يَسْرَةٍ، وَالْأَقْطَعُ وَنَحْوُهُ كَقَصِيرِ الْيَدَيْنِ لَا يُوصِلُ يَدَيْهِ رُكْبَتَيْهِ حِفْظًا لِهَيْئَةِ الرُّكُوعِ، بَلْ يُرْسِلُهُمَا إنْ لَمْ يُسَلِّمَا مَعًا، أَوْ يُرْسِلُ إحْدَاهُمَا إنْ سَلَّمَتْ الْأُخْرَى‏.‏

المتن

وَيُكَبِّرُ فِي ابْتِدَاءِ هُوِيِّهِ وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ كَإِحْرَامِهِ وَيَقُولُ‏:‏ سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ ثَلَاثًا‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَيُكَبِّرُ فِي ابْتِدَاءِ هُوِيِّهِ‏)‏ لِلرُّكُوعِ ‏(‏وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ كَإِحْرَامِهِ‏)‏ وَقَدْ تَقَدَّمَ لِثُبُوتِ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ فِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي تَصْنِيفٍ لَهُ فِي الرَّدِّ عَلَى مُنْكِرِي الرَّفْعِ رَوَاهُ سَبْعَةَ عَشَرَ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ عَدَمُ الرَّفْعِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّ الرَّفْعَ هُنَا كَالرَّفْعِ لِلْإِحْرَامِ، وَأَنَّ الْهُوِيَّ مُقَارَنٌ لِلرَّفْعِ، وَالْأَوَّلُ ظَاهِرٌ وَالثَّانِي مَمْنُوعٌ‏:‏ فَقَدْ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ‏:‏ قَالَ أَصْحَابُنَا‏:‏ وَيَبْتَدِئُ التَّكْبِيرَ قَائِمًا وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ وَيَكُونُ ابْتِدَاءَ رَفْعِهِ، وَهُوَ قَائِمٌ مَعَ ابْتِدَاءِ التَّكْبِيرِ، فَإِذَا حَاذَى كَفَّاهُ مَنْكِبَيْهِ انْحَنَى، وَفِي الْبَيَانِ وَغَيْرِهِ نَحْوَهُ‏.‏ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ‏:‏ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ‏:‏ قَالَ فِي الْإِقْلِيدِ‏:‏ لِأَنَّ الرَّفْعَ حَالَ الِانْحِنَاءِ مُتَعَذِّرٌ أَوْ مُتَعَسِّرٌ وَالْجَدِيدُ أَنَّهُ يَمُدُّ التَّكْبِيرَ إلَى آخِرِ الرُّكُوعِ لِئَلَّا يَخْلُوَ فِعْلٌ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ بِلَا ذِكْرٍ، وَكَذَا فِي سَائِرِ انْتِقَالَاتِ الصَّلَاةِ لِمَا ذُكِرَ وَلَا نَظَرَ إلَى طُولِ الْمَدِّ بِخِلَافِ تَكْبِيرِ الْإِحْرَامِ يُنْدَبُ الْإِسْرَاعُ بِهِ لِئَلَّا تَزُولَ النِّيَّةُ كَمَا مَرَّ ‏(‏وَيَقُولُ سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ‏)‏ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ‏:‏ ‏(‏لَمَّا نَزَلَتْ ‏(‏فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ‏)‏ ‏[‏الْوَاقِعَةُ‏]‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ اجْعَلُوهَا فِي رُكُوعِكُمْ، قَالَ‏:‏ وَلَمَّا نَزَلَتْ ‏(‏سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى‏)‏ الْأَعْلَى‏:‏ قَالَ‏:‏ اجْعَلُوهَا فِي سُجُودِكُمْ‏)‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ، وَصَحَّحَهُ الْأَخِيرَانِ‏.‏ وَالْحِكْمَةُ فِي تَخْصِيصِ الْأَعْلَى بِالسُّجُودِ‏:‏ أَنَّ الْأَعْلَى أَفْعَلُ تَفْضِيلٍ بِخِلَافِ الْعَظِيمِ، فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى رُجْحَانِ مَعْنَاهُ عَلَى غَيْرِهِ، وَالسُّجُودُ فِي غَايَةِ التَّوَاضُعِ فَجَعَلَ الْأَبْلَغَ مَعَ الْأَبْلَغِ وَالْمُطْلَقَ مَعَ الْمُطْلَقِ، وَزَادَ عَلَى ذَلِكَ فِي التَّحْقِيقِ وَغَيْرِهِ وَبِحَمْدِهِ ‏(‏ثَلَاثًا‏)‏ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَقَدْ يُفْهَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ السُّنَّةُ لَا تَتَأَدَّى بِمَرَّةٍ وَلَكِنْ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْأَصْحَابِ‏:‏ أَنَّ أَقَلَّ مَا يَحْصُلُ بِهِ الذِّكْرُ فِي الرُّكُوعِ تَسْبِيحَةٌ وَاحِدَةٌ ا هـ‏.‏ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَصْلَ السُّنَّةِ يَحْصُلُ بِوَاحِدَةٍ، وَعِبَارَةُ التَّحْقِيقِ‏:‏ أَقَلُّهُ سُبْحَانَ اللَّهِ أَوْ سُبْحَانَ رَبِّي، وَأَدْنَى الْكَمَالِ سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ لِلْكَمَالِ دَرَجَاتٌ فَبَعْدَ الثَّلَاثِ خَمْسٌ ثُمَّ سَبْعٌ ثُمَّ تِسْعٌ ثُمَّ إحْدَى عَشْرَةَ، وَهُوَ الْأَكْمَلُ كَمَا فِي التَّحْقِيقِ وَغَيْرِهِ وَاخْتَارَ السُّبْكِيُّ أَنَّهُ لَا يَتَقَيَّدُ بِعَدَدٍ بَلْ يَزِيدُ فِي ذَلِكَ مَا شَاءَ، وَالتَّسْبِيحُ لُغَةً التَّنْزِيهُ وَالتَّبْعِيدُ، تَقُولُ‏:‏ سَبَّحْتُ فِي الْأَرْضِ إذَا أَبْعَدْتَ؛ وَمَعْنَى وَبِحَمْدِهِ أُسَبِّحُهُ حَامِدًا لَهُ أَوْ بِحَمْدِهِ سَبَّحْتُهُ‏.‏

المتن

وَلَا يَزِيدُ الْإِمَامُ وَيَزِيدُ الْمُنْفَرِدُ‏:‏ اللَّهُمَّ لَكَ رَكَعْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَلَكَ أَسْلَمْتُ خَشَعَ لَكَ سَمْعِي وَبَصَرِي وَمُخِّي وَعَظْمِي وَعَصَبِي وَمَا اسْتَقَلَّتْ بِهِ قَدَمِي‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَلَا يَزِيدُ الْإِمَامُ‏)‏ عَلَى التَّسْبِيحَاتِ الثَّلَاثِ أَيْ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ تَخْفِيفًا عَلَى الْمَأْمُومِينَ ‏(‏وَيَزِيدُ الْمُنْفَرِدُ‏)‏ وَإِمَامُ قَوْمٍ مَحْصُورِينَ رَاضِينَ بِالتَّطْوِيلِ ‏(‏اللَّهُمَّ لَكَ رَكَعْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَلَكَ أَسْلَمْتُ خَشَعَ لَكَ سَمْعِي وَبَصَرِي وَمُخِّي وَعَظْمِي وَعَصَبِي‏)‏ رَوَاهُ مُسْلِمٌ، زَادَ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ ‏(‏وَمَا اسْتَقَلَّتْ بِهِ قَدَمِي‏)‏ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْيَاءِ، وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ‏.‏ قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا‏}‏ ‏[‏النَّحْلُ‏]‏ فَيَجُوزُ فِي اسْتَقَلَّتْ إثْبَاتُ التَّاءِ وَحَذْفُهَا عَلَى أَنَّهُ مُفْرَدٌ، وَلَا يَصِحُّ هُنَا التَّشْدِيدُ عَلَى أَنَّهُ مُثَنَّى لِفِقْدَانِ أَلِفِ الرَّفْعِ، وَلَفْظَةُ مُخِّي مَزِيدَةٌ عَلَى الْمُحَرَّرِ وَهِيَ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ وَفِيهِمَا وَفِي الْمُحَرَّرِ وَشَعْرِي وَبَشَرِي بَعْدَ عَصَبِي، وَفِي آخِرِهِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ‏.‏ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ‏:‏ وَهَذَا مَعَ الثَّلَاثِ أَفْضَلُ مِنْ مُجَرَّدِ إكْمَالِ التَّسْبِيحِ‏.‏ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ‏:‏ وَتُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ فِي الرُّكُوعِ وَغَيْرِهِ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَرْكَانِ غَيْرِ الْقِيَامِ ا هـ‏.‏ وَالْحِكْمَةُ فِي وُجُوبِ الْقِرَاءَةِ فِي الْقِيَامِ وَالتَّشَهُّدِ فِي الْجُلُوسِ وَعَدَمِ وُجُوبِ التَّسْبِيحِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَنَّهُ فِي الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ مُلْتَبِسٌ بِالْعَادَةِ فَوَجَبَ فِيهَا لِيَتَمَيَّزَا عَنْهَا بِخِلَافِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ‏.‏ وَيُسْتَحَبُّ الدُّعَاءُ فِي الرُّكُوعِ،؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏(‏كَانَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ‏:‏ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ‏:‏ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي‏)‏ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ‏.‏

المتن

السَّادِسَ الِاعْتِدَالُ قَائِمًا مُطْمَئِنًّا، وَلَا يَقْصِدُ غَيْرَهُ فَلَوْ رَفَعَ فَزِعًا مِنْ شَيْءٍ لَمْ يَكْفِ‏.‏

الشرحُ

‏(‏السَّادِسَ‏)‏ مِنْ الْأَرْكَانِ ‏(‏الِاعْتِدَالُ‏)‏ وَلَوْ فِي النَّافِلَةِ كَمَا صَحَّحَهُ فِي التَّحْقِيقِ لِحَدِيثِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ‏:‏ وَأَمَّا مَا حَكَاهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْمُتَوَلِّي مِنْ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فِي النَّافِلَةِ فَفِي صِحَّتِهَا وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى صِحَّتِهَا مُضْطَجِعًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْبِنَاءِ الِاتِّحَادُ فِي التَّرْجِيحِ ‏(‏قَائِمًا‏)‏ إنْ كَانَ قَبْلَ رُكُوعِهِ كَذَلِكَ إنْ قَدَرَ، وَإِلَّا فَيَعُودُ لِمَا كَانَ أَوْ يَفْعَلُ مَقْدُورَهُ إنْ عَجَزَ ‏(‏مُطْمَئِنًّا‏)‏ لِمَا فِي خَبَرِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ بِأَنْ تَسْتَقِرَّ أَعْضَاؤُهُ عَلَى مَا كَانَ قَبْلَ رُكُوعِهِ بِحَيْثُ يَنْفَصِلُ ارْتِفَاعُهُ عَنْ عَوْدِهِ إلَى مَا كَانَ‏.‏ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ‏:‏ وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَجِبُ الطُّمَأْنِينَةُ فِي الِاعْتِدَالِ كَالرُّكُوعِ، وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ‏:‏ فِي قَلْبِي مِنْ الطُّمَأْنِينَةِ فِي الِاعْتِدَالِ شَيْءٌ، وَفِي كَلَامِ غَيْرِهِ مَا يَقْتَضِي تَرَدُّدًا فِيهَا، وَالْمَعْرُوفُ الصَّوَابُ وُجُوبُهَا ا هـ‏.‏ وَلَوْ رَكَعَ عَنْ قِيَامٍ فَسَقَطَ عَنْ رُكُوعِهِ قَبْلَ الطُّمَأْنِينَةِ فِيهِ عَادَ وُجُوبًا إلَيْهِ وَاطْمَأَنَّ ثُمَّ اعْتَدَلَ، أَوْ سَقَطَ عَنْهُ بَعْدَهَا نَهَضَ مُعْتَدِلًا ثُمَّ سَجَدَ وَإِنْ سَجَدَ ثُمَّ شَكَّ هَلْ تَمَّ اعْتِدَالَهُ اعْتَدَلَ وُجُوبًا ثُمَّ سَجَدَ ‏(‏وَلَا يَقْصِدُ غَيْرَهُ فَلَوْ رَفَعَ فَزَعًا‏)‏ بِفَتْحِ الزَّايِ عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ مَفْعُولٌ لِأَجْلِهِ أَيْ خَوْفًا، أَوْ بِكَسْرِهَا عَلَى أَنَّهُ اسْمُ فَاعِلٍ مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ‏:‏ أَيْ خَائِفًا ‏(‏مِنْ شَيْءٍ‏)‏ كَحَيَّةٍ ‏(‏لَمْ يَكْفِ‏)‏ رَفْعُهُ لِذَلِكَ عَنْ رَفْعِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ صَارِفٌ كَمَا تَقَدَّمَ‏.‏

المتن

وَيُسَنُّ رَفْعُ يَدَيْهِ مَعَ ابْتِدَاءِ رَفْعِ رَأْسِهِ قَائِلًا‏:‏ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَإِذَا انْتَصَبَ قَالَ‏:‏ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَوَاتِ وَمِلْءَ الْأَرْضِ وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ، وَيَزِيدُ الْمُنْفَرِدُ‏:‏ أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ وَكُلُّنَا لَك عَبْدٌ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَيُسَنُّ رَفْعُ يَدَيْهِ‏)‏ كَمَا سَبَقَ فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ ‏(‏مَعَ ابْتِدَاءِ رَفْعِ رَأْسِهِ‏)‏ مِنْ الرُّكُوعِ بِأَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءُ رَفْعِهِمَا مَعَ ابْتِدَاءِ رَفْعِهِ ‏(‏قَائِلًا‏)‏ فِي رَفْعِهِ إلَى الِاعْتِدَالِ ‏(‏سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ‏)‏ أَيْ تَقَبَّلَ مِنْهُ حَمْدُهُ وَجَازَاهُ عَلَيْهِ، وَقِيلَ‏:‏ غَفَرَ لَهُ لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ مَعَ خَبَرِ ‏(‏صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي‏)‏ وَلَوْ قَالَ‏:‏ مَنْ حَمِدَ اللَّهَ سَمِعَ لَهُ كَفَى فِي تَأْدِيَةِ أَصْلِ السُّنَّةِ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِاللَّفْظِ وَالْمَعْنَى، بِخِلَافِ أَكْبَرُ اللَّهُ، لَكِنَّ التَّرْتِيبَ أَفْضَلُ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ‏.‏ وَأَمَّا خَبَرُ ‏(‏إذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ‏)‏ فَمَعْنَاهُ قُولُوا ذَلِكَ مَعَ مَا عَلِمْتُمُوهُ مِنْ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ لِعِلْمِهِمْ بِقَوْلِهِ ‏(‏صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي‏)‏ مَعَ قَاعِدَةِ التَّأَسِّي بِهِ مُطْلَقًا، وَإِنَّمَا خَصَّ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَسْمَعُونَ غَالِبًا وَيَسْمَعُونَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، وَيُسَنُّ الْجَهْرُ بِهَا لِلْإِمَامِ وَالْمُبَلِّغِ إنَّ اُحْتِيجَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ ذِكْرُ انْتِقَالٍ وَلَا يَجْهَرُ بِقَوْلِهِ‏:‏ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ؛ لِأَنَّهُ ذِكْرُ الرَّفْعِ فَلَمْ يَجْهَرْ بِهِ كَالتَّسْبِيحِ وَغَيْرِهِ وَقَدْ عَمَّتْ الْبَلْوَى بِالْجَهْرِ بِهِ وَتَرْكِ الْجَهْرِ بِالتَّسْمِيعِ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ الْأَئِمَّةِ وَالْمُؤَذِّنِينَ صَارُوا جَهَلَةً بِسُنَّةِ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ ‏(‏فَإِذَا انْتَصَبَ‏)‏ أَرْسَلَ يَدَيْهِ وَ ‏(‏قَالَ‏)‏ كُلٌّ مِنْ الْإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ وَالْمَأْمُومِ سِرًّا ‏(‏رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ‏)‏ أَوْ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ أَوْ اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ، أَوْ وَلَكَ الْحَمْدُ، أَوْ لَكَ الْحَمْدُ رَبَّنَا، أَوْ الْحَمْدُ لِرَبِّنَا‏.‏ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِوُرُودِ السُّنَّةِ بِهِ، لَكِنْ قَالَ فِي الْأُمِّ‏:‏ الثَّانِي أَحَبُّ إلَيَّ - أَيْ لِأَنَّهُ جَمَعَ مَعْنَيَيْنِ الدُّعَاءَ وَالِاعْتِرَافَ - أَيْ‏:‏ رَبَّنَا اسْتَجِبْ لَنَا وَلَكَ الْحَمْدُ عَلَى هِدَايَتِكَ إيَّانَا، وَزَادَ فِي التَّحْقِيقِ بَعْدَهُ‏:‏ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْجُمْهُورُ، وَهُوَ فِي الْبُخَارِيِّ مِنْ رِوَايَةِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ وَفِيهِ أَنَّهُ ‏(‏ابْتَدَرَ ذَلِكَ بِضْعَةٌ وَثَلَاثُونَ مَلَكًا يَكْتُبُونَهُ‏)‏ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ عَدَدَ حُرُوفِهَا كَذَلِكَ، وَأَغْرَبَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمَجْمُوعِ فَقَالَ‏:‏ لَا يَزِيدُ الْإِمَامُ عَلَى رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ إلَّا بِرِضَا الْمَأْمُومِينَ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الرَّوْضَةِ وَالتَّحْقِيقِ ‏(‏مِلْءَ السَّمَوَاتِ وَمِلْءَ الْأَرْضِ وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْء بَعْدُ‏)‏ أَيْ بَعْدَهُمَا كَالْعَرْشِ وَالْكُرْسِيِّ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا لَا يَعْلَمُهُ إلَّا هُوَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ‏}‏ ‏[‏الْبَقَرَةُ‏]‏ وَيَجُوزُ فِي مِلْءِ الرَّفْعُ عَلَى الصِّفَةِ وَالنَّصْبُ عَلَى الْحَالِ‏:‏ أَيْ مَالِئًا لَوْ كَانَ جِسْمًا ‏(‏وَيَزِيدُ الْمُنْفَرِدُ‏)‏ وَإِمَامُ قَوْمٍ مَحْصُورِينَ رَاضِينَ بِالتَّطْوِيلِ سِرًّا ‏(‏أَهْلَ‏)‏ مَنْصُوبٌ عَلَى النِّدَاءِ‏:‏ أَيْ يَا أَهْلَ ‏(‏الثَّنَاءِ‏)‏ أَيْ الْمَدْحِ ‏(‏وَالْمَجْدِ‏)‏ أَيْ الْعَظَمَةِ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ‏:‏ الْكَرْمُ، وَقَوْلُهُ ‏(‏أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ‏)‏ مُبْتَدَأٌ، وَقَوْلُهُ ‏(‏وَكُلُّنَا لَك عَبْدٌ‏)‏ اعْتِرَاضٌ وَقَوْلُهُ ‏(‏لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ‏)‏ بِفَتْحِ الْجِيمِ‏:‏ أَيْ الْغِنَى ‏(‏مِنْكَ‏)‏ أَيْ عِنْدَك ‏(‏الْجَدُّ‏)‏ وَرُوِيَ بِالْكَسْرِ وَهُوَ الِاجْتِهَادُ خَبَرُ الْمُبْتَدَإِ، وَالْمَعْنَى وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْحَظِّ فِي الدُّنْيَا حَظُّهُ فِي الْعُقْبَى إنَّمَا يَنْفَعُهُ طَاعَتُكَ‏.‏ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ‏:‏ وَيُحْتَمَلُ كَوْنُ ‏"‏ أَحَقُّ ‏"‏ خَبَرًا لِمَا قَبْلَهُ وَهُوَ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ‏:‏ أَيْ هَذَا الْكَلَامُ أَحَقُّ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ الِاتِّبَاعُ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ إلَى لَك الْحَمْدُ، وَمُسْلِمٌ إلَى آخِرِهِ‏.‏ قَالَ الْمُصَنِّفُ‏:‏ وَإِثْبَاتُ أَلِفِ أَحَقُّ وَوَاوِ وَكُلُّنَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَيَقَعُ فِي كُتُبِ الْفُقَهَاءِ حَذْفُهُمَا، وَالصَّوَابُ إثْبَاتُهُمَا كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَسَائِرُ الْمُحَدِّثِينَ، وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ النَّسَائِيَّ رَوَى حَذْفَهُمَا‏.‏

المتن

وَيُسَنُّ الْقُنُوتُ فِي اعْتِدَالِ ثَانِيَةِ الصُّبْحِ، وَهُوَ‏:‏ اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ إلَى آخِرِهِ

الشرحُ

‏(‏وَيُسَنُّ الْقُنُوتُ فِي اعْتِدَالِ ثَانِيَةِ الصُّبْحِ‏)‏ بَعْدَ ذِكْرِ الِاعْتِدَالِ كَمَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ، وَصَوَّبَهُ الْإِسْنَوِيُّ، وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ‏:‏ مَحَلُّ الْقُنُوتِ إذَا فَرَغَ مِنْ قَوْلِهِ‏:‏ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ فَحِينَئِذٍ يَقْنُتُ، وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ ابْنُ الرِّفْعَةِ، وَقَالَ فِي الْإِقْلِيدِ‏:‏ إنَّهُ قَضِيَّةُ الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ الْقُنُوتَ إذَا انْضَمَّ إلَى الذِّكْرِ الْمَشْرُوعِ فِي الِاعْتِدَالِ طَالَ الِاعْتِدَالُ، وَهُوَ رُكْنٌ قَصِيرٌ بِلَا خِلَافٍ، وَعَمَلُ الْأَئِمَّةِ بِخِلَافِهِ لِجَهْلِهِمْ بِفِقْهِ الصَّلَاةِ، فَإِنَّ الْجَمْعَ إنْ لَمْ يَكُنْ مُبْطِلًا فَلَا شَكَّ أَنَّهُ مَكْرُوهُ ا هـ‏.‏ وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ وَمَنْ ذَكَرَ مَعَهُ عَلَى الْإِمَامِ إذَا أَمَّ قَوْمًا غَيْرَ مَحْصُورِينَ رَاضِينَ بِالتَّطْوِيلِ، وَكَلَامُ الْأَوَّلِينَ عَلَى خِلَافِهِ ‏(‏وَهُوَ اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ إلَى آخِرِهِ‏)‏ كَذَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَتَتِمَّتُهُ كَمَا فِي الشَّرْحِ‏:‏ وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ إنَّك تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْك‏:‏ إنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ‏:‏ ‏(‏كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ رَفَعَ يَدَيْهِ فَيَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ‏:‏ اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ‏)‏ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ لَكِنْ لَمْ يَذْكُرْ رَبَّنَا، وَقَالَ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الصُّبْحِ وَفِي قُنُوتِ الْوِتْرِ‏.‏ قَالَ الرَّافِعِيُّ‏:‏ وَزَادَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ‏:‏ أَيْ الْقُنُوتِ قَبْلَ تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ‏:‏ وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ، وَبَعْدَهُ‏:‏ فَلَكَ الْحَمْدُ عَلَى مَا قَضَيْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إلَيْكَ‏.‏ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ‏:‏ قَالَ أَصْحَابُنَا‏:‏ لَا بَأْسَ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ، وَقَالَ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَآخَرُونَ‏:‏ هِيَ مُسْتَحَبَّةٌ وَعَبَّرَ عَنْهَا فِي تَحْقِيقِهِ بِقَوْلِهِ‏:‏ وَقِيلَ‏.‏

المتن

وَالْإِمَامُ بِلَفْظِ الْجَمْعِ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَ‏)‏ يُسَنُّ أَنْ يَقْنُتَ ‏(‏الْإِمَامُ بِلَفْظِ الْجَمْعِ‏)‏؛ لِأَنَّ الْبَيْهَقِيَّ رَوَاهُ فِي إحْدَى رِوَايَتَيْهِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ فَحَمَلَ عَلَى الْإِمَامِ فَيَقُولُ اهْدِنَا وَهَكَذَا، وَعَلَّلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي أَذْكَارِهِ بِأَنَّهُ يُكْرَهُ لِلْإِمَامِ تَخْصِيصُ نَفْسِهِ بِالدُّعَاءِ لِخَبَرِ ‏(‏لَا يَؤُمُّ عَبْدٌ قَوْمًا فَيَخُصُّ نَفْسَهُ بِدَعْوَةٍ دُونَهُمْ فَإِنْ فَعَلَ فَقَدْ خَانَهُمْ‏)‏ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَقَضِيَّةُ هَذَا طَرْدُهُ فِي سَائِرِ أَدْعِيَةِ الصَّلَاةِ، وَبِهِ صَرَّحَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ فِي كَلَامِهِ عَلَى التَّشَهُّدِ، وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي الْإِشْرَافِ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ لَا أُحِبُّ لِلْإِمَامِ تَخْصِيصَ نَفْسِهِ بِالدُّعَاءِ دُونَ الْقَوْمِ، وَالْجُمْهُورُ لَمْ يَذْكُرُوهُ إلَّا فِي الْقُنُوتِ‏.‏ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ‏:‏ وَقَدْ ثَبَتَ ‏(‏أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا كَبَّرَ فِي الصَّلَاةِ يَقُولُ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ‏:‏ اللَّهُمَّ نَقِّنِي اللَّهُمَّ اغْسِلْنِي‏)‏ الدُّعَاءَ الْمَعْرُوفَ، وَبِهَذَا أَقُولُ ا هـ‏.‏ وَذَكَرَ ابْنُ الْقَيِّمِ أَنَّ أَدْعِيَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّهَا بِلَفْظِ الْإِفْرَادِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْجُمْهُورُ التَّفْرِقَةَ بَيْنَ الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ إلَّا فِي الْقُنُوتِ، وَكَأَنَّ الْفَرْقُ بَيْنَ الْقُنُوتِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْكُلَّ مَأْمُورُونَ بِالدُّعَاءِ بِخِلَافِ الْقُنُوتِ فَإِنَّ الْمَأْمُومَ يُؤَمِّنُ فَقَطْ ا هـ‏.‏ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ كَمَا أَفْتَى بِهِ شَيْخِي، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ تَعَيُّنُ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ لِلْقُنُوتِ، وَهُوَ وَجْهٌ اخْتَارَهُ الْغَزَالِيُّ، وَاَلَّذِي رَجَّحَهُ الْجُمْهُورُ أَنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ، وَعَلَى هَذَا لَوْ قَنَتَ بِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي الْوِتْرِ وَهُوَ‏:‏ اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُكَ إلَخْ كَانَ حَسَنًا، وَيُسَنُّ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا لِلْمُنْفَرِدِ وَلِإِمَامِ قَوْمٍ مَحْصُورِينَ رَاضِينَ بِالتَّطْوِيلِ، وَأَيُّهُمَا يُقَدِّمُ سَيَأْتِي فِي صَلَاةِ النَّفْلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى‏.‏ وَلَوْ قَرَأَ آيَةً مِنْ الْقُرْآنِ وَنَوَى بِهَا الْقُنُوتَ، فَإِنْ تَضَمَّنَتْ دُعَاءً أَوْ شِبْهَهُ كَآخِرِ الْبَقَرَةِ أَجْزَأَتْهُ عَنْ الْقُنُوتِ وَإِنْ لَمْ تَتَضَمَّنْهُ كَتَبَّتْ يَدَا وَآيَةِ الدَّيْنِ أَوْ فِيهَا مَعْنَاهُ وَلَمْ يَقْصِدْ بِهَا الْقُنُوتَ لَمْ تُجْزِهِ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْقِرَاءَةَ فِي الصَّلَاةِ فِي غَيْرِ الْقِيَامِ مَكْرُوهَةٌ‏.‏

المتن

وَالصَّحِيحُ سَنُّ الصَّلَاةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخِرِهِ‏.‏

الشرحُ

قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْبَغَوِيِّ‏:‏ وَيُكْرَهُ إطَالَةُ الْقُنُوتِ‏:‏ أَيْ بِغَيْرِ الْمَشْرُوعِ كَالتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ، وَظَاهِرُهُ عَدَمُ الْبُطْلَانِ، وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْبَغَوِيَّ الْقَائِلَ بِكَرَاهَةِ التَّطْوِيلِ قَائِلٌ بِأَنَّ تَطْوِيلَ الرُّكْنِ الْقَصِيرِ يَبْطُلُ عَمْدُهُ، وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ‏:‏ وَلَوْ طَوَّلَ الْقُنُوتَ زَائِدًا عَلَى الْعَادَةِ كُرِهَ، وَفِي الْبُطْلَانِ احْتِمَالَانِ، وَكَانَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ يَقُولُ فِي قُنُوتِ الصُّبْحِ‏:‏ اللَّهُمَّ لَا تَعُقْنَا عَنْ الْعِلْمِ بِعَائِقٍ وَلَا تَمْنَعْنَا عَنْهُ بِمَانِعٍ ‏(‏وَالصَّحِيحُ سَنُّ الصَّلَاةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخِرِهِ‏)‏ لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ فِي ذَلِكَ، وَالثَّانِي لَا تُسَنُّ بَلْ لَا تَجُوزُ حَتَّى تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِفِعْلِهَا عَلَى وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ نَقَلَ رُكْنًا قَوْلِيًّا إلَى غَيْرِ مَوْضِعِهِ، وَجَزَمَ فِي الْأَذْكَارِ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ بِسَنِّ السَّلَامِ وَيُسَنُّ الصَّلَاةُ عَلَى الْآلِ، وَأَنْكَرَهُ ابْنُ الْفِرْكَاحِ ‏.‏ وَقَالَ‏:‏ هَذَا لَا أَصْلَ لَهُ، وَاسْتَدَلَّ الْإِسْنَوِيُّ لِسَنِّ السَّلَامِ بِالْآيَةِ، وَالزَّرْكَشِيُّ لِسَنِّ الْآلِ بِخَبَرِ ‏"‏ كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ ‏"‏ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ فِي آخِرِهِ أَنَّهَا لَا تُسَنُّ فِيمَا عَدَاهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ قَالَ فِي الْعُدَّةِ‏:‏ لَا بَأْسَ بِهَا أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ لِأَثَرٍ وَرَدَ فِيهِ، وَمَا قَالَهُ الْعِجْلِيُّ فِي شَرْحِهِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَرَأَ آيَةً فِيهَا اسْمُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اُسْتُحِبَّ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ أَفْتَى الْمُصَنِّفُ خِلَافَهُ‏.‏

المتن

وَرَفْعُ يَدَيْهِ وَلَا يَمْسَحُ وَجْهَهُ

الشرحُ

‏(‏وَ‏)‏ سُنَّ ‏(‏رَفْعُ يَدَيْهِ‏)‏ فِيهِ وَفِي سَائِرِ الْأَدْعِيَةِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ فِيهِ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَفِي سَائِرِ الْأَدْعِيَةِ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا‏.‏ وَالثَّانِي‏:‏ لَا يَرْفَعُ فِي الْقُنُوتِ؛ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ فِي صَلَاةٍ فَلَا يُسَنُّ فِيهِ الرَّفْعُ قِيَاسًا عَلَى دُعَاءِ الِافْتِتَاحِ وَالتَّشَهُّدِ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ لِيَدَيْهِ فِيهِ وَظِيفَةً وَلَا وَظِيفَةَ لَهُمَا هُنَا، وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الِاسْتِسْقَاءِ أَنَّهُ يُسَنُّ فِي الدُّعَاءِ أَنْ يَجْعَلَ ظَهْرَ كَفَّيْهِ إلَى السَّمَاءِ إنْ دَعَا لِرَفْعِ بَلَاءٍ، وَعَكْسُهُ إنْ دَعَا لِتَحْصِيلِ شَيْءٍ، فَهَلْ يَقْلِبُ كَفَّيْهِ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْقُنُوتِ وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ أَوْ لَا ‏؟‏ أَفْتَى شَيْخِي بِأَنَّهُ لَا يُسَنُّ أَيْ لِأَنَّ الْحَرَكَةَ فِي الصَّلَاةِ لَيْسَتْ مَطْلُوبَةً ‏(‏وَ‏)‏ الصَّحِيحُ أَنَّهُ ‏(‏لَا يَمْسَحُ‏)‏ بِهِمَا ‏(‏وَجْهَهُ‏)‏ أَيْ لَا يُسَنُّ لَهُ ذَلِكَ لِعَدَمِ وُرُودِهِ كَمَا قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَالثَّانِي يُسَنُّ لِخَبَرِ ‏(‏فَامْسَحُوا بِهِمَا وُجُوهَكُمْ‏)‏ وَرُدَّ بِأَنَّ طُرُقَهُ وَاهِيَةٌ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَدَمُ جَرَيَانِ الْخِلَافِ لَوْلَا التَّقْدِيرُ الْمَذْكُورُ، وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ ظَاهِرَةٌ فِي الْخِلَافِ فِيهِ، فَلَوْ قَالَ‏:‏ لَا مَسَحَ وَجْهَهُ لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَفَادَ الْخِلَافُ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ‏.‏ وَأَمَّا مَسْحُ غَيْرِ الْوَجْهِ كَالصَّدْرِ فَلَا يُسَنُّ مَسْحُهُ قَطْعًا بَلْ نَصَّ جَمَاعَةٌ عَلَى كَرَاهَتِهِ‏.‏ وَأَمَّا مَسْحُ الْوَجْهِ عَقِبَ الدُّعَاءِ خَارِجَ الصَّلَاةِ، فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بَعْدَ نَهْيِهِ عَنْهُ لَا يَفْعَلُهُ إلَّا جَاهِلٌ ا هـ‏.‏ وَقَدْ وَرَدَ فِي الْمَسْحِ بِهِمَا أَخْبَارٌ بَعْضُهَا غَرِيبٌ وَبَعْضُهَا ضَعِيفٌ، وَمَعَ هَذَا جَزَمَ فِي التَّحْقِيقِ بِاسْتِحْبَابِهِ‏.‏

المتن

وَأَنَّ الْإِمَامَ يَجْهَرُ بِهِ وَأَنَّهُ يُؤَمِّنُ الْمَأْمُومُ لِلدُّعَاءِ وَيَقُولُ الثَّنَاءَ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَ‏)‏ الصَّحِيحُ ‏(‏أَنَّ الْإِمَامَ يَجْهَرُ بِهِ‏)‏ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ‏:‏ وَلْيَكُنْ جَهْرُهُ بِهِ دُونَ جَهْرِهِ بِالْقِرَاءَةِ، وَالثَّانِي لَا كَسَائِرِ الْأَدْعِيَةِ الْمَشْرُوعَةِ فِي الصَّلَاةِ‏.‏ أَمَّا الْمُنْفَرِدُ فَيُسِرُّ قَطْعًا ‏(‏وَ‏)‏ الصَّحِيحُ ‏(‏أَنَّهُ يُؤَمِّنُ الْمَأْمُومُ لِلدُّعَاءِ‏)‏ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ أَوْ صَحِيحٍ، وَيَجْهَرُ بِهِ كَمَا فِي تَأْمِينِ الْقِرَاءَةِ ‏(‏وَيَقُولُ الثَّنَاءَ‏)‏ سِرًّا وَهُوَ فَإِنَّكَ تَقْضِي إلَى آخِرِهِ؛ لِأَنَّهُ ثَنَاءٌ وَذِكْرٌ فَكَانَتْ الْمُوَافَقَةُ فِيهِ أَلْيَقَ، وَفِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا أَنَّهُ يَقُولُ الثَّنَاءَ أَوْ يَسْكُتُ، وَقَالَ الْمُتَوَلِّي‏:‏ أَوْ يَقُولُ أَشْهَدُ، وَقَالَ الْغَزَالِيُّ‏:‏ أَوْ صَدَقْتَ وَبَرَرْتَ، وَلَا يَشْكُلُ عَلَى هَذَا مَا تَقَدَّمَ فِي الْأَذَانِ مِنْ أَنَّ الْمُصَلِّيَ إذَا أَجَابَ بِهِ الْمُؤَذِّنُ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ ارْتِبَاطٌ بَيْنَ الْمُصَلِّي وَالْمُؤَذِّنِ بِخِلَافِ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ‏.‏ هَذَا وَالْأَوْجَهُ الْبُطْلَانُ فِيهِمَا‏.‏ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ‏:‏ وَالْمُشَارَكَةُ أَوْلَى، وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُعَاءٌ فَيُؤَمِّنُ لَهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ شَارِحُ التَّنْبِيهِ، وَقَالَ الْغَزِّيُّ‏:‏ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا ثَنَاءٌ، بَلْ قِيلَ‏:‏ يُشَارِكُهُ وَإِنْ قِيلَ‏:‏ إنَّهَا دُعَاءٌ لَمْ يَبْعُدْ، فَفِي الْخَبَرِ ‏(‏رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ‏)‏ ا هـ‏.‏ وَلِذَا قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِي‏:‏ الْأَوْلَى أَنْ يُؤَمِّنَ عَلَى إمَامِهِ، وَيَقُولَهُ بَعْدَهُ وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ، وَقِيلَ يُؤَمِّنُ فِي الْكُلِّ، وَقِيلَ يُوَافِقُهُ فِي الْكُلِّ كَالِاسْتِعَاذَةِ، وَقِيلَ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ التَّأْمِينِ وَالْقُنُوتِ هَذَا كُلُّهُ إذَا قُلْنَا يَجْهَرُ بِهِ الْإِمَامُ أَوْ خَالَفَ السُّنَّةَ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي وَجَهَرَ بِهِ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا مَرَّ فِيمَا إذَا جَهَرَ بِالسَّرِيَّةِ‏.‏

المتن

فَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ قَنَتَ‏.‏

الشرحُ

أَمَّا إذَا لَمْ يَجْهَرْ بِهِ أَوْ جَهَرَ بِهِ وَلَمْ يَسْمَعْهُ فَإِنَّهُ يَقْنُتُ كَمَا قَالَ ‏(‏فَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ‏)‏ لِصَمَمٍ أَوْ بُعْدٍ أَوْ لِعَدَمِ جَهْرِهِ بِهِ أَوْ سَمِعَ صَوْتًا لَمْ يُفَسِّرْهُ ‏(‏قَنَتَ‏)‏ نَدْبًا مَعَهُ سِرًّا كَسَائِرِ الدَّعَوَاتِ وَالْأَذْكَارِ الَّتِي لَا يَسْمَعُهَا‏.‏

المتن

المتن

وَيُشْرَعُ الْقُنُوتُ فِي سَائِرٍ الْمَكْتُوبَاتِ لِلنَّازِلَةِ، لَا مُطْلَقًا عَلَى الْمَشْهُورِ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَيُشْرَعُ‏)‏ أَيْ يُسَنُّ ‏(‏الْقُنُوتُ‏)‏ بَعْدَ التَّحْمِيدِ ‏(‏فِي‏)‏ اعْتِدَالِ أَخِيرَةٍ ‏(‏سَائِرٍ‏)‏ أَيْ بَاقِي ‏(‏الْمَكْتُوبَاتِ لِلنَّازِلَةِ‏)‏ الَّتِي نَزَلَتْ كَأَنْ نَزَلَ بِالْمُسْلِمِينَ خَوْفٌ أَوْ قَحْطٌ أَوْ وَبَاءٌ أَوْ جَرَادٌ أَوْ نَحْوُهَا لِلِاتِّبَاعِ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏(‏قَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو عَلَى قَاتِلِي أَصْحَابِهِ الْقُرَّاءِ بِبِئْرِ مَعُونَةَ‏)‏، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ مَعَ خَبَرِ ‏(‏صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي‏)‏ ‏(‏لَا مُطْلَقًا عَلَى الْمَشْهُورِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَقْنُتْ إلَّا عِنْدَ النَّازِلَةِ وَخَالَفَتْ الصُّبْحُ غَيْرَهَا لِشَرَفِهَا وَلِأَنَّهَا أَقْصَرُ الْفَرَائِضِ فَكَانَتْ بِالزِّيَادَةِ أَلِيقَ وَالثَّانِي يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْقُنُوتِ وَعَدَمِهِ وَيَجْهَرُ بِهِ الْإِمَامُ فِي الْجَهْرِيَّةِ وَالسَّرِيَّةِ وَيُسِرُّ بِهِ الْمُنْفَرِدُ كَمَا فِي قُنُوتِ الصُّبْحِ، وَخَرَجَ بِالْمَكْتُوبَاتِ غَيْرُهَا مِنْ نَفْلٍ وَمَنْذُورٍ وَصَلَاةِ جِنَازَةٍ فَلَا يُسَنُّ الْقُنُوتُ فِيهَا، فَفِي الْأُمِّ‏:‏ وَلَا قُنُوتَ فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاءِ فَإِنْ قَنَتَ لِنَازِلَةٍ لَمْ أَكْرَهْهُ وَإِلَّا كَرِهْتُهُ‏.‏ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ‏:‏ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا يُسَنُّ فِي النَّفْلِ وَفِي كَرَاهَتِهِ التَّفْصِيلُ ا هـ‏.‏ وَيُقَاسُ عَلَى النَّفْلِ فِي ذَلِكَ الْمَنْذُورُ‏.‏ قَالَ شَيْخُنَا‏:‏ وَالظَّاهِرُ كَرَاهَتُهُ مُطْلَقًا فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ لِبِنَائِهَا عَلَى التَّخْفِيفِ، وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِ النَّازِلَةِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِيهَا بَيْنَ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ بِبَعْضِهِمْ كَالْأَسْرِ وَنَحْوِهِ حَتَّى يُسْتَحَبَّ لَهُ وَلِغَيْرِهِ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَإِنْ كَانَ كَلَامُهُمْ يُشْعِرُ بِخِلَافِهِ‏.‏ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَقَدْ يُقَالُ بِالْمَشْرُوعِيَّةِ، وَيَتَّجِهُ أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ ضَرَرُهُ مُتَعَدِّيًا كَأَسْرِ الْعَالِمِ وَالشُّجَاعِ وَنَحْوِهِمَا قَنَتُوا وَإِلَّا فَلَا‏.‏

المتن

السَّابِعُ‏:‏ السُّجُودُ، وَأَقَلُّهُ مُبَاشَرَةُ بَعْضِ جَبْهَتِهِ مُصَلَّاهُ‏.‏

الشرحُ

‏(‏السَّابِعُ‏)‏ مِنْ الْأَرْكَانِ ‏(‏السُّجُودُ‏)‏ مَرَّتَيْنِ لِكُلِّ رَكْعَةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا‏}‏ ‏[‏الْحَجُّ‏]‏ وَلِخَبَرِ ‏(‏إذَا قُمْتَ إلَى الصَّلَاةِ‏)‏ وَإِنَّمَا عُدَّا رُكْنًا وَاحِدًا لِاتِّحَادِهِمَا كَمَا عَدَّ بَعْضُهُمْ الطُّمَأْنِينَةَ فِي مَحَالِّهَا الْأَرْبَعَةِ رُكْنًا وَاحِدًا لِذَلِكَ، وَهُوَ لُغَةً التَّضَامُنُ وَالْمَيْلُ، وَقِيلَ الْخُضُوعُ وَالتَّذَلُّلُ ‏(‏وَ‏)‏ شَرْعًا ‏(‏أَقَلُّهُ مُبَاشَرَةُ بَعْضِ جَبْهَتِهِ مُصَلَّاهُ‏)‏ أَيْ مَا يُصَلِّي عَلَيْهِ مِنْ أَرْضٍ أَوْ غَيْرِهَا لِخَبَرِ ‏(‏إذَا سَجَدْتَ فَمَكِّنْ جَبْهَتَكَ وَلَا تَنْقِرْ نَقْرًا‏)‏ رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَلِخَبَرِ خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ ‏(‏شَكَوْنَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَّ الرَّمْضَاءِ فِي جِبَاهِنَا وَأَكُفِّنَا فَلَمْ يُشْكِنَا‏:‏ أَيْ لَمْ يُزِلْ شَكْوَانَا‏)‏ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ بِغَيْرِ جِبَاهِنَا وَأَكُفِّنَا، فَلَوْ لَمْ تَجِبْ مُبَاشَرَةُ الْمُصَلِّي بِالْجَبْهَةِ لَأَرْشَدَهُمْ إلَى سَتْرِهَا وَقِيلَ‏:‏ يَجِبُ وَضْعُ جَمِيعِهَا، وَعَلَى الْأَوَّلِ يُسْتَحَبُّ، بَلْ الِاقْتِصَارُ عَلَى بَعْضِهَا مَكْرُوهٌ وَإِنَّمَا اكْتَفَى بِهِ لِصِدْقِ اسْمِ السُّجُودِ عَلَيْهَا بِذَلِكَ، وَخَرَجَ بِهَا الْجَبِينُ وَالْأَنْفُ فَلَا يَكْفِي وَضْعُهُمَا وَلَا يَجِبُ لِمَا سَيَأْتِي‏.‏

المتن

فَإِنْ سَجَدَ عَلَى مُتَّصِلٍ بِهِ جَازَ إنْ لَمْ يَتَحَرَّكْ بِحَرَكَتِهِ‏.‏

الشرحُ

‏(‏فَإِنْ سَجَدَ عَلَى مُتَّصِلٍ بِهِ‏)‏ كَطَرَفِ كُمِّهِ الطَّوِيلِ أَوْ عِمَامَتِهِ ‏(‏جَازَ إنْ لَمْ يَتَحَرَّكْ بِحَرَكَتِهِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمُنْفَصِلِ عَنْهُ، إنْ تَحَرَّكَ بِحَرَكَتِهِ فِي قِيَامٍ أَوْ قُعُودٍ أَوْ غَيْرِهِمَا كَمِنْدِيلٍ عَلَى عَاتِقِهِ لَمْ يَجُزْ، فَإِنْ كَانَ مُتَعَمِّدًا عَالِمًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ أَوْ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا لَمْ تَبْطُلْ وَأَعَادَ السُّجُودَ، وَلَوْ صَلَّى مِنْ قُعُودٍ فَلَمْ يَتَحَرَّكْ بِحَرَكَتِهِ، وَلَوْ صَلَّى مِنْ قِيَامٍ لِتَحَرُّكٍ لَمْ يَضُرَّ إذْ الْعِبْرَةُ بِالْحَالَةِ الرَّاهِنَةِ، هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَإِنْ لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ، وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ الِامْتِنَاعَ عَلَى الْيَدِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَخَرَجَ بِمُتَّصِلٍ بِهِ مَا هُوَ فِي حُكْمِ الْمُنْفَصِلِ وَإِنْ تَحَرَّكَ بِحَرَكَتِهِ كَعُودٍ بِيَدِهِ فَلَا يَضُرُّ السُّجُودُ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ فِي نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ، وَفَرَّقَ بَيْنَ صِحَّةِ صَلَاتِهِ فِيمَا إذَا سَجَدَ عَلَى طَرَفِ مَلْبُوسِهِ وَلَمْ يَتَحَرَّكْ بِحَرَكَتِهِ وَعَدَمِ صِحَّتِهِ فِيمَا إذَا كَانَ بِهِ نَجَاسَةٌ بِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُنَا وَضْعُ جَبْهَتِهِ عَلَى قَرَارٍ لِلْأَمْرِ بِتَمْكِينِهَا كَمَا مَرَّ، وَإِنَّمَا يَخْرُجُ الْقَرَارُ بِالْحَرَكَةِ، وَالْمُعْتَبَرِ ثَمَّ أَنْ لَا يَكُونَ شَيْءٌ مِمَّا يُنْسَبُ إلَيْهِ مُلَاقِيًا لَهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ‏}‏ ‏[‏الْمُدَّثِّرُ‏]‏ وَالطَّرَفُ الْمَذْكُورُ مِنْ ثِيَابِهِ وَمَنْسُوبٌ إلَيْهِ‏.‏ وَلَوْ سَجَدَ عَلَى شَيْء فِي مَوْضِعِ سُجُودِهِ كَوَرَقَةٍ، فَإِنْ الْتَصَقَ بِجَبْهَتِهِ وَارْتَفَعَتْ مَعَهُ وَسَجَدَ عَلَيْهَا ثَانِيًا ضَرَّ، وَإِنْ نَحَّاهَا ثُمَّ سَجَدَ لَمْ يَضُرَّ‏.‏ وَلَوْ سَجَدَ عَلَى عِصَابَةِ جُرْحٍ أَوْ نَحْوِهِ لِضَرُورَةٍ بِأَنْ شَقَّ عَلَيْهِ إزَالَتُهَا لَمْ يَلْزَمْهُ الْإِعَادَةُ؛ لِأَنَّهَا إذَا لَمْ تَلْزَمْهُ مَعَ الْإِيمَاءِ لِلْعُذْرِ فَهَذَا أَوْلَى، وَكَذَا لَوْ سَجَدَ عَلَى شَعْرٍ نَبَتَ عَلَى جَبْهَتِهِ؛ لِأَنَّ مَا نَبَتَ عَلَيْهَا مِثْلُ بَشَرَتِهِ، ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ وَلَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ الْإِسْنَوِيُّ، فَقَالَ‏:‏ يُحْتَمَلُ الْإِجْزَاءُ مُطْلَقًا بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْمُتَيَمِّمَ نَزْعُهُ وَهُوَ مُتَّجِهٌ‏.‏ ثُمَّ قَالَ‏:‏ وَأَوْجَهُ مِنْهُ أَنَّهُ إنْ اسْتَوْعَبَتْ الْجَبْهَةُ كَفَى وَإِلَّا وَجَبَ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى الْخَالِي مِنْهُ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْأَصْلِ‏.‏

المتن

وَلَا يَجِبُ وَضْعُ يَدَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَقَدَمَيْهِ فِي الْأَظْهَرِ‏.‏ قُلْتُ‏:‏ الْأَظْهَرُ وُجُوبُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَلَا يَجِبُ وَضْعُ يَدَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَقَدَمَيْهِ‏)‏ فِي سُجُودِهِ ‏(‏فِي الْأَظْهَرِ‏)‏ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ‏}‏ ‏[‏الْفَتْحُ‏]‏‏.‏ وَلِلْخَبَرِ الْمُتَقَدِّمِ ‏(‏إذَا سَجَدْتَ فَمَكِّنْ جَبْهَتَكَ‏)‏ فَإِفْرَادُهَا بِالذِّكْرِ دَلِيلٌ عَلَى مُخَالَفَتِهَا لِغَيْرِهَا، وَلِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ وَضْعُهَا لَوَجَبَ الْإِيمَاءُ بِهَا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ وَضْعِهَا، وَالْإِيمَاءُ بِهَا لَا يَجِبُ فَلَا يَجِبُ وَضْعُهَا، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ وَضْعُ أَشْرَفِ الْأَعْضَاءِ عَلَى مَوَاطِئِ الْأَقْدَامِ، وَهُوَ خَصِيصٌ بِالْجَبْهَةِ وَيُتَصَوَّرُ رَفْعُ جَمِيعِهَا كَأَنْ يُصَلِّيَ عَلَى حَجَرَيْنِ بَيْنَهُمَا حَائِطٌ قَصِيرٌ يَنْبَطِحُ عَلَيْهِ عِنْدَ سُجُودِهِ وَيَرْفَعُهَا ‏(‏قُلْتُ الْأَظْهَرُ وُجُوبُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏)‏ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ ‏(‏أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ عَلَى الْجَبْهَةِ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ إلَى أَنْفِهِ وَالْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَأَطْرَافِ الْقَدَمَيْنِ‏)‏ وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ الْإِيمَاءُ بِهَا عِنْدَ الْعَجْزِ وَتَقْرِيبُهَا مِنْ الْأَرْضِ كَالْجَبْهَةِ؛ لِأَنَّ مُعْظَمَ السُّجُودِ وَغَايَةَ الْخُضُوعِ بِالْجَبْهَةِ دُونَهَا، وَيَكْفِي وَضْعُ جُزْءٍ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ كَالْجَبْهَةِ وَالْعِبْرَةُ فِي الْيَدَيْنِ بِبَطْنِ الْكَفِّ، سَوَاءٌ الْأَصَابِعُ وَالرَّاحَةُ‏:‏ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ، وَفِي الرِّجْلَيْنِ بِبَطْنِ الْأَصَابِعِ فَلَا يُجْزِئُ الظَّهْرُ مِنْهَا وَلَا الْحَرْفُ وَلَا يَجِبُ كَشْفُهَا، بَلْ يُكْرَهُ كَشْفُ الرُّكْبَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى كَشْفِ الْعَوْرَةِ، وَقِيلَ‏:‏ يَجِبُ كَشْفُ بَاطِنِ الْكَفَّيْنِ أَخْذًا بِظَاهِرِ خَبَّابٍ السَّابِقِ‏.‏ وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ قَوْلَهُ فِيهِ فَلَمْ يُشْكِنَا فِي مَجْمُوعِ الْجَبْهَةِ وَالْكَفَّيْنِ، وَأُيِّدَ بِمَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ ‏(‏أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي مَسْجِدِ بَنِي الْأَشْهَلِ وَعَلَيْهِ كِسَاءٌ مُلَفَّعٌ بِهِ يَضَعُ يَدَيْهِ عَلَيْهِ يَقِيهِ الْحَصَى‏)‏ وَيُسَنُّ كَشْفُهُمَا خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ، وَكَشْفُ قَدَمَيْهِ حَيْثُ لَا خُفَّ، وَيَحْصُلُ تَوْجِيهُ أَصَابِعِهِمَا لِلْقِبْلَةِ بِأَنْ يَكُونَ مُعْتَمِدًا عَلَى بُطُونِهِمَا، ثُمَّ مَحَلُّ وُجُوبِ وَضْعِ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ إذَا لَمْ يَتَعَذَّرْ وَضْعُ شَيْءٍ مِنْهَا، وَإِلَّا فَيَسْقُطُ الْفَرْضُ، فَلَوْ قُطِعَتْ يَدُهُ مِنْ الزَّنْدِ لَمْ يَجِبْ وَضْعُهُ، وَلَا وَضْعُ رِجْلٍ قُطِعَتْ أَصَابِعُهَا لِفَوْتِ مَحَلِّ الْفَرْضِ‏.‏

فَرْعٌ‏:‏ لَوْ خُلِقَ لَهُ‏:‏ رَأْسَانِ، وَأَرْبَعُ أَيْدٍ، وَأَرْبَعُ أَرْجُلٍ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ وَضْعُ بَعْضِ كُلٍّ مِنْ الْجَبْهَتَيْنِ وَمَا بَعْدَهُمَا مُطْلَقًا، أَوْ يَفْصِلُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْبَعْضُ زَائِدًا أَوْ لَا ‏؟‏ لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ، وَلَكِنْ أَفْتَانِي شَيْخِي فِيهَا بِأَنَّهُ إنْ عَرَفَ الزَّائِدَ فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ، وَإِلَّا اكْتَفَى فِي الْخُرُوجِ مِنْ عُهْدَةِ الْوُجُوبِ بِسَبْعَةِ أَعْضَاءٍ مِنْهَا‏:‏ أَيْ إحْدَى الْجَبْهَتَيْنِ وَيَدَيْنِ وَرُكْبَتَيْنِ وَأَصَابِعِ رِجْلَيْنِ إذَا كَانَتْ كُلُّهَا أَصْلِيَّةً لِلْحَدِيثِ، فَإِنْ اشْتَبَهَ الْأَصْلِيُّ بِالزَّائِدِ وَجَبَ وَضْعُ جُزْءٍ مِنْ كُلٍّ مِنْهَا‏.‏

المتن

وَيَجِبُ أَنْ يَطْمَئِنَّ وَيَنَالَ مَسْجَدَهُ ثِقَلَ رَأْسِهِ وَأَنْ لَا يَهْوِيَ لِغَيْرِهِ فَلَوْ سَقَطَ لِوَجْهِهِ وَجَبَ الْعَوْدُ إلَى الِاعْتِدَالِ، وَأَنْ تَرْتَفِعَ أَسَافِلُهُ عَلَى أَعَالِيهِ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَيَجِبُ أَنْ يَطْمَئِنَّ‏)‏ لِحَدِيثِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ ‏(‏وَيَنَالَ مَسْجَدَهُ‏)‏ وَهُوَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا‏:‏ مَحَلُّ سُجُودِهِ ‏(‏ثِقَلُ رَأْسِهِ‏)‏ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ ‏(‏وَإِذَا سَجَدْتَ فَمَكِّنْ جَبْهَتَكَ‏)‏‏.‏ وَمَعْنَى الثِّقَلِ‏:‏ أَنْ يَتَحَامَلَ بِحَيْثُ لَوْ فُرِضَ تَحْتَهُ قُطْنٌ أَوْ حَشِيشٌ لَانْكَبَسَ، وَظَهَرَ أَثَرُهُ فِي يَدٍ لَوْ فُرِضَتْ تَحْتَ ذَلِكَ، وَاكْتَفَى الْإِمَامُ بِإِرْخَاءِ رَأْسِهِ‏.‏ قَالَ‏:‏ بَلْ هُوَ أَقْرَبُ إلَى هَيْئَةِ التَّوَاضُعِ مِنْ تَكَلُّفِ التَّحَامُلِ، وَيَنَالُ مَعْنَاهُ‏:‏ يُصِيبُ وَيَحْصُلُ، وَمَسْجِدَهُ هُنَا مَنْصُوبٌ، وَثَقُلَ فَاعِلٌ، وَلَا يُعْتَبَرُ هَذَا فِي بَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ عِبَارَةِ الرَّوْضَةِ، وَأَفْتَى بِهِ شَيْخِي مُخَالِفًا فِيهِ شَيْخَهُ فِي شَرْحِ مَنْهَجِهِ، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ‏:‏ أَمَّا غَيْرُ الْجَبْهَةِ مِنْ الْأَعْضَاءِ إذَا أَوْجَبْنَا وَضْعَهُ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا التَّحَامُلُ، وَحُكِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّ الَّذِي صَحَّحَهُ الْأَئِمَّةُ أَنْ يَضَعَ أَطْرَافَ الْأَصَابِعِ عَلَى الْأَرْضِ مِنْ غَيْرِ تَحَامُلٍ عَلَيْهَا ا هـ‏.‏ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي تَحْقِيقِهِ‏:‏ وَيُنْدَبُ أَنْ يَضَعَ كَفَّيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ وَيَنْشُرَ أَصَابِعَهُمَا مَضْمُومَةً لِلْقِبْلَةِ وَيَعْتَمِدَ عَلَيْهِمَا ‏(‏وَأَنْ لَا يَهْوِيَ لِغَيْرِهِ‏)‏ أَيْ السُّجُودِ بِأَنْ يَهْوِيَ لَهُ أَوْ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ كَمَا مَرَّ فِي الرُّكُوعِ ‏(‏فَلَوْ سَقَطَ لِوَجْهِهِ‏)‏ أَيْ عَلَيْهِ مِنْ الِاعْتِدَالِ ‏(‏وَجَبَ الْعَوْدُ إلَى الِاعْتِدَالِ‏)‏ لِيَهْوِيَ مِنْهُ لِانْتِفَاءِ الْهَوِيِّ فِي السُّقُوطِ، فَإِنْ سَقَطَ مِنْ الْهَوِيِّ لَمْ يَلْزَمْهُ الْعَوْدُ، بَلْ يُحْسَبُ ذَلِكَ سُجُودًا إلَّا إنْ قَصَدَ بِوَضْعِ الْجَبْهَةِ الِاعْتِمَادَ عَلَيْهَا فَقَطْ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ إعَادَةُ السُّجُودِ لِوُجُودِ الصَّارِفِ، وَلَوْ سَقَطَ مِنْ الْهَوِيِّ عَلَى جَنْبِهِ فَانْقَلَبَ بِنِيَّةِ السُّجُودِ، أَوْ بِلَا نِيَّةٍ، أَوْ بِنِيَّتِهِ وَنِيَّةِ الِاسْتِقَامَةِ وَسَجَدَ أَجْزَأَهُ، فَإِنْ نَوَى الِاسْتِقَامَةَ فَقَطْ لَمْ يُجْزِهِ لِوُجُودِ الصَّارِفِ، بَلْ يَجْلِسُ ثُمَّ يَسْجُدُ، وَلَا يَقُومُ ثُمَّ يَسْجُدُ، فَإِنْ قَامَ عَامِدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا، وَإِنْ نَوَى مَعَ ذَلِكَ صَرَفَهُ عَنْ السُّجُودِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ زَادَ فِعْلًا لَا يُزَادُ مِثْلُهُ فِي الصَّلَاةِ عَمْدًا ‏(‏وَأَنْ تَرْتَفِعَ أَسَافِلُهُ‏)‏ أَيْ عَجِيزَتُهُ وَمَا حَوْلَهَا ‏(‏عَلَى أَعَالِيهِ فِي الْأَصَحِّ‏)‏ لِلِاتِّبَاعِ كَمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، فَلَوْ صَلَّى فِي سَفِينَةٍ مَثَلًا وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ ارْتِفَاعِ ذَلِكَ لِمَيَلَانِهَا صَلَّى عَلَى حَالِهِ وَلَزِمَهُ الْإِعَادَةُ؛ لِأَنَّ هَذَا عُذْرٌ نَادِرٌ‏.‏ وَالثَّانِي وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ فِي شَرْحِ الْمُسْنَدِ عَنْ النَّصِّ‏:‏ أَنَّهُ يَجُوزُ مُسَاوَاتُهُمَا لِحُصُولِ اسْمِ السُّجُودِ، فَلَوْ ارْتَفَعَتْ الْأَعَالِي لَمْ يَجُزْ جَزْمًا كَمَا لَوْ أَكَبَّ عَلَى وَجْهِهِ وَمَدَّ رِجْلَيْهِ نَعَمْ إنْ كَانَ بِهِ عِلَّةٌ لَا يُمْكِنُهُ مَعَهَا السُّجُودُ إلَّا كَذَلِكَ صَحَّ، فَإِنْ أَمْكَنَهُ السُّجُودُ عَلَى وِسَادَةٍ بِتَنْكِيسٍ لَزِمَهُ قَطْعًا لِحُصُولِ هَيْئَةِ السُّجُودِ بِذَلِكَ أَوْ بِلَا تَنْكِيسٍ لَمْ يَلْزَمْهُ السُّجُودُ عَلَيْهَا، خِلَافًا لِمَا فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ لِفَوَاتِ هَيْئَةِ السُّجُودِ، بَلْ يَكْفِيهِ الِانْحِنَاءُ الْمُمْكِنُ، وَلَا يَشْكُلُ بِمَا مَرَّ‏:‏ مِنْ أَنَّ الْمَرِيضَ إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ الِانْتِصَابُ إلَّا بِاعْتِمَادِهِ عَلَى شَيْءٍ لَزِمَهُ؛ لِأَنَّهُ هُنَاكَ إذَا اعْتَمَدَ عَلَى شَيْءٍ أَتَى بِهَيْئَةِ الْقِيَامِ، وَهُنَا إذَا وَضَعَ الْوِسَادَةَ لَا يَأْتِي بِهَيْئَةِ السُّجُودِ، فَلَا فَائِدَةَ فِي الْوَضْعِ‏.‏

المتن

وَأَكْمَلُهُ يُكَبِّرُ لِهُوِيِّهِ بِلَا رَفْعٍ وَيَضَعُ رُكْبَتَيْهِ ثُمَّ يَدَيْهِ ثُمَّ جَبْهَتَهُ وَأَنْفَهُ وَيَقُولُ‏:‏ سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى ثَلَاثًا، وَيَزِيدُ الْمُنْفَرِدُ اللَّهُمَّ لَكَ سَجَدْتُ، وَبِك آمَنْتُ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ، سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ، وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ، وَيَضَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وَيَنْشُرُ أَصَابِعَهُ مَضْمُومَةً لِلْقِبْلَةِ، وَيُفَرِّقُ رُكْبَتَيْهِ، وَيَرْفَعُ بَطْنَهُ عَنْ فَخِذَيْهِ وَمِرْفَقَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ، وَتَضُمُّ الْمَرْأَةُ وَالْخُنْثَى‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَأَكْمَلُهُ‏)‏ أَيْ السُّجُودِ ‏(‏يُكَبِّرُ‏)‏ الْمُصَلِّي ‏(‏لِهُوِيِّهِ‏)‏ لِثُبُوتِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ ‏(‏بِلَا رَفْعٍ‏)‏ لِيَدَيْهِ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَرْفَعُ ذَلِكَ فِي السُّجُودِ‏.‏ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ‏(‏وَيَضَعُ رُكْبَتَيْهِ ثُمَّ يَدَيْهِ‏)‏ أَيْ كَفَّيْهِ لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ ‏(‏ثُمَّ‏)‏ يَضَعُ ‏(‏جَبْهَتَهُ وَأَنْفَهُ‏)‏ مَكْشُوفًا لِلِاتِّبَاعِ أَيْضًا، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، فَلَوْ خَالَفَ التَّرْتِيبَ أَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الْجَبْهَةِ كُرِهَ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ، وَيُسَنُّ أَنْ يَكُونَ وَضْعُ الْجَبْهَةِ وَالْأَنْفِ مَعًا كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ‏.‏ وَنَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْبَنْدَنِيجِيِّ وَغَيْرِهِ، وَإِنْ قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْهُ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ‏:‏ هُمَا كَعُضْوٍ وَاحِدٍ يُقَدِّمُ أَيَّهُمَا شَاءَ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ وَضْعُ الْأَنْفِ كَالْجَبْهَةِ، مَعَ أَنَّ خَبَرَ ‏(‏أُمِرْت أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ‏)‏ ظَاهِرُهُ الْوُجُوبُ لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ الْمُقْتَصِرَةِ عَلَى الْجَبْهَةِ، قَالُوا‏:‏ وَتُحْمَلُ أَخْبَارُ الْأَنْفِ عَلَى النَّدْبِ‏.‏ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَفِيهِ ضَعْفٌ؛ لِأَنَّ رِوَايَاتِ الْأَنْفِ زِيَادَةُ ثِقَةٍ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا ‏(‏وَيَقُولُ‏)‏ بَعْدَ ذَلِكَ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ ‏(‏سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى ثَلَاثًا‏)‏ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ فِي الرُّكُوعِ، وَلَا يَزِيدُ الْإِمَامُ عَلَى ذَلِكَ تَخْفِيفًا عَلَى الْمَأْمُومِينَ ‏(‏وَيَزِيدُ الْمُنْفَرِدُ‏)‏ وَإِمَامُ قَوْمٍ مَحْصُورِينَ رَاضِينَ بِالتَّطْوِيلِ ‏(‏‏(‏اللَّهُمَّ لَكَ سَجَدْتُ، وَبِك آمَنْتُ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ، سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ، وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ، تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ‏)‏‏)‏ لِلِاتِّبَاعِ‏.‏ رَوَاهُ مُسْلِمٌ زَادَ فِي الرَّوْضَةِ قَبْلَ تَبَارَكَ ‏"‏ بِحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ ‏"‏ قَالَ فِيهَا‏:‏ وَيُسْتَحَبُّ فِيهِ‏:‏ سَبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ‏.‏ وَيُسَنُّ لِلْمُنْفَرِدِ وَلِإِمَامِ مَحْصُورِينَ رَاضِينَ بِالتَّطْوِيلِ الدُّعَاءُ فِيهِ، وَعَلَى ذَلِكَ حُمِلَ خَبَرُ مُسْلِمٍ ‏(‏أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ فَأَكْثِرُوا فِيهِ الدُّعَاءَ‏)‏‏.‏ وَقَدْ ثَبَتَ ‏(‏أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِيهِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي كُلَّهُ‏:‏ دِقَّهُ وَجِلَّهُ، وَأَوَّلَهُ وَآخِرَهُ وَعَلَانِيَتَهُ وَسِرَّهُ، اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِعَفْوِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْك‏:‏ لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ‏)‏‏.‏ وَيَأْتِي الْمَأْمُومُ بِمَا أَمْكَنَهُ مِنْ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تَخَلُّفٍ ‏(‏وَيَضَعُ يَدَيْهِ‏)‏ فِي سُجُودِهِ ‏(‏حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ‏)‏ أَيْ مُقَابِلِهِمَا لِلِاتِّبَاعِ‏.‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ ‏(‏وَيَنْشُرُ أَصَابِعَهُ مَضْمُومَةً‏)‏ وَمَكْشُوفَةً ‏(‏لِلْقِبْلَةِ‏)‏ لِلِاتِّبَاعِ‏.‏ رَوَاهُ فِي الضَّمِّ وَالنَّشْرِ الْبُخَارِيُّ، وَفِي الْبَاقِي الْبَيْهَقِيُّ ‏(‏وَيُفَرِّقُ‏)‏ الذَّكَرُ ‏(‏رُكْبَتَيْهِ‏)‏ وَبَيْنَ قَدَمَيْهِ قَدْرَ شِبْرٍ ‏(‏وَيَرْفَعُ بَطْنَهُ عَنْ فَخِذَيْهِ وَمِرْفَقَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ‏)‏ لِلِاتِّبَاعِ كَمَا ثَبَتَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ‏.‏ وَقَوْلُهُ‏:‏ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ يَعُودُ إلَى الثَّلَاثِ ‏(‏وَتَضُمُّ الْمَرْأَةُ وَالْخُنْثَى‏)‏ وَهُوَ مِنْ زِيَادَتِهِ عَلَى الْمُحَرَّرِ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ فِي رُكُوعِهِمَا وَسُجُودِهِمَا بِأَنْ يُلْصِقَا بَطْنَهُمَا بِفَخِذَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهَا وَأَحْوَطُ لَهُ‏.‏ وَفِي الْمَجْمُوعِ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ‏:‏ إنَّ الْمَرْأَةَ تَضُمُّ فِي جَمِيعِ الصَّلَاةِ أَيْ الْمِرْفَقَيْنِ إلَى الْجَنْبَيْنِ لِمَا تَقَدَّمَ، وَالْخُنْثَى مِثْلُهَا‏.‏ قَالَ السُّبْكِيُّ‏:‏ وَكَانَ الْأَلْيَقُ ذِكْرَ هَذِهِ الصِّفَاتِ قَبْلَ قَوْلِهِ‏:‏ سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى، وَيَرْفَعُ كُلٌّ مِنْهُمْ ذِرَاعَيْهِ عَنْ الْأَرْضِ، فَإِنْ لَحِقَهُ مَشَقَّةٌ بِالِاعْتِمَادِ عَلَى كَفَّيْهِ كَأَنْ طَوَّلَ الْمُنْفَرِدُ سُجُودَهُ وَضَعَ سَاعِدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ‏.‏

المتن

الثَّامِنُ‏:‏ الْجُلُوسُ بَيْنَ سَجْدَتَيْهِ مُطْمَئِنًّا، وَيَجِبُ أَنْ لَا يَقْصِدَ بِرَفْعِهِ غَيْرَهُ وَأَنْ لَا يُطَوِّلَهُ وَلَا الِاعْتِدَالَ، وَأَكْمَلُهُ يُكَبِّرُ وَيَجْلِسُ مُفْتَرِشًا وَاضِعًا يَدَيْهِ قَرِيبًا مِنْ رُكْبَتَيْهِ وَيَنْشُرُ أَصَابِعَهُ قَائِلًا‏:‏ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَاجْبُرْنِي وَارْفَعْنِي وَارْزُقْنِي وَاهْدِنِي وَعَافِنِي، ثُمَّ يَسْجُدُ الثَّانِيَةَ كَالْأُولَى‏.‏

الشرحُ

‏(‏الثَّامِنُ‏)‏ مِنْ الْأَرْكَانِ ‏(‏الْجُلُوسُ بَيْنَ سَجْدَتَيْهِ مُطْمَئِنًّا‏)‏ وَلَوْ فِي نَفْلٍ، لِحَدِيثِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ ‏(‏كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ لَمْ يَسْجُدْ حَتَّى يَسْتَوِيَ جَالِسًا‏)‏‏.‏ وَهَذَا فِيهِ رَدٌّ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ حَيْثُ يَقُولُ‏:‏ يَكْفِي أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ عَنْ الْأَرْضِ أَدْنَى رَفْعٍ كَحَدِّ السَّيْفِ ‏(‏وَيَجِبُ أَنْ لَا يَقْصِدَ بِرَفْعِهِ غَيْرَهُ‏)‏ لِمَا مَرَّ فِي الرُّكُوعِ، فَلَوْ رَفَعَ فَزَعًا مِنْ شَيْءٍ لَمْ يَكْفِ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ إلَى السُّجُودِ ‏(‏وَأَنْ لَا يُطَوِّلَهُ وَلَا الِاعْتِدَالَ‏)‏؛ لِأَنَّهُمَا رُكْنَانِ قَصِيرَانِ لَيْسَا مَقْصُودَيْنِ لِذَاتِهِمَا بَلْ لِلْفَصْلِ، وَسَيَأْتِي حُكْمُ تَطْوِيلِهِمَا فِي سُجُودِ السَّهْوِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، هَذَا أَقَلُّهُ ‏(‏وَأَكْمَلُهُ يُكَبِّرُ‏)‏ بِلَا رَفْعِ يَدٍ مَعَ رَفْعِ رَأْسِهِ مِنْ سُجُودِهِ لِلِاتِّبَاعِ‏.‏ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ ‏(‏وَيَجْلِسُ مُفْتَرِشًا‏)‏ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَلِأَنَّ جُلُوسَهُ يَعْقُبُهُ حَرَكَةٌ، فَكَانَ الِافْتِرَاشُ فِيهِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ عَلَى هَيْئَةِ الْمُسْتَوْفِزِ وَرَوَى الْبُوَيْطِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَجْلِسُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَيَكُونُ صُدُورُ قَدَمَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ هَذَا نَوْعٌ مِنْ الْإِقْعَاءِ مُسْتَحَبٌّ، وَالِافْتِرَاشُ أَفْضَلُ مِنْهُ ‏(‏وَاضِعًا يَدَيْهِ‏)‏ أَيْ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ ‏(‏قَرِيبًا مِنْ رُكْبَتَيْهِ‏)‏ بِحَيْثُ تُسَاوِي رُءُوسُ أَصَابِعِهِ رُكْبَتَيْهِ ‏(‏وَيَنْشُرُ أَصَابِعَهُ‏)‏ إلَى الْقِبْلَةِ قِيَاسًا عَلَى السُّجُودِ وَغَيْرِهِ، وَلَا يَضُرُّ انْعِطَافُ رُءُوسِهَا عَلَى الرُّكْبَةِ كَمَا قَالَهُ‏.‏ الشَّيْخَانِ، وَإِنْ أَنْكَرَهُ ابْنُ يُونُسَ وَقَالَ‏:‏ يَنْبَغِي تَرْكُهُ؛ لِأَنَّهُ يُخِلُّ بِتَوْجِيهِهَا لِلْقِبْلَةِ، وَتَرْكُ الْيَدَيْنِ حَوَالَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ كَإِرْسَالِهِمَا فِي الْقِيَامِ، وَسَيَأْتِي حُكْمُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ‏(‏قَائِلًا‏:‏ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَاجْبُرْنِي وَارْفَعْنِي وَارْزُقْنِي وَاهْدِنِي وَعَافِنِي‏)‏ لِلِاتِّبَاعِ، رَوَى بَعْضَهُ أَبُو دَاوُد وَبَاقِيهِ ابْنُ مَاجَهْ، وَارْفَعْنِي وَارْحَمْنِي لَيْسَتَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ، وَأَسْقَطَ مِنْ الرَّوْضَةِ ذِكْرَ ارْفَعْنِي، وَزَادَ فِي الْإِحْيَاءِ‏:‏ وَاعْفُ عَنِّي بَعْدَ قَوْلِهِ‏:‏ وَعَافِنِي‏.‏ وَفِي تَحْرِيرِ الْجُرْجَانِيِّ يَقُولُ‏:‏ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَتَجَاوَزْ عَمَّا تَعْلَمُ إنَّك أَنْتَ الْأَعَزُّ الْأَكْرَمُ‏.‏ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ ‏(‏أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ أَقُولُ حِينَ أَسْأَلُ رَبِّي ‏؟‏ قَالَ‏:‏ قُلْ‏:‏ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَعَافَنِي وَارْزُقْنِي فَإِنَّ هَؤُلَاءِ تَجْمَعُ لَكَ دُنْيَاكَ وَآخِرَتَكَ‏)‏ أَيْ؛ لِأَنَّ الْغَفْرَ السِّتْرُ، وَالْعَافِيَةَ‏:‏ انْدِفَاعُ الْبَلَاءِ عَنْ الْعَبْدِ، وَالْأَرْزَاقُ نَوْعَانِ‏:‏ ظَاهِرَةٌ لِلْأَبْدَانِ كَالْأَقْوَاتِ، وَبَاطِنَةٌ لِلْقُلُوبِ وَالنُّفُوسِ كَالْمَعَارِفِ وَالْعُلُومِ ‏(‏ثُمَّ يَسْجُدُ‏)‏ السَّجْدَةَ ‏(‏الثَّانِيَةَ كَالْأُولَى‏)‏ فِي الْأَقَلِّ وَالْأَكْمَلِ كَمَا قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ‏.‏

فَائِدَةٌ‏:‏

مَا الْحِكْمَةُ فِي جَعْلِ السُّجُودِ مَرَّتَيْنِ دُونَ غَيْرِهِ ‏؟‏ قِيلَ‏:‏ لِأَنَّ الشَّارِعَ لَمَّا أَمَرَ بِالدُّعَاءِ فِيهِ، وَأُخْبِرَ بِأَنَّهُ حَقِيقٌ بِالْإِجَابَةِ سَجَدَ ثَانِيًا شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى الْإِجَابَةِ كَمَا هُوَ الْمَعْهُودُ فِيمَنْ سَأَلَ مَلِكًا شَيْئًا فَأَنْعَمَ عَلَيْهِ بِهِ‏.‏ وَقِيلَ‏:‏ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي التَّوَاضُعِ، وَقِيلَ‏:‏ لِأَنَّهُ لَمَّا تَرَقَّى فَقَامَ ثُمَّ رَكَعَ ثُمَّ سَجَدَ وَأَتَى بِنِهَايَةِ الْخِدْمَةِ أَذِنَ لَهُ فِي الْجُلُوسِ فَسَجَدَ ثَانِيًا شُكْرًا لِلَّهِ عَلَى اسْتِخْلَاصِهِ إيَّاهُ، وَقِيلَ‏:‏ لِأَنَّهُ لَمَّا عُرِجَ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى السَّمَاءِ، فَمَنْ كَانَ مِنْ الْمَلَائِكَةِ قَائِمًا سَلَّمُوا عَلَيْهِ قِيَامًا ثُمَّ سَجَدُوا شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى رُؤْيَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ رَاكِعًا رَفَعُوا رُءُوسَهُمْ مِنْ الرُّكُوعِ وَسَلَّمُوا عَلَيْهِ، ثُمَّ سَجَدُوا شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى رُؤْيَتِهِ، فَلِذَلِكَ صَارَ السُّجُودُ مَثْنَى مَثْنَى، وَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ سَاجِدًا رَفَعُوا رُءُوسَهُمْ وَسَلَّمُوا عَلَيْهِ ثُمَّ سَجَدُوا شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى رُؤْيَتِهِ، فَلَمْ يُرِدْ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ لِلْمَلَائِكَةِ حَالٌ إلَّا وَجَعَلَ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ حَالًا مِثْلَ حَالِهِمْ، قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ‏.‏ وَقِيلَ‏:‏ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ خَلَقَ مِنْ الْأَرْضِ وَسَيَعُودُ إلَيْهَا، وَقِيلَ‏:‏ غَيْرُ ذَلِكَ وَجَعَلَ الْمُصَنِّفُ السَّجْدَتَيْنِ رُكْنًا وَاحِدًا، وَصَحَّحَهُ فِي الْبَيَانِ، وَالْأَصَحُّ كَمَا فِي الْوَسِيطِ أَنَّهُمَا رُكْنَانِ، وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ كَمَا قَالَهُ فِي الْكِفَايَةِ تَظْهَرُ فِي الْمَأْمُومِ إذَا تَقَدَّمَ عَلَى إمَامِهِ فِي الْأَفْعَالِ أَوْ تَأَخَّرَ عَنْهُ، وَقَدَّمْتُ الْجَوَابَ عَنْهُ عِنْدَ قَوْلِهِ‏:‏ السَّابِعَ‏:‏ السُّجُودُ‏.‏

المتن

وَالْمَشْهُورُ سَنُّ جِلْسَةٍ خَفِيفَةٍ بَعْدَ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ يَقُومُ عَنْهَا‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَالْمَشْهُورُ سَنُّ جِلْسَةٍ خَفِيفَةٍ‏)‏ لِلِاسْتِرَاحَةِ ‏(‏بَعْدَ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ يَقُومُ عَنْهَا‏)‏ بِأَنْ لَا يَعْقُبَهَا تَشَهُّدٌ وَلَمْ يُصَلِّ قَاعِدًا لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ‏.‏ وَالثَّانِي لَا تُسَنُّ لِخَبَرِ وَائِلِ بْنِ حَجَرٍ ‏(‏أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ اسْتَوَى قَائِمًا‏)‏‏.‏ وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْحَدِيثَ غَرِيبٌ أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى بَيَانِ الْجَوَازِ، وَشَمَلَ قَوْلُهُ كُلَّ رَكْعَةٍ الْفَرْضَ وَالنَّفَلَ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَخَرَجَ سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ إذَا قَامَ عَنْهَا كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَهَلْ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ‏:‏ يَقُومُ عَنْهَا فِعْلًا أَوْ مَشْرُوعِيَّةً ‏؟‏ صَرَّحَ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ بِالْأَوَّلِ فَقَالَ‏:‏ إذَا صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ بِتَشَهُّدٍ فَإِنَّهُ يَجْلِسُ لِلِاسْتِرَاحَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْهَا؛ لِأَنَّهَا إذَا ثَبَتَتْ فِي الْأَوْتَارِ، فَفِي مَحَلِّ التَّشَهُّدِ أَوْلَى، وَلَوْ تَرَكَهَا الْإِمَامُ وَأَتَى بِهَا الْمَأْمُومُ لَمْ يَضُرَّ تَخَلُّفُهُ؛ لِأَنَّهُ يَسِيرٌ، وَبِهِ فَارَقَ مَا لَوْ تَرَكَ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ، وَيُكْرَهُ تَطْوِيلُهَا عَلَى الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ ذَكَرَهُ فِي التَّتِمَّةِ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَبْطُلُ بِتَطْوِيلِهَا كَمَا أَفْتَى بِهِ شَيْخِي وَإِنْ خَالَفَهُ بَعْضُ الْعَصْرِيِّينَ لَهُ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا فَاصِلَةٌ بَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ لَا مِنْ الْأُولَى وَلَا مِنْ الثَّانِيَةِ، وَيُسَنُّ أَنْ يَمُدَّ التَّكْبِيرَ مِنْ الرَّفْعِ مِنْ السُّجُودِ إلَى الْقِيَامِ لَا أَنَّهُ يُكَبِّرُ تَكْبِيرَتَيْنِ‏.‏

المتن

التَّاسِعُ وَالْعَاشِرُ وَالْحَادِيَ عَشَرَ‏:‏ التَّشَهُّدُ وَقُعُودُهُ وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَالتَّشَهُّدُ وَقُعُودُهُ إنْ عَقِبَهُمَا سَلَامٌ رُكْنَانِ، وَإِلَّا فَسُنَّتَانِ، وَكَيْفَ قَعَدَ جَازَ، وَيُسَنُّ فِي الْأَوَّلِ الِافْتِرَاشُ فَيَجْلِسُ عَلَى كَعْبِ يُسْرَاهُ وَيَنْصِبُ يُمْنَاهُ، وَيَضَعَ أَطْرَافَ أَصَابِعِهِ لِلْقِبْلَةِ، وَفِي الْآخَرِ التَّوَرُّكُ، وَهُوَ كَالِافْتِرَاشِ، لَكِنْ يُخْرِجُ يُسْرَاهُ مِنْ جِهَةِ يَمِينِهِ وَيُلْصِقُ وَرِكَهُ بِالْأَرْضِ، وَالْأَصَحُّ يَفْتَرِشُ الْمَسْبُوقُ وَالسَّاهِي وَيَضَعُ فِيهِمَا يُسْرَاهُ عَلَى طَرَفِ رُكْبَتَيْهِ مَنْشُورَةَ الْأَصَابِعِ بِلَا ضَمٍّ‏.‏ قُلْتُ‏:‏ الْأَصَحُّ الضَّمُّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَيَقْبِضُ مِنْ يُمْنَاهُ الْخِنْصَرَ وَالْبِنْصِرَ وَكَذَا الْوُسْطَى فِي الْأَظْهَرِ وَيُرْسِلُ الْمُسَبِّحَةَ وَيَرْفَعُهَا عِنْدَ قَوْلِهِ‏:‏ إلَّا اللَّهُ وَلَا يُحَرِّكُهَا، وَالْأَظْهَرُ ضَمُّ الْإِبْهَامِ إلَيْهَا كَعَاقِدٍ ثَلَاثَةً وَخَمْسِينَ‏.‏

الشرحُ

‏(‏التَّاسِعُ وَالْعَاشِرُ وَالْحَادِيَ عَشَرَ‏)‏ مِنْ الْأَرْكَانِ ‏(‏التَّشَهُّدُ‏)‏ سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِيهِ الشَّهَادَتَيْنِ، فَهُوَ مِنْ بَابِ تَسْمِيَةِ الْكُلِّ بِاسْمِ الْجُزْءِ ‏(‏وَقُعُودُهُ، وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏)‏ فِي آخِرِهِ وَالْقُعُودُ لَهَا عَلَى مَا سَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ ‏(‏فَالتَّشَهُّدُ وَقُعُودُهُ إنْ عَقِبَهُمَا سَلَامٌ‏)‏ فَهُمَا ‏(‏رُكْنَانِ‏)‏ أَمَّا التَّشَهُّدُ فَلِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ ‏(‏كُنَّا نَقُولُ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْنَا التَّشَهُّدُ‏:‏ السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ قَبْلَ عِبَادِهِ، السَّلَامُ عَلَى جِبْرِيلَ، السَّلَامُ عَلَى مِيكَائِيلَ، السَّلَامُ عَلَى فُلَانٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ لَا تَقُولُوا السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلَامُ، وَلَكِنْ قُولُوا‏:‏ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ إلَخْ‏)‏ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَقَالَا‏:‏ إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَالدَّلَالَةُ مِنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ‏:‏ أَحَدُهُمَا‏:‏ التَّعْبِيرُ بِالْفَرْضِ‏.‏ وَالثَّانِي‏:‏ الْأَمْرُ بِهِ، وَالْمُرَادُ فَرْضُهُ فِي جُلُوسِ آخِرِ الصَّلَاةِ لِمَا سَيَأْتِي‏.‏ وَأَمَّا الْجُلُوسُ لَهُ فَلِأَنَّهُ مَحَلُّهُ فَيَتْبَعُهُ‏.‏ وَأَمَّا الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْجُلُوسُ لَهَا فَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِمَا ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ أَيْ وَإِنْ لَمْ يَعْقُبْهُمَا سَلَامٌ ‏(‏فَسُنَّتَانِ‏)‏ لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ، وَصَرَفَنَا عَنْ وُجُوبِهِمَا خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ ‏(‏أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ، وَلَمْ يَجْلِسْ، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ كَبَّرَ، وَهُوَ جَالِسٌ فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ السَّلَامِ ثُمَّ سَلَّمَ‏)‏ دَلَّ عَدَمُ تَدَارُكِهِمَا عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهِمَا ‏(‏وَكَيْفَ قَعَدَ‏)‏ فِي جِلْسَاتِ الصَّلَاةِ ‏(‏جَازَ، وَ‏)‏ لَكِنْ ‏(‏يُسَنُّ فِي‏)‏ قُعُودِ التَّشَهُّدِ ‏(‏الْأَوَّلِ الِافْتِرَاشُ فَيَجْلِسُ عَلَى كَعْبِ يُسْرَاهُ‏)‏ بَعْدَ أَنْ يُضْجِعَهَا بِحَيْثُ يَلِي ظَهْرُهَا الْأَرْضَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ ‏(‏وَيَنْصِبُ يُمْنَاهُ‏)‏ أَيْ قَدَمَهَا ‏(‏ وَيَضَعَ أَطْرَافَ أَصَابِعِهِ‏)‏ مِنْهَا عَلَى الْأَرْضِ مُتَوَجِّهَةً ‏(‏لِلْقِبْلَةِ، وَ‏)‏ يُسَنُّ ‏(‏فِي‏)‏ التَّشَهُّدِ ‏(‏الْآخَرِ‏)‏ وَمَا مَعَهُ ‏(‏التَّوَرُّكُ وَهُوَ كَالِافْتِرَاشِ، لَكِنْ يُخْرِجُ يُسْرَاهُ مِنْ جِهَةِ يَمِينِهِ وَيُلْصِقُ وَرِكَهُ بِالْأَرْضِ‏)‏ لِلِاتِّبَاعِ كَمَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَالْحِكْمَةُ فِي الْمُخَالَفَةِ بَيْنَ الْأَخِيرِ وَغَيْرِهِ مِنْ بَقِيَّةِ الْجِلْسَاتِ أَنَّ الْمُصَلِّيَ مُسْتَوْفِزٌ فِيهَا لِلْحَرَكَةِ بِخِلَافِهِ فِي الْأَخِيرِ، وَالْحَرَكَةُ عَنْ الِافْتِرَاشِ أَهْوَنُ ‏(‏وَالْأَصَحُّ‏)‏، وَفِي الرَّوْضَةِ الصَّحِيحُ‏:‏ ‏(‏يَفْتَرِشُ الْمَسْبُوقُ‏)‏ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ لِإِمَامِهِ لِاسْتِيفَازِهِ لِلْقِيَامِ ‏(‏وَالسَّاهِي‏)‏ فِي تَشَهُّدِهِ الْأَخِيرِ إذْ لَمْ يُرِدْ عَدَمَ سُجُودِ السَّهْوِ بِأَنْ أَرَادَ السُّجُودَ أَوْ لَمْ يُرِدْ شَيْئًا لِاحْتِيَاجِهِ إلَى السُّجُودِ بَعْدَهُ‏.‏ أَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ فَظَاهِرٌ‏.‏ وَأَمَّا الثَّانِي فَنَظَرٌ إلَى الْغَالِبِ مِنْ السُّجُودِ مَعَ قِيَامِ سَبَبِهِ، أَمَّا إذَا أَرَادَ عَدَمَ السُّجُودِ فَيَتَوَرَّكُ لِفَقْدِ الْحَرَكَةِ ‏(‏وَيَضَعُ فِيهِمَا‏)‏ أَيْ التَّشَهُّدَيْنِ وَمَا مَعَهُمَا ‏(‏يُسْرَاهُ عَلَى طَرَفِ رُكْبَتَيْهِ‏)‏ الْيُسْرَى بِحَيْثُ تَسَامَتْ رُءُوسَهَا الرُّكْبَةُ ‏(‏مَنْشُورَةُ الْأَصَابِعِ‏)‏ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ ‏(‏بِلَا ضَمٍّ‏)‏ بَلْ يُفْرِجُهَا تَفْرِيجًا وَسَطًا، وَهَكَذَا كُلُّ مَوْضِعٍ أُمِرَ فِيهِ بِالتَّفْرِيجِ، ‏(‏قُلْتُ‏:‏ الْأَصَحُّ الضَّمُّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏)‏؛ لِأَنَّ تَفْرِيجَهَا يُزِيلُ الْإِبْهَامَ عَنْ الْقِبْلَةِ فَيَضُمَّهَا لِيَتَوَجَّهَ جَمِيعُهَا لِلْقِبْلَةِ، وَهَذَا جَرْيٌ عَلَى الْغَالِبِ، وَإِلَّا فَمَنْ يُصَلِّي دَاخِلَ الْبَيْتِ فَإِنَّهُ يَضُمُّ مَعَ أَنَّهُ لَوْ فَرَّجَهَا هُوَ مُتَوَجِّهٌ بِهَا لِلْقِبْلَةِ، وَكَذَا يُسَنُّ لِمَنْ لَا يُحْسِنُ التَّشَهُّدَ وَجَلَسَ لَهُ فَإِنَّهُ يُسَنُّ فِي حَقِّهِ ذَلِكَ، وَكَذَا لَوْ صَلَّى مِنْ اضْطِجَاعٍ أَوْ اسْتِلْقَاءٍ عِنْدَ جَوَازِ ذَلِكَ، وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِهَذَا ‏(‏وَيَقْبِضُ مِنْ يُمْنَاهُ‏)‏ بَعْدَ وَضْعِهَا عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى ‏(‏ الْخِنْصِرَ وَالْبِنْصِرَ‏)‏ بِكَسْرِ أَوَّلِهِمَا وَثَالِثِهِمَا ‏(‏وَكَذَا الْوُسْطَى فِي الْأَظْهَرِ‏)‏ لِلِاتِّبَاعِ كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ‏.‏ وَالثَّانِي يُحَلِّقُ بَيْنَ الْوُسْطَى وَالْإِبْهَامِ لِرِوَايَةِ أَبِي دَاوُد عَنْ فِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ‏.‏ وَفِي كَيْفِيَّة التَّحْلِيقِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا أَنْ يُحَلِّقَ بَيْنَهُمَا بِرَأْسَيْهِمَا‏.‏ وَالثَّانِي‏:‏ يَضَعُ أُنْمُلَةَ الْوُسْطَى بَيْنَ عُقْدَتَيْ الْإِبْهَامِ ‏(‏وَيُرْسِلُ الْمُسَبِّحَةَ‏)‏ عَلَى الْقَوْلَيْنِ، وَهِيَ بِكَسْرِ الْبَاءِ الَّتِي تَلِي الْإِبْهَامَ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُشَارُ بِهَا إلَى التَّوْحِيدِ وَالتَّنْزِيهِ، وَتُسَمَّى أَيْضًا السَّبَّابَةَ؛ لِأَنَّهُ يُشَارُ بِهَا عِنْدَ الْمُخَاصَمَةِ وَالسَّبِّ ‏(‏وَيَرْفَعُهَا‏)‏ مَعَ إمَالَتِهَا قَلِيلًا كَمَا قَالَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُ ‏(‏عِنْدَ قَوْلِهِ إلَّا اللَّهُ‏)‏ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ إمَالَةٍ، وَيُسَنُّ أَنْ يَكُونَ رَفْعُهَا إلَى الْقِبْلَةِ نَاوِيًا بِذَلِكَ التَّوْحِيدَ وَالْإِخْلَاصَ، وَيُقِيمُهَا وَلَا يَضَعُهَا كَمَا قَالَهُ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ‏.‏ وَخُصَّتْ الْمُسَبِّحَةُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ لَهَا اتِّصَالًا بِنِيَاطِ الْقَلْبِ فَكَأَنَّهَا سَبَبٌ لِحُضُورِهِ‏.‏ وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ هِيَ الْإِشَارَةُ إلَى أَنَّ الْمَعْبُودَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَاحِدٌ لِيَجْمَعَ فِي تَوْحِيدِهِ بَيْنَ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ وَالِاعْتِقَادِ، وَتُكْرَهُ الْإِشَارَةُ بِمُسَبِّحَتِهِ الْيُسْرَى وَلَوْ مِنْ مَقْطُوعِ الْيُمْنَى‏.‏ قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ‏:‏ بَلْ فِي تَسْمِيَتِهَا مُسَبِّحَةً نَظَرٌ، فَإِنَّهَا لَيْسَتْ آلَةَ التَّنْزِيهِ، وَالرَّفْعُ عِنْدَ الْهَمْزَةِ؛ لِأَنَّهُ حَالُ إثْبَاتِ الْوَحْدَانِيَّةِ لِلَّهِ تَعَالَى، وَقِيلَ‏:‏ يُشِيرُ بِهَا فِي جَمِيعِ التَّشَهُّدِ ‏(‏وَلَا يُحَرِّكُهَا‏)‏ عِنْدَ رَفْعِهَا؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَفْعَلُهُ‏.‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَقِيلَ‏:‏ يُحَرِّكُهَا؛ لِأَنَّ وَائِلَ بْنَ حُجْرٍ رَوَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُهُ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ‏:‏ وَالْحَدِيثَانِ صَحِيحَانِ، قَالَ الشَّارِحُ‏:‏ وَتَقْدِيمُ الْأَوَّلِ النَّافِي عَلَى الثَّانِي الْمُثْبِتِ لِمَا قَامَ عِنْدَهُمْ فِي ذَلِكَ ا هـ‏.‏ وَلَعَلَّهُ طَلَبَ عَدَمَ الْحَرَكَةِ فِي الصَّلَاةِ، بَلْ قِيلَ‏:‏ إنَّهُ حَرَامٌ مُبْطِلٌ لِلصَّلَاةِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يُكْرَهُ وَلَا تُبْطَلُ‏.‏ ‏(‏وَالْأَظْهَرُ ضَمُّ الْإِبْهَامِ إلَيْهَا‏)‏ أَيْ الْمُسَبِّحَةِ ‏(‏كَعَاقِدٍ ثَلَاثَةً وَخَمْسِينَ‏)‏ بِأَنْ يَضَعَهَا تَحْتَهَا عَلَى طَرَفِ رَاحَتِهِ، لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فِي مُسْلِمٍ ‏(‏كَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إذَا قَعَدَ وَضَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى رُكْبَتِهِ الْيُسْرَى، وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى رُكْبَتِهِ الْيُمْنَى وَعَقَدَ ثَلَاثَةً وَخَمْسِينَ وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ‏)‏ ‏.‏ وَالثَّانِي‏:‏ يَضَعُ الْإِبْهَامَ عَلَى الْوُسْطَى كَعَاقِدٍ ثَلَاثَةً وَعِشْرِينَ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ الْفُقَهَاءُ بِالْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي تَبَعًا لِرِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ، وَاعْتَرَضَ فِي الْمَجْمُوعِ قَوْلَهُمْ كَعَاقِدٍ ثَلَاثَةً وَخَمْسِينَ، فَإِنَّ شَرْطَهُ عِنْدَ أَهْلِ الْحِسَابِ أَنْ يَضَعَ الْخِنْصِرَ عَلَى الْبِنْصِرِ وَلَيْسَ مُرَادًا هُنَا، بَلْ مُرَادُهُمْ أَنْ يَضَعَهَا عَلَى الرَّاحَةِ كَالْبِنْصِرِ وَالْوُسْطَى، وَهِيَ الَّتِي يُسَمُّونَهَا تِسْعَةً وَخَمْسِينَ وَلَمْ يَنْطِقُوا بِهَا تَبَعًا لِلْخَبَرِ‏.‏ وَأَجَابَ فِي الْإِقْلِيدِ بِأَنَّ عِبْرَةَ وَضْعِ الْخِنْصَرِ عَلَى الْبِنْصِرِ فِي عَقْدٍ ثَلَاثَةً وَخَمْسِينَ هِيَ طَرِيقَةُ أَقْبَاطِ مِصْرَ وَلَمْ يَعْتَبِرْ غَيْرُهُمْ فِيهَا ذَلِكَ‏.‏ وَقَالَ فِي الْكِفَايَةِ‏:‏ عَدَمُ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ طَرِيقَةَ الْمُتَقَدِّمِينَ ا هـ‏.‏ وَقَالَ ابْنُ الْفِرْكَاحِ‏:‏ إنَّ عَدَمَ الِاشْتِرَاطِ طَرِيقَةٌ لِبَعْضِ الْحِسَابِ، وَعَلَيْهِ يَكُونُ لِتِسْعَةٍ وَخَمْسِينَ هَيْئَةٌ أُخْرَى، أَوْ تَكُونُ الْهَيْئَةُ الْوَاحِدَةَ مُشْتَرَكَةً بَيْنَ الْعَدَدَيْنِ فَيَحْتَاجُ إلَى قَرِينَةٍ‏.‏ وَاعْلَمْ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْأَفْضَلِ فَكَيْفَ فَعَلَ الْمُصَلِّي مِنْ الْهَيْئَاتِ كَأَنْ أَرْسَلَ الْإِبْهَامَ مَعَ الْمُسَبِّحَةِ أَوْ وَضَعَهُ عَلَى الْوُسْطَى أَوْ حَلَّقَ بَيْنَهُمَا بِإِحْدَى الْكَيْفِيَّتَيْنِ الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ، أَوْ جَعَلَ رَأْسَهَا بَيْنَ عُقْدَتَيْهِ أَتَى بِالسُّنَّةِ لِوُرُودِ الْأَخْبَارِ بِهَا جَمِيعًا، وَكَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُ مَرَّةً كَذَا وَمَرَّةً كَذَا، وَلَعَلَّ مُوَاظَبَتَهُ عَلَى الْأَوَّلِ أَكْثَرُ، فَلِذَا كَانَ أَفْضَلَ‏.‏ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ‏:‏ وَصَحَّحُوا الْأَوَّلَ؛ لِأَنَّ رُوَاتَهُ أَفْقَهُ‏.‏

فَائِدَةٌ‏:‏

الْإِبْهَامُ مِنْ الْأَصَابِعِ مُؤَنَّثٌ وَلَمْ يَحْكِ الْجَوْهَرِيُّ غَيْرَهُ‏.‏ وَحَكَى فِي شَرْحِ الْمُجْمَلِ التَّذْكِيرَ وَالتَّأْنِيثَ، وَجَمْعُهَا أَبَاهُمْ عَلَى وَزْنِ أَكَابِرَ‏.‏ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ‏:‏ أَبَاهِيمُ بِزِيَادَةِ يَاءٍ وَقِيلَ كَانَتْ سَبَّابَةُ قَدَمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَطْوَلَ مِنْ الْوُسْطَى، وَالْوُسْطَى أَطْوَلَ مِنْ الْبِنْصِرِ، وَالْبِنْصِرُ أَطْوَلَ مِنْ الْخِنْصِرِ، وَعِبَارَةُ الدَّمِيرِيِّ تُوهِمُ أَنَّ ذَلِكَ فِي يَدِهِ‏.‏

المتن

وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرْضٌ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ، وَالْأَظْهَرُ سَنُّهَا فِي الْأَوَّلِ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرْضٌ فِي التَّشَهُّدِ‏)‏ الَّذِي يَعْقُبُهُ سَلَامٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلصَّلَاةِ تَشَهُّدٌ أَوَّلٌ كَمَا فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ وَالْجُمُعَةِ فَقَوْلُهُ ‏(‏الْأَخِيرِ‏)‏ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ مِنْ أَنَّ أَكْثَرَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ لَهَا تَشَهُّدَانِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏صَلُّوا عَلَيْهِ‏}‏ ‏[‏الْأَحْزَابُ‏]‏ قَالُوا وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهَا لَا تَجِبُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ فَتَعَيَّنَ وُجُوبُهَا فِيهَا، وَالْقَائِلُ بِوُجُوبِهَا مَرَّةً فِي غَيْرِهَا مَحْجُوجٌ بِإِجْمَاعِ مَنْ قَبْلَهُ، وَلِحَدِيثِ ‏(‏قَدْ عَرَفْنَا كَيْفَ نُسَلِّمُ عَلَيْكَ فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ إلَخْ‏)‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ‏.‏ وَفِي رِوَايَةٍ ‏(‏كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ إذَا نَحْنُ صَلَّيْنَا عَلَيْكَ فِي صَلَاتِنَا ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ قُولُوا إلَخْ‏)‏ رَوَاهَا الدَّارَقُطْنِيّ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ، وَقَالَ‏:‏ إنَّهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَالْمُنَاسِبُ لَهَا مِنْ الصَّلَاةِ التَّشَهُّدُ آخِرُهَا فَتَجِبُ فِيهِ‏:‏ أَيْ بَعْدَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ، وَقَدْ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نَفْسِهِ فِي الْوِتْرِ كَمَا رَوَاهُ أَبُو عَوَانَةَ فِي مُسْنَدِهِ وَقَالَ‏:‏ ‏(‏صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي‏)‏ وَلَمْ يُخْرِجْهَا شَيْءٌ عَنْ الْوُجُوبِ، بِخِلَافِهَا فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ لِمَا مَرَّ فِيهِ، وَأَمَّا عَدَمُ ذِكْرِهَا فِي خَبَرِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ فَمَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ مَعْلُومَةً لَهُ، وَلِهَذَا لَمْ يَذْكَرْ لَهُ التَّشَهُّدَ وَالْجُلُوسَ لَهُ وَالنِّيَّةَ وَالسَّلَامَ، وَإِذَا وَجَبَتْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَبَ الْقُعُودُ لَهَا بِالتَّبَعِيَّةِ، وَلَا يُؤْخَذُ وُجُوبُ الْقُعُودِ لَهَا مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ، فَلَوْ أَخَّرَ الْقُعُودَ فَقَالَ‏:‏ وَالْقُعُودُ لَهُمَا كَانَ أَوْلَى ‏(‏وَالْأَظْهَرُ سَنُّهَا فِي الْأَوَّلِ‏)‏ أَيْ الْإِتْيَانِ بِهَا فِيهِ‏:‏ أَيْ بَعْدَهُ تَبَعًا لَهُ؛ لِأَنَّهَا ذِكْرٌ يَجِبُ فِي الْأَخِيرِ فَيُسَنُّ فِي الْأَوَّلِ كَالتَّشَهُّدِ‏.‏ وَالثَّانِي لَا تُسَنُّ فِيهِ لِبِنَائِهِ عَلَى التَّخْفِيفَ‏.‏

المتن

وَلَا تُسَنُّ عَلَى الْآلِ فِي الْأَوَّلِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَتُسَنُّ فِي الْآخَرِ، وَقِيلَ تَجِبُ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَلَا تُسَنُّ‏)‏ الصَّلَاةُ ‏(‏عَلَى الْآلِ فِي‏)‏ التَّشَهُّدِ ‏(‏الْأَوَّلِ عَلَى الصَّحِيحِ‏)‏ لِبِنَائِهِ عَلَى التَّخْفِيفِ‏.‏ وَالثَّانِي تُسَنُّ فِيهِ كَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ إذْ لَا تَطْوِيلَ فِي قَوْلِهِ وَآلُهُ أَوْ آلُ مُحَمَّدٍ، وَكَذَا اخْتَارَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْقِيحِ‏:‏ إنَّ التَّفْرِقَةَ بَيْنَهُمَا فِيهَا نَظَرٌ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُسَنَّا جَمِيعًا أَوْ لَا يُسَنَّا، وَلَا يَظْهَرُ فَرْقٌ مَعَ ثُبُوتِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ ا هـ‏.‏ وَالْخِلَافُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا مَبْنِيٌّ عَلَى وُجُوبِهَا فِي الْأَخِيرِ، فَإِنْ لَمْ تَجِبْ فِيهِ وَهُوَ الرَّاجِحُ كَمَا سَيَأْتِي لَمْ تُسَنَّ فِي الْأَوَّلِ جَزْمًا، وَسَيَأْتِي تَعْرِيفُ الْآلِ فِي كِتَابِ قَسْمِ الصَّدَقَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَمَا رَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ الْخِلَافَ وَجْهَانِ رَجَّحَهُ فِي مَجْمُوعِهِ، وَرَجَّحَ فِي الرَّوْضَةِ أَنَّهُ قَوْلَانِ ‏(‏وَتُسَنُّ فِي‏)‏ التَّشَهُّدِ ‏(‏الْآخَرِ، وَقِيلَ تَجِبُ‏)‏ فِيهِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيث السَّابِقِ ‏(‏قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ‏)‏ وَالْأَمْرُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ، وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى إبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا حَكَاهُ فِي الْبَيَانِ عَنْ صَاحِبِ الْفُرُوعِ‏.‏

المتن

وَأَكْمَلُ التَّشَهُّدِ مَشْهُورٌ، وَأَقَلُّهُ‏:‏ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، سَلَامٌ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ سَلَامٌ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَقِيلَ يَحْذِفُ وَبَرَكَاتُهُ وَالصَّالِحِينَ، وَيَقُولُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُهُ‏.‏ قُلْتُ‏:‏ الْأَصَحُّ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَأَكْمَلُ التَّشَهُّدِ مَشْهُورٌ‏)‏ وَرَدَ فِيهِ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ، اخْتَارَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مِنْهَا خَبَرُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ ‏(‏كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ فَكَانَ يَقُولُ‏:‏ التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ‏)‏ رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ‏.‏ وَهِيَ ‏(‏التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ أَشْهَدُ أَلَّا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ‏)‏ وَعَلَى رِوَايَةِ عُمَرَ، وَهِيَ ‏(‏التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ الزَّاكِيَاتُ لِلَّهِ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ الصَّلَوَاتُ لِلَّهِ السَّلَامُ عَلَيْك إلَى قَوْلِهِ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ‏)‏ لِزِيَادَةِ الْمُبَارَكَاتِ فِيهِ وَلِمُوَافَقَةِ قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏(‏تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً‏)‏ ‏[‏النُّورُ‏]‏ وَلِتَأَخُّرِهِ عَنْ تَشَهُّدِ ابْنِ مَسْعُودٍ‏.‏ قَالَ الْمُصَنِّفُ‏:‏ وَكُلُّهَا مُجْزِئَةٌ يَتَأَدَّى بِهَا الْكَمَالُ، وَأَصَحُّهَا خَبَرُ ابْنِ مَسْعُودٍ ثُمَّ خَبَرُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَلَّلَ بِمَا ذُكِرَ‏:‏ أَيْ‏:‏ فَالِاخْتِيَارُ مِنْ حَيْثُ الْأَفْضَلِيَّةُ ‏(‏وَأَقَلُّهُ‏:‏ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، سَلَامٌ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، سَلَامٌ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ‏)‏‏.‏ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ‏:‏ لِوُرُودِ إسْقَاطِ الْمُبَارَكَاتِ، وَمَا يَلِيهَا فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ إسْقَاطَ الْمُبَارَكَاتِ صَحِيحٌ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ‏.‏ وَأَمَّا الصَّلَوَاتُ، وَالطَّيِّبَاتُ فَلَمْ يَرِدْ إسْقَاطُهُمَا فِي شَيْءٍ مِنْ التَّشَهُّدَاتِ الَّتِي ذَكَرَهَا، وَصَرَّحَ الرَّافِعِيُّ بِأَنَّ حَذْفَهُمَا لَمْ يَرِدْ، وَعُلِّلَ الْجَوَازُ بِكَوْنِهِمَا تَابِعَيْنِ لِلتَّحِيَّاتِ، وَجَعَلَ الضَّابِطَ فِي جَوَازِ الْحَذْفِ إمَّا الْإِسْقَاطُ فِي رِوَايَةٍ، وَإِمَّا التَّبَعِيَّةُ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ سَقَطَتْ فِي غَيْرِ الرِّوَايَاتِ الَّتِي ذَكَرَهَا، وَبِأَنَّ الرَّافِعِيَّ نَافٍ وَالْمُصَنِّفُ مُثْبِتٌ، وَالْمُثْبِتُ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّافِي، وَتَعْرِيفُ السَّلَامِ أَفْضَلُ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ مِنْ تَنْكِيرِهِ لِكَثْرَتِهِ فِي الْأَخْبَارِ، وَكَلَامِ الشَّافِعِيِّ، وَلِزِيَادَتِهِ وَمُوَافَقَتِهِ التَّحَلُّلَ، وَصَحَّحَ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ‏.‏ وَقِيلَ تَنْكِيرُهُ أَفْضَلُ وَلَا يُسَنُّ فِي أَوَّلِ التَّشَهُّدِ بِسْمِ اللَّهِ وَبِاَللَّهِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَالْحَدِيثُ فِيهِ ضَعِيفٌ‏.‏ وَالتَّحِيَّاتُ جَمْعُ تَحِيَّةٍ‏:‏ وَهِيَ مَا يُحَيَّا بِهَا مِنْ سَلَامٍ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ‏:‏ الْمُلْكُ وَقِيلَ‏:‏ الْعَظَمَةُ، وَقِيلَ‏:‏ السَّلَامَةُ مِنْ الْآفَاتِ وَجَمِيعُ وُجُوهِ النَّقْصِ، وَالْقَصْدُ بِذَلِكَ الثَّنَاءُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِأَنَّهُ مَالِكٌ لِجَمِيعِ التَّحِيَّاتِ مِنْ الْخَلْقِ، وَإِنَّمَا جُمِعَتْ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُلُوكِ كَانَ لَهُ تَحِيَّةٌ مَعْرُوفَةٌ يُحَيَّا بِهَا، وَمَعْنَى الْمُبَارَكَاتِ النَّامِيَاتُ، وَالصَّلَوَاتِ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسِ، وَقِيلَ‏:‏ كُلُّ الصَّلَوَاتِ، وَالطَّيِّبَاتُ الْأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ، وَقِيلَ‏:‏ الثَّنَاءُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى‏.‏ وَقِيلَ مَا طَابَ مِنْ الْكَلَامِ‏.‏ وَالسَّلَامُ قِيلَ‏:‏ مَعْنَاهُ اسْمُ السَّلَامِ أَيْ‏:‏ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْكَ، وَقِيلَ‏:‏ مَعْنَاهُ سَلَّمَ اللَّهُ عَلَيْكَ، وَمَنْ سَلَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ سَلِمَ‏.‏ وَعَلَيْنَا‏:‏ أَيْ‏:‏ الْحَاضِرِينَ مِنْ إمَامٍ وَمَأْمُومٍ وَمَلَائِكَةٍ وَغَيْرِهِمْ، وَالْعِبَادُ جَمْعُ عَبْدٍ، وَالصَّالِحِينَ جَمْعُ صَالِحٍ، وَهُوَ الْقَائِمُ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُقُوقِ عِبَادِهِ، وَالرَّسُولُ هُوَ الَّذِي يُبَلِّغُ خَبَرَ مَنْ أَرْسَلَهُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَدَمُ اشْتِرَاطِ تَرْتِيبِ التَّشَهُّدِ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَهُ بِغَيْرِ حَرْفِ عَطْفٍ، وَهُوَ الْأَصَحُّ، لَكِنَّ مَحَلَّهُ مَا لَمْ يُغَيِّرْ تَرْكُ التَّرْتِيبِ الْمَعْنَى، فَإِنْ غَيَّرَهُ لَمْ يَصِحَّ قَطْعًا، وَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ إنْ تَعَمَّدَ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَقَضِيَّتُهُ أَيْضًا عَدَمُ اشْتِرَاطِ الْمُوَالَاةِ، وَلَكِنَّ الرَّاجِحَ وُجُوبُهَا كَمَا فِي التَّتِمَّةِ، وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ‏:‏ إنَّهُ قِيَاسُ مَا مَرَّ فِي قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ ‏(‏وَقِيلَ‏:‏ يُحْذَفُ وَبَرَكَاتُهُ‏)‏ لِلْغِنَى عَنْهُ بِرَحْمَةِ اللَّهِ‏.‏ وَقِيلَ‏:‏ يُحْذَفُ ‏(‏وَالصَّالِحِينَ‏)‏ لِلْغِنَى عَنْهُ بِإِضَافَةِ الْعِبَادِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لِانْصِرَافِهِ إلَى الصَّالِحِينَ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ‏}‏ ‏[‏الْإِنْسَانُ‏]‏ وَاعْتَرَضَ الْبُلْقِينِيُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِأَنَّ مَا صَحَّحَهُ هُنَا فِي أَقَلِّ التَّشَهُّدِ مِنْ لَفْظَةِ وَبَرَكَاتُهُ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ‏:‏ إنَّهُ لَوْ تَشَهَّدَ بِتَشَهُّدِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَوْ غَيْرِهِ جَازَ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي تَشَهُّدِ عُمَرَ وَبَرَكَاتُهُ، وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَنَّهُ لَوْ تَشَهَّدَ بِتَشَهُّدِ عُمَرَ بِكَمَالِهِ أَجْزَأَهُ، فَأَمَّا كَوْنُهُ يَحْذِفُ بَعْضَ تَشَهُّدِ عُمَرَ اعْتِمَادًا عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي تَشَهُّدِ غَيْرِهِ وَيَحْذِفُ وَبَرَكَاتُهُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي تَشَهُّدِ عُمَرَ فَقَدْ لَا يَكْفِي؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِالتَّشَهُّدِ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْ الْكَيْفِيَّاتِ الْمَرْوِيَّةِ ‏(‏وَ‏)‏ قِيلَ ‏(‏يَقُولُ‏:‏ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُهُ‏)‏ بَدَلَ وَأَشْهَدُ إلَخْ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي مَعْنَاهُ ‏(‏قُلْتُ‏:‏ الْأَصَحُّ‏)‏ يَقُولُ ‏(‏وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏)‏ قَالَ الشَّارِحُ‏:‏ لَكِنْ بِلَفْظِ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَالْمُرَادُ إسْقَاطُ أَشْهَدُ، أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى دَفْعِ اعْتِرَاضِ الْإِسْنَوِيِّ،، وَهُوَ أَنَّ الثَّبَاتَ فِي ذَلِكَ ثَلَاثُ كَيْفِيَّاتٍ‏:‏ إحْدَاهَا‏:‏ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ‏.‏ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ‏.‏ الثَّانِيَةُ‏:‏ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ‏.‏ رَوَاهُ مُسْلِمٌ‏.‏ الثَّالِثَةُ‏:‏ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ بِإِسْقَاطِ وَأَشْهَدُ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي مُوسَى فَلَيْسَ مَا قَالَهُ وَاحِدًا مِنْ الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّ الْإِسْقَاطَ إنَّمَا وَرَدَ مَعَ زِيَادَةِ الْعَبْدِ ا هـ‏.‏ وَأَجَابَ عَنْهُ الْغَزِّيُّ أَيْضًا بِأَنَّ قَصْدَ الْمُصَنِّفِ الرَّدُّ عَلَى الرَّافِعِيِّ فِي تَضْعِيفِهِ إسْقَاطَ لَفْظَةِ أَشْهَدُ الثَّانِيَةِ فَقَالَ‏:‏ هِيَ ثَابِتَةٌ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، فَهَذَا الْقَدْرُ هُوَ مَقْصُودُ الْمُصَنِّفِ، وَالْبَاقِي لَمْ يَقَعْ عَنْ قَصْدٍ ا هـ‏.‏ وَبِالْجُمْلَةِ فَالِاعْتِرَاضُ قَوِيٌّ‏.‏ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ الصَّوَابُ إجْزَاءُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُهُ لِثُبُوتِهِ فِي تَشَهُّدِ ابْنِ مَسْعُودٍ بِلَفْظِ عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ، وَقَدْ حَكَوْا الْإِجْمَاعَ عَلَى جَوَازِ التَّشَهُّدِ بِالرِّوَايَاتِ كُلِّهَا، وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا اشْتَرَطَ لَفْظَةَ عَبْدِهِ‏.‏ ا هـ‏.‏ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا اعْتَمَدَهُ شَيْخِي لِمَا ذُكِرَ‏.‏

المتن

وَأَقَلُّ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَآلِهِ‏:‏ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَالزِّيَادَةُ إلَى حَمِيدٌ مَجِيدٌ سُنَّةٌ فِي الْآخِرِ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَأَقَلُّ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَآلِهِ‏)‏ حَيْثُ أَوْجَبْنَا الصَّلَاةَ عَلَى الْآلِ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ أَوْ سَنَنَّاهَا فِي الْأَوَّلِ عَلَى الْمَرْجُوحِ فِيهِمَا أَوْ سَنَنَّاهَا عَلَى الرَّاجِحِ فِي الْأَخِيرِ ‏(‏اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ‏)‏ لِحُصُولِ اسْمِ الصَّلَاةِ الْمَأْمُورِ بِهَا فِي قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا‏}‏ ‏[‏الْأَحْزَابُ‏]‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ لَمْ يَأْتِ بِمَا فِي الْآيَةِ؛ لِأَنَّ فِيهَا اسْمَ السَّلَامِ وَلِمَ يَأْتِ بِهِ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّهُ حَصَلَ بِقَوْلِهِ‏:‏ السَّلَامُ عَلَيْكَ إلَخْ، وَأَكْمَلُ مِنْ هَذَا أَنْ يَقُولَ‏:‏ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، وَلَا يَتَعَيَّنُ هَذَا اللَّفْظُ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَعْيِينَ تَسْمِيَةِ مُحَمَّدٍ، وَصَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ، فَلَوْ قَالَ‏:‏ صَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ أَوْ عَلَى رَسُولِهِ أَوْ عَلَى النَّبِيِّ كَفَى دُونَ عَلَيْهِ، وَكَذَا عَلَى أَحْمَدَ كَمَا صَحَّحَهُ فِي التَّحْقِيقِ وَالْأَذْكَارِ ‏(‏وَالزِّيَادَةُ‏)‏ عَلَى ذَلِكَ ‏(‏إلَى‏)‏ قَوْلِهِ ‏(‏حَمِيدٌ مَجِيدٌ‏)‏ الْوَارِدَةُ فِيهِ، وَهِيَ‏:‏ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَفِي الْأَذْكَارِ وَغَيْرِ الْأَفْضَلِ أَنْ يَقُولَ‏:‏ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَكَذَا فِي التَّحْقِيقِ‏.‏ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ‏:‏ وَاشْتُهِرَ زِيَادَةُ سَيِّدِنَا قَبْلَ مُحَمَّدٍ، وَفِي كَوْنِهَا أَفْضَلَ نَظَرٌ وَفِي حِفْظِي أَنَّ الشَّيْخَ عِزَّ الدِّينِ بَنَاهُ عَلَى أَنَّ الْأَفْضَلَ سُلُوكُ الْأَدَبِ أَمْ امْتِثَالُ الْأَمْرِ ‏؟‏ فَعَلَى الْأَوَّلِ يُسْتَحَبُّ دُونَ الثَّانِي‏.‏ ا هـ‏.‏ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ اعْتِمَادُ الثَّانِي، وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ عَنْ الصَّيْدَلَانِيِّ أَنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَزِيدُ‏:‏ وَارْحَمْ مُحَمَّدًا كَمَا تَرَحَّمْت عَلَى إبْرَاهِيمَ، وَرُبَّمَا يَقُولُونَ كَمَا رَحِمْت‏.‏ قَالَ‏:‏ وَهَذَا لَمْ يَرِدْ فِي الْخَبَرِ‏.‏ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ‏:‏ إنَّهُ بِدْعَةٌ ‏(‏سُنَّةٌ فِي‏)‏ التَّشَهُّدِ ‏(‏الْآخِرِ‏)‏ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَلَا تُسَنُّ فِيهِ كَمَا لَا تُسَنُّ فِيهِ الصَّلَاةُ عَلَى الْآلِ لِبِنَائِهِ عَلَى التَّخْفِيفِ كَمَا مَرَّ‏.‏ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ وَهَذَا حَسَنٌ لِلْمُنْفَرِدِ، وَإِمَامُ الرَّاضِينَ بِالتَّطْوِيلِ دُونَ غَيْرِهِمْ، بَلْ فِي مُخْتَصَرِ الْجُوَيْنِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ لَا يَزِيدَ الْإِمَامُ هُنَا عَلَى اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ‏.‏ ا هـ‏.‏ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ يُخَالِفُهُ، وَآلُ إبْرَاهِيمَ كَمَا قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ‏:‏ إسْمَاعِيلُ وَإِسْحَاقُ وَأَوْلَادُهُمَا‏.‏

فَائِدَةٌ‏:‏

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْبَارِزِيُّ‏:‏ كُلُّ الْأَنْبِيَاءِ بَعْدَ سَيِّدِنَا إبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ مِنْ وَلَدِ إِسْحَاقَ إلَّا نَبِيَّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ مِنْ إسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَعَلَى بَقِيَّةِ الْأَنْبِيَاءِ، وَإِنَّمَا خَصَّ إبْرَاهِيمَ بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ مِنْ اللَّهِ هِيَ الرَّحْمَةُ، وَلَمْ تُجْمَعْ الرَّحْمَةُ وَالْبَرَكَةُ لِنَبِيٍّ غَيْرِهِ‏.‏ قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ‏}‏ ‏[‏هُودٌ‏]‏ فَسَأَلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إعْطَاءَ مَا تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الْآيَةِ مِمَّا سَبَقَ إعْطَاؤُهُ لِإِبْرَاهِيمَ، فَإِنْ قِيلَ‏:‏ تَقَرَّرَ أَنَّ نَبِيَّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ الْأَنْبِيَاءِ فَكَيْفَ يَسْأَلُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ كَمَا صَلَّى عَلَى إبْرَاهِيمَ‏؟‏‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ الْكَلَامَ قَدْ تَمَّ عِنْدَ قَوْلِهِ‏:‏ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَاسْتَأْنَفَ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ إلَخْ‏.‏ وَالْحَمِيدُ‏:‏ الَّذِي يُحْمَدُ فِعْلُهُ، وَالْمَجِيدُ الْكَامِلُ الشَّرَفِ‏.‏

المتن

وَكَذَا الدُّعَاءُ بَعْدَهُ، وَمَأْثُورُهُ أَفْضَلُ، وَمِنْهُ‏:‏ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ إلَى آخِره‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَكَذَا‏)‏ يُسَنُّ ‏(‏الدُّعَاءُ بَعْدَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ التَّشَهُّدِ الْآخَرِ بِمَا اتَّصَلَ بِهِ مِنْ الصَّلَاةِ الْمَذْكُورَةِ لِلْإِمَامِ وَغَيْرِهِ لِخَبَرِ ‏(‏إذَا قَعَدَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَقُلْ‏:‏ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ إلَى آخِرِهَا ثُمَّ لِيَخْتَرْ مِنْ الْمَسْأَلَةِ مَا شَاءَ أَوْ مَا أَحَبَّ‏)‏‏.‏ رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَفِي رِوَايَةٍ لِلتِّرْمِذِيِّ ‏"‏ ثُمَّ يَدْعُو بِمَا شَاءَ ‏"‏ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ ‏(‏ثُمَّ لِيَخْتَرْ مِنْ الدُّعَاءِ أَحَبَّهُ إلَيْهِ فَيَدْعُو بِهِ‏)‏ بَلْ يُكْرَهُ تَرْكُهُ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ النَّصِّ، وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ كَالرَّوْضَةِ، وَأَصْلِهَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الدُّعَاءِ بَيْنَ الدِّينِيِّ وَالدُّنْيَوِيِّ، وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ‏:‏ إنَّهُ سُنَّةٌ فِي الدِّينِيِّ مُبَاحٌ فِي الدُّنْيَوِيُّ وَاسْتُحْسِنَ، وَلَوْ دَعَا بِدُعَاءٍ مُحَرَّمٍ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ كَمَا فِي الشَّامِلِ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ بَعْدَهُ عَنْ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ فِيهِ الدُّعَاءُ طَلَبًا لِلتَّخْفِيفِ ‏(‏وَمَأْثُورُهُ‏)‏ بِالْمُثَلَّثَةِ‏:‏ أَيْ‏:‏ مَنْقُولُهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏(‏أَفْضَلُ‏)‏ مِنْ غَيْرِهِ لِتَنْصِيصِ الشَّارِعِ عَلَيْهِ ‏(‏وَمِنْهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمَأْثُورِ ‏(‏‏(‏اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ إلَى آخِرِهِ‏)‏، وَهُوَ مَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ وَمَا أَسْرَفْتُ وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ‏)‏‏.‏ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَرُوِيَ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ ‏(‏إذَا فَرَغَ أَحَدُكُمْ مِنْ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ، فَلْيَتَعَوَّذْ بِاَللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ عَذَابِ جَهَنَّمَ وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ‏)‏ وَأَوْجَبَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ هَذَا الدُّعَاءَ‏.‏ وَقَالَ أَبُو الْوَلِيدِ النَّيْسَابُورِيُّ ‏:‏ إنَّ الْمُرَادَ بِالتَّأَخُّرِ فِي الْحَدِيث الْأَوَّلِ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِمَا وَقَعَ لِاسْتِحَالَةِ الِاسْتِغْفَارِ قَبْلَ الذَّنْبِ، وَرُدَّ بِأَنَّ الطَّلَبَ قَبْلَ الْوُقُوعِ أَنْ يُغْفَرَ إنْ وَقَعَ لَا يَسْتَحِيلُ، بَلْ الْمُسْتَحِيلُ طَلَبُ الْمَغْفِرَةِ قَبْلَ الْوُقُوعِ، وَالْمُرَادُ بِالْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ فِي الْحَدِيث الثَّانِي هُمَا‏:‏ الْحَيَاةُ وَالْمَوْتُ وَسُمِّيَ الدَّجَّالُ بِالْمَسِيحِ؛ لِأَنَّهُ يَمْسَحُ الْأَرْضَ كُلَّهَا‏:‏ أَيْ‏:‏ يَطُوفُهَا إلَّا مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ‏.‏ وَقِيلَ‏:‏ غَيْرُ ذَلِكَ، وَسُمِّيَ الدَّجَّالَ لِكَذِبِهِ وَتَمْوِيهِهِ وَرَوَى الْبُخَارِيُّ ‏(‏اللَّهُمَّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا‏)‏ بِالْمُثَلَّثَةِ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ وَفِي بَعْضِهَا بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ ‏(‏وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ وَارْحَمْنِي إنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ‏)‏‏.‏

المتن

وَيُسَنُّ أَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى قَدْرِ التَّشَهُّدِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرحُ

‏(‏وَيُسَنُّ أَنْ لَا يَزِيدَ‏)‏ الْإِمَامُ فِي الدُّعَاءِ ‏(‏عَلَى قَدْرِ‏)‏ أَقَلِّ ‏(‏التَّشَهُّدِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏)‏ كَمَا قَالَهُ الْعِمْرَانِيُّ نَقْلًا عَنْ الْأَصْحَابِ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهُمَا، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ أَنَّ الْمُسَاوَاةَ لَا يُطْلَبُ تَرْكُهَا، وَلَكِنَّ الْأَفْضَلَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا أَنْ يَكُونَ أَقَلَّ مِنْهُمَا، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ، فَإِنْ زَادَ عَلَيْهِمَا لَمْ يَضُرَّ، لَكِنْ يُكْرَهُ التَّطْوِيلُ بِغَيْرِ رِضَا الْمَأْمُومِينَ، وَخَرَجَ بِالْإِمَامِ غَيْرُهُ فَيُطِيلُ مَا أَرَادَ مَا لَمْ يَخَفْ وُقُوعَهُ بِهِ فِي سَهْوٍ كَمَا جَزَمَ بِهِ جَمْعٌ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ، وَقَالَ فَإِنْ لَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ كَرِهْتُهُ، وَمِمَّنْ جَزَمَ بِذَلِكَ الْمُصَنِّفُ فِي مَجْمُوعِهِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ النَّصَّ وَلَمْ يُخَالِفْهُ‏.‏

المتن

وَمَنْ عَجَزَ عَنْهُمَا تَرْجَمَ، وَيُتَرْجِمُ لِلدُّعَاءِ وَالذِّكْرِ الْمَنْدُوبِ الْعَاجِزُ لَا الْقَادِرُ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَمَنْ عَجَزَ عَنْهُمَا‏)‏ أَيْ‏:‏ التَّشَهُّدِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ نَاطِقٌ، وَالْكَلَامُ فِي الْوَاجِبَيْنِ لِمَا سَيَأْتِي ‏(‏تَرْجَمَ‏)‏ عَنْهُمَا وُجُوبًا؛ لِأَنَّهُ لَا إعْجَازَ فِيهِمَا‏.‏ أَمَّا الْقَادِرُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ تَرْجَمَتُهُمَا، وَتَبْطُلُ بِهِ صَلَاتُهُ ‏(‏وَيُتَرْجِمُ لِلدُّعَاءِ‏)‏ الْمَنْدُوبِ ‏(‏وَالذِّكْرِ الْمَنْدُوبِ‏)‏ نَدْبًا كَالْقُنُوتِ وَتَكْبِيرَاتِ الِانْتِقَالَاتِ وَتَسْبِيحَاتِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ ‏(‏الْعَاجِزُ‏)‏ لِعُذْرِهِ ‏(‏لَا الْقَادِرُ‏)‏ لِعَدَمِ عُذْرِهِ ‏(‏فِي الْأَصَحِّ‏)‏ فِيهِمَا كَالْوَاجِبِ لِحِيَازَةِ الْفَضِيلَةِ‏.‏ وَالثَّانِي‏:‏ يَجُوزُ لِلْقَادِرِ أَيْضًا لِقِيَامِ غَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ مَقَامَهَا فِي أَدَاءِ الْمَعْنَى‏.‏ وَالثَّالِثُ‏:‏ لَا يَجُوزُ لَهُمَا، إذْ لَا ضَرُورَةَ إلَيْهِمَا، بِخِلَافِ الْوَاجِبِ، وَلَفْظُ الْمَنْدُوبِ زَادَهُ عَلَى الْمُحَرَّرِ، وَلَوْ عَبَّرَ بِالْمَأْثُورِ كَانَ أَوْلَى، فَإِنَّ الْخِلَافَ الْمَذْكُورَ مَحَلُّهُ فِي الْمَأْثُورِ‏.‏ أَمَّا غَيْرُ الْمَأْثُورِ بِأَنْ اخْتَرَعَ دُعَاءً أَوْ ذِكْرًا بِالْعَجَمِيَّةِ فِي الصَّلَاةِ فَلَا يَجُوزُ كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْإِمَامِ تَصْرِيحًا فِي الْأُولَى، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهَا فِي الرَّوْضَةِ وَإِشْعَارًا فِي الثَّانِيَةِ، وَتَبْطُلُ بِهِ صَلَاتُهُ‏.‏

المتن

الثَّانِي عَشَرَ‏:‏ السَّلَامُ وَأَقَلُّهُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، وَالْأَصَحُّ جَوَازُ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ، قُلْتُ‏:‏ الْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ لَا يُجْزِئُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

الشرحُ

‏(‏الثَّانِي عَشَرَ‏)‏ مِنْ الْأَرْكَانِ ‏(‏السَّلَامُ‏)‏ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ ‏(‏تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ‏)‏ قَالَ الْحَاكِمُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ‏.‏ قَالَ الْقَفَّالُ الْكَبِيرُ‏:‏ وَالْمَعْنَى فِي السَّلَامِ أَنَّ الْمُصَلِّيَ كَانَ مَشْغُولًا عَنْ النَّاسِ وَقَدْ أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ ‏(‏وَأَقَلُّهُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ‏)‏ مَرَّةً، فَلَا يُجْزِئُ السَّلَامُ عَلَيْهِمْ وَلَا تَبْطُلُ بِهِ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ لِغَائِبٍ، وَلَا عَلَيْكَ، وَلَا عَلَيْكُمَا، وَلَا سَلَامِي عَلَيْكُمْ، وَلَا سَلَامُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ، فَإِنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ مَعَ عِلْمِهِ بِالتَّحْرِيمِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَيُجْزِئُ عَلَيْكُمْ السَّلَامُ مَعَ الْكَرَاهَةِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ النَّصِّ ‏(‏وَالْأَصَحُّ جَوَازُ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ‏)‏ بِالتَّنْوِينِ كَمَا فِي التَّشَهُّدِ؛ لِأَنَّ التَّنْوِينَ يَقُومُ مَقَامَ الْأَلِفِ وَاللَّامِ ‏(‏قُلْتُ‏:‏ الْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ لَا يُجْزِئُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏)‏؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ؛ لِأَنَّ الْأَحَادِيثَ قَدْ صَحَّتْ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ‏:‏ ‏"‏ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ ‏"‏ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ خِلَافُهُ، بِخِلَافِ سَلَامِ التَّشَهُّدِ فَإِنَّهُ وَرَدَ فِيهِ التَّعْرِيفُ وَالتَّنْكِيرُ، فَإِنْ قِيلَ عَلَيْكُمْ السَّلَامُ لَمْ يَرِدْ وَقُلْتُمْ فِيهِ بِالْإِجْزَاءِ، أُجِيبَ بِأَنَّ الصِّيغَةَ الْوَارِدَةَ فِيهِ وَلَكِنَّهَا مَقْلُوبَةٌ وَلِذَا كُرِهَ‏.‏

المتن

وَأَنَّهُ لَا تَجِبُ نِيَّةُ الْخُرُوجِ

الشرحُ

‏(‏وَ‏)‏ الْأَصَحُّ ‏(‏أَنَّهُ لَا تَجِبُ نِيَّةُ الْخُرُوجِ‏)‏ مِنْ الصَّلَاةِ قِيَاسًا عَلَى سَائِرِ الْعِبَادَاتِ، وَلِأَنَّ النِّيَّةَ السَّابِقَةَ مُنْسَحِبَةٌ عَلَى جَمِيعِ الصَّلَاةِ، وَلَكِنْ تُسَنُّ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ، وَالثَّانِي تَجِبُ مَعَ السَّلَامِ لِيَكُونَ الْخُرُوجُ كَالدُّخُولِ بِنِيَّةٍ، وَعَلَى هَذَا يَجِبُ قَرْنُهَا بِالتَّسْلِيمَةِ‏.‏ الْأُولَى، فَإِنْ قَدَّمَهَا عَلَيْهَا أَوْ أَخَّرَهَا عَنْهَا عَامِدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَاسْتَثْنَى الْإِمَامُ عَلَى الْأَوَّلِ مَا إذَا سَلَّمَ الْمُتَطَوِّعُ فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ قَصْدًا، فَإِنَّ قَصْدَ التَّحَلُّلِ يُفِيدُ الِاقْتِصَارَ عَلَى بَعْضِ مَا نَوَى، وَإِنْ سَلَّمَ عَمْدًا وَلَمْ يَقْصِدْ التَّحَلُّلَ كَانَ كَلَامًا عَمْدًا مُبْطِلًا، وَحِينَئِذٍ فَلَا بُدَّ مِنْ قَصْدِ التَّحَلُّلِ فِي حَقِّ الْمُتَنَفِّلِ الَّذِي يُرِيدُ الِاقْتِصَارَ عَلَى بَعْضِ مَا نَوَاهُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَصْدِ التَّحَلُّلِ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ أَنَّ الْمُتَنَفِّلَ الْمُسَلِّمَ فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ يَأْتِي بِمَا لَمْ تَشْتَمِلْ عَلَيْهِ نِيَّةُ عَقْدِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ قَصْدِهِ‏.‏

المتن

وَأَكْمَلُهُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ مَرَّتَيْنِ يَمِينًا وَشِمَالًا مُلْتَفِتًا فِي الْأُولَى حَتَّى يُرَى خَدُّهُ الْأَيْمَنُ، وَفِي الثَّانِيَةِ الْأَيْسَرُ نَاوِيًا السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَنْ يَمِينِهِ وَيَسَارِهِ مِنْ مَلَائِكَةٍ وَإِنْسٍ وَجِنٍّ، وَيَنْوِي الْإِمَامُ السَّلَامَ عَلَى الْمُقْتَدِينَ وَهُمْ الرَّدَّ عَلَيْهِ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَأَكْمَلُهُ‏:‏ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ الْمَأْثُورُ، وَلَا تُسَنُّ زِيَادَةُ وَبَرَكَاتُهُ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَصَوَّبَهُ ‏(‏مَرَّتَيْنِ‏)‏ إلَّا أَنْ يُعْرَضَ لَهُ عَقِبَ الْأُولَى مَا يُنَافِي صَلَاتَهُ فَيَجِبُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْأُولَى، وَذَلِكَ كَأَنْ خَرَجَ وَقْتُ الْجُمُعَةِ بَعْدَ الْأُولَى أَوْ انْقَضَتْ مُدَّةُ الْمَسْحِ أَوْ شَكَّ فِيهَا أَوْ تَخَرَّقَ الْخُفُّ أَوْ نَوَى الْقَاصِرُ الْإِقَامَةَ أَوْ انْكَشَفَتْ عَوْرَتُهُ أَوْ سَقَطَ عَلَيْهِ نَجِسٌ لَا يُعْفَى عَنْهُ أَوْ تَبَيَّنَ لَهُ خَطَؤُهُ فِي الِاجْتِهَادِ، أَوْ عَتَقَتْ أَمَةٌ مَكْشُوفَةَ الرَّأْسِ وَنَحْوَهُ، أَوْ وَجَدَ الْعَارِي سُتْرَةَ ذَكَرَهُ فِي الْخَادِمِ‏.‏ وَيُسَنُّ إذَا أَتَى بِهِمَا أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَهُمَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ، وَأَنْ تَكُونَ الْأُولَى ‏(‏يَمِينًا وَ‏)‏ الْأُخْرَى ‏(‏شِمَالًا‏)‏ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ ‏(‏مُلْتَفِتًا فِي‏)‏ التَّسْلِيمَةِ ‏(‏الْأُولَى حَتَّى يُرَى خَدُّهُ الْأَيْمَنُ‏)‏ فَقَطْ لَا خَدَّاهُ ‏(‏وَفِي‏)‏ التَّسْلِيمَةِ ‏(‏الثَّانِيَةِ‏)‏ حَتَّى يُرَى خَدُّهُ ‏(‏الْأَيْسَرُ‏)‏ كَذَلِكَ، فَيَبْتَدِئَ السَّلَامَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ ثُمَّ يَلْتَفِتُ، وَيَتِمُّ سَلَامُهُ بِتَمَامِ الْتِفَاتِهِ لِمَا فِي مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ‏:‏ ‏(‏كُنْتُ أَرَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ‏)‏، وَفِي رِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيّ ‏(‏كَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ، وَعَنْ يَسَارِهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ‏)‏ ‏(‏نَاوِيًا السَّلَامَ‏)‏ بِمَرَّةِ الْيَمِينِ الْأُولَى ‏(‏عَلَى مَنْ عَنْ يَمِينِهِ، وَ‏)‏ بِمَرَّةِ الْيَسَارِ عَلَى مَنْ عَنْ ‏(‏يَسَارِهِ‏)‏ وَبِأَيَّتِهِمَا شَاءَ عَلَى مُحَاذِيهِ، وَإِنْ لَمْ يُفْهَمْ مِنْ عِبَارَتِهِ قِيَاسًا عَلَى مَا سَيَأْتِي ‏(‏مِنْ مَلَائِكَةٍ وَ‏)‏ مُؤْمِنِي ‏(‏إنْسٍ وَجِنٍّ‏)‏ إمَامًا كَانَ أَوْ مَأْمُومًا، وَأَمَّا الْمُنْفَرِدُ فَيَنْوِي بِالْمَرَّتَيْنِ عَلَى الْمَلَائِكَةِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَعَلَى مُؤْمِنِي الْإِنْسِ وَالْجِنِّ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا مَرَّ ‏(‏وَيَنْوِي الْإِمَامُ‏)‏ زِيَادَةً عَلَى مَا مَرَّ ‏(‏السَّلَامَ عَلَى الْمُقْتَدِينَ‏)‏ مَنْ عَنْ يَمِينِهِ بِالْمَرَّةِ الْأُولَى، وَمَنْ عَنْ يَسَارِهِ بِالثَّانِيَةِ، وَعَلَى مَنْ خَلْفَهُ بِأَيَّتِهِمَا شَاءَ ‏(‏وَهُمْ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمُقْتَدُونَ يَنْوُونَ ‏(‏الرَّدَّ عَلَيْهِ‏)‏ وَعَلَى مَنْ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْمَأْمُومِينَ فَيَنْوِيهِ مَنْ عَنْ يَمِينِ الْمُسَلِّمِ مِنْ إمَامٍ وَمَأْمُومٍ بِالتَّسْلِيمَةِ الثَّانِيَةِ، وَمَنْ عَلَى يَسَارِهِ بِالْأُولَى وَعَلَى مَنْ خَلْفَهُ وَأَمَامَهُ بِأَيَّتِهِمَا شَاءَ، وَالْأُولَى أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ قَدْ اخْتَلَفَ التَّرْجِيحُ فِي الثَّانِيَةِ هَلْ هِيَ مِنْ الصَّلَاةِ أَوْ لَا فَصَحَّحَا فِي الْجُمُعَةِ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الصَّلَاةِ، وَصَحَّحَا فِي آخِرِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ أَنَّهَا مِنْهَا، وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ، فَإِنْ قِيلَ‏:‏ كَيْفَ يَنْوِي مَنْ عَلَى يَسَارِ الْإِمَامِ الرَّدَّ عَلَيْهِ بِالْأُولَى؛ لِأَنَّ الرَّدَّ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ السَّلَامِ، وَالْإِمَامُ إنَّمَا يَنْوِي السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَنْ يَسَارِهِ بِالثَّانِيَةِ، فَكَيْفَ يَرُدُّ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ‏؟‏‏.‏ أُجِيبَ أَنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمَأْمُومَ إنَّمَا يُسَلِّمُ الْأُولَى بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْ التَّسْلِيمَتَيْنِ كَمَا سَيَأْتِي‏.‏ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ‏(‏كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي قَبْلَ الْعَصْرِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِالتَّسْلِيمِ عَلَى الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ، وَمَنْ مَعَهُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُؤْمِنِينَ‏)‏ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ‏.‏ وَحَدِيثُ سَمُرَةَ ‏(‏أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَرُدَّ عَلَى الْإِمَامِ، وَأَنْ نَتَحَابَّ، وَأَنْ يُسَلِّمَ بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ‏)‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ، فَإِنْ قِيلَ‏:‏ قَوْلُهُمْ‏:‏ يَنْوِي السَّلَامَ عَلَى الْمُقْتَدِينَ لَا مَعْنَى لِلنِّيَّةِ فَإِنَّ الْخِطَابَ كَافٍ فِي الصَّرْفِ إلَيْهِمْ فَلَا مَعْنَى لِلنِّيَّةِ، وَالصَّرِيحُ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ كَمَا لَا يَحْتَاجُ الْمُسَلِّمُ خَارِجَ الصَّلَاةِ إذَا سَلَّمَ عَلَى قَوْمٍ إلَى نِيَّةٍ فِي أَدَاءِ السُّنَّةِ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمَّا عَارَضَ ذَلِكَ تَحَلُّلَ الصَّلَاةِ احْتَاجَ إلَى نِيَّةٍ بِخِلَافِهِ خَارِجَهَا‏.‏

المتن

الثَّالِثَ عَشَرَ‏:‏ تَرْتِيبُ الْأَرْكَانِ كَمَا ذَكَرْنَا، فَإِنْ تَرَكَهُ عَمْدًا بِأَنْ سَجَدَ قَبْلَ رُكُوعِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ سَهَا فَمَا بَعْدَ الْمَتْرُوكِ لَغْوٌ، فَإِنْ تَذَكَّرَ قَبْلَ بُلُوغِ مِثْلِهِ فَعَلَهُ، وَإِلَّا تَمَّتْ بِهِ رَكْعَتُهُ، وَتَدَارَكَ الْبَاقِيَ

الشرحُ

‏(‏الثَّالِثَ عَشَرَ‏)‏ مِنْ الْأَرْكَانِ ‏(‏تَرْتِيبُ الْأَرْكَانِ كَمَا ذَكَرْنَا‏)‏ فِي عَدِّهَا الْمُشْتَمِلِ عَلَى قَرْنِ النِّيَّةِ بِالتَّكْبِيرِ، وَجَعْلِهِمَا مَعَ الْقِرَاءَةِ فِي الْقِيَامِ، وَجَعْلِ التَّشَهُّدِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقُعُودِ فَالتَّرْتِيبُ عِنْدَ مَنْ أَطْلَقَهُ مُرَادًا فِيمَا عَدَا ذَلِكَ، وَمِنْهُ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ فَإِنَّهَا بَعْدَ التَّشَهُّدِ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ وَتَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ، فَهِيَ مُرَتَّبَةٌ، وَغَيْرُ مُرَتَّبَةٍ بِاعْتِبَارَيْنِ، وَدَلِيلُ وُجُوبِ التَّرْتِيبِ الِاتِّبَاعُ كَمَا فِي الْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ مَعَ خَبَرِ ‏(‏صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي‏)‏ وَعَدُّهُ مِنْ الْأَرْكَانِ بِمَعْنَى الْفُرُوضِ كَمَا مَرَّ أَوَّلَ الْبَابِ صَحِيحٌ، وَبِمَعْنَى الْإِجْزَاءِ فِيهِ تَغْلِيبٌ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ هُنَا لِعَدِّ الْوَلَاءِ رُكْنًا، وَصَوَّرَهُ الرَّافِعِيُّ تَبَعًا لِلْإِمَامِ بِعَدَمِ تَطْوِيلِ الرُّكْنِ الْقَصِيرِ، وَابْنُ الصَّلَاحِ بِعَدَمِ طُولِ الْفَصْلِ بَعْدَ سَلَامِهِ نَاسِيًا‏.‏ وَمِنْ صُوَرِ فَقْدِ الْوَلَاءِ‏:‏ مَا إذَا شَكَّ فِي نِيَّةِ الصَّلَاةِ وَلَمْ يُحْدِثْ رُكْنًا قَوْلِيًّا وَلَا فِعْلِيًّا وَمَضَى زَمَنٌ طَوِيلٌ، فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ كَمَا مَرَّ لِانْقِطَاعِ نَظْمِهَا، وَلَمْ يَعُدُّهُ الْأَكْثَرُونَ رُكْنًا لِكَوْنِهِ كَالْجُزْءِ مِنْ الرُّكْنِ الْقَصِيرِ أَوْ لِكَوْنِهِ أَشْبَهَ بِالتُّرُوكِ‏.‏ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي تَنْقِيحِهِ‏:‏ الْوَلَاءُ وَالتَّرْتِيبُ شَرْطَانِ، وَهُوَ أَظْهَرُ مِنْ عَدِّهِمَا رُكْنَيْنِ‏.‏ ا هـ‏.‏ وَالْمَشْهُورُ عَدُّ التَّرْتِيبِ رُكْنًا، وَالْوَلَاءِ شَرْطًا، وَأَمَّا السُّنَنُ، فَتَرْتِيبُ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ كَالِاسْتِفْتَاحِ وَالتَّعَوُّذِ، وَتَرْتِيبُهَا عَلَى الْفَرَائِضِ كَالْفَاتِحَةِ، وَالسُّورَةُ شَرْطٌ فِي الِاعْتِدَادِ بِهَا سُنَّةٌ لَا فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ ‏(‏فَإِنْ تَرَكَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ تَرْتِيبَ الْأَرْكَانِ ‏(‏عَمْدًا‏)‏ بِتَقْدِيمِ رُكْنٍ فِعْلِيٍّ، وَمِنْ صُوَرِهِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ ‏(‏بِأَنْ سَجَدَ قَبْلَ رُكُوعِهِ‏)‏ أَوْ رَكَعَ قَبْلَ قِرَاءَتِهِ، أَوْ سَلَّمَ كَأَنْ سَلَّمَ قَبْلَ سُجُودِهِ ‏(‏بَطَلَتْ صَلَاتُهُ‏)‏ إجْمَاعًا لِتَلَاعُبِهِ‏.‏ أَمَّا لَوْ قَدَّمَ رُكْنًا قَوْلِيًّا غَيْرَ سَلَامٍ كَتَشَهُّدٍ عَلَى سُجُودٍ، أَوْ قَوْلِيًّا عَلَى قَوْلِيٍّ كَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى التَّشَهُّدِ، فَإِنَّهَا لَا تَبْطُلُ، لَكِنْ لَا يُعْتَدُّ بِمَا قَدَّمَهُ بَلْ يُعِيدُهُ، وَلَوْ عَبَّرَ بِكَأَنَّ بَدَلَ بِأَنَّ لَكَانَ أَوْلَى، لَكِنْ كَثِيرًا مَا يَقَعُ فِي كَلَامِهِمْ التَّعْبِيرُ بِأَنَّ مَكَانَ كَأَنَّ، وَهُوَ خِلَافُ الْمُصْطَلَحِ عَلَيْهِ بَيْنَهُمْ ‏(‏، وَإِنْ سَهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ تَرَكَ التَّرْتِيبَ سَهْوًا ‏(‏فَمَا‏)‏ فَعَلَهُ ‏(‏بَعْدَ الْمَتْرُوكِ لَغْوٌ‏)‏ لِوُقُوعِهِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ ‏(‏فَإِنْ تَذَكَّرَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمَتْرُوكَ ‏(‏قَبْلَ بُلُوغِ‏)‏ فِعْلٍ ‏(‏مِثْلِهِ‏)‏ مِنْ رَكْعَةٍ أُخْرَى ‏(‏فَعَلَهُ‏)‏ بَعْدَ تَذَكُّرِهِ فَوْرًا، فَإِنْ تَأَخَّرَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَوْلُهُ تَذَكُّرُهُ غَيْرُ شَرْطٍ، فَلَوْ شَكَّ فِي رُكُوعِهِ أَنَّهُ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ أَوْ فِي سُجُودِهِ أَنَّهُ رَكَعَ أَمْ لَا وَجَبَ أَنْ يَقُومَ فِي الْحَالِ، فَلَوْ مَكَثَ قَلِيلًا لِيَتَذَكَّرَ بَطَلَتْ، بِخِلَافِ مَا لَوْ شَكَّ فِي الْقِيَامِ أَنَّهُ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ أَوْ لَا فَسَكَتَ لِيَتَذَكَّرَ، وَقَوْلُهُ‏:‏ فَعَلَهُ يُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا لَوْ تَذَكَّرَ فِي سُجُودِهِ تَرَكَ الرُّكُوعَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ إلَى الْقِيَامِ لِيَرْكَعَ مِنْهُ وَلَا يَكْفِيهِ أَنْ يَقُومَ رَاكِعًا، إذْ الِانْحِنَاءُ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ، فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ زِيَادَةٌ عَلَى الْمَتْرُوكِ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ أَيْ‏:‏ وَإِنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ حَتَّى بَلَغَ مِثْلَهُ ‏(‏تَمَّتْ بِهِ رَكْعَتُهُ‏)‏ الْمَتْرُوكُ آخِرَهَا كَسَجْدَتِهِ الثَّانِيَةِ مِنْهَا، وَيَأْتِي بِمَا بَعْدَهُ إنْ كَانَ فِي أَثْنَائِهَا كَالْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ ‏(‏وَتَدَارَكَ الْبَاقِيَ‏)‏ مِنْ صَلَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ أَلْغَى مَا بَيْنَهُمَا، هَذَا إذَا عَرَفَ عَيْنَ الْمَتْرُوكِ وَمَوْضِعَهُ، فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ أَخَذَ بِالْمُتَيَقَّنِ وَأَتَى بِالْبَاقِي، وَفِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ، نَعَمْ إنْ تَرَكَ رُكْنًا، وَجَوَّزَ أَنْ يَكُونَ الْمَتْرُوكُ النِّيَّةَ أَوْ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ وَجَبَ الِاسْتِئْنَافُ أَوْ كَانَ الْمَتْرُوكُ السَّلَامَ، وَتَذَكَّرَ قَبْلَ طُولِ الْفَصْلِ سَلَّمَ وَلَا سُجُودَ لِلسَّهْوِ، وَكَذَا إنْ طَالَ كَمَا بَحَثَهُ شَيْخُنَا؛ لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنَّهُ سُكُوتٌ طَوِيلٌ، وَتَعَمُّدُ طُولِ السُّكُوتِ لَا يَضُرُّ كَمَا مَرَّ فَلَا يَسْجُدُ لِسَهْوِهِ، وَلَا تُجْزِئُ سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ عَنْ سَجْدَةٍ مِنْ نَفْسِ الصَّلَاةِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ النَّصِّ، فَإِنْ قِيلَ‏:‏ لَوْ تَشَهَّدَ التَّشَهُّدَ الْأَخِيرَ ظَانًّا أَنَّهُ الْأَوَّلُ ثُمَّ عَلِمَ أَجْزَأَهُ، وَكَذَا لَوْ قَامَ عَنْ السُّجُودِ وَجَلَسَ بِنِيَّةِ الِاسْتِرَاحَةِ ظَانًّا أَنَّهُ سَجَدَ الثَّانِيَةَ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَسْجُدْهَا أَجْزَأَهُ ذَلِكَ عَنْ الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَسَجَدَ الثَّانِيَةَ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ‏؟‏‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ نِيَّةَ الصَّلَاةِ لَمْ تَشْمَلْ سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الصَّلَاةِ بَلْ هِيَ سُنَّةٌ فِيهَا بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّ التَّسْلِيمَةَ الثَّانِيَةَ لَيْسَتْ مِنْ الصَّلَاةِ، وَعَلَيْهِ إنْ ظَنَّ أَنَّهُ سَلَّمَ الْأُولَى فَسَلَّمَ الثَّانِيَةَ، فَتَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ الْأُولَى لَمْ تُجْزِ الثَّانِيَةُ عَنْهَا، وَإِنْ نَازَعَ فِي ذَلِكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ‏.‏

المتن

فَلَوْ تَيَقَّنَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ تَرْكَ سَجْدَةٍ مِنْ الْأَخِيرَةِ سَجَدَهَا، وَأَعَادَ تَشَهُّدَهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهَا لَزِمَهُ رَكْعَةٌ، وَكَذَا إنْ شَكَّ فِيهِمَا‏.‏

الشرحُ

‏(‏فَلَوْ تَيَقَّنَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ‏)‏ أَوْ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْهَا وَلَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ عُرْفًا وَلَمْ تَتَّصِلْ بِهِ نَجَاسَةٌ ‏(‏تَرْكَ سَجْدَةً مِنْ‏)‏ الرَّكْعَةِ ‏(‏الْأَخِيرَةِ سَجَدَهَا وَأَعَادَ تَشَهُّدَهُ‏)‏؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ بَعْدَ مَتْرُوكٍ فَلَمْ يُعْتَدَّ بِهِ ‏(‏أَوْ مِنْ غَيْرِهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْأَخِيرَةِ ‏(‏لَزِمَهُ رَكْعَةٌ‏)‏؛ لِأَنَّ النَّاقِصَةَ قَدْ تَكَمَّلَتْ بِسَجْدَةٍ مِنْ الرَّكْعَةِ الَّتِي بَعْدَهَا، وَأَلْغَى بَاقِيَهَا ‏(‏وَكَذَا إنْ شَكَّ فِيهِمَا‏)‏ أَيْ‏:‏ هَلْ تَرَكَ السَّجْدَةَ مِنْ الْأَخِيرَةِ أَوْ مِنْ غَيْرِهَا جَعَلَهُ مِنْ غَيْرِهَا أَخَذَا بِالْأَحْوَطِ، وَلَزِمَهُ رَكْعَةٌ أُخْرَى، وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ فِي الصُّورَتَيْنِ‏.‏

المتن

، وَإِنْ عَلِمَ فِي قِيَامِ ثَانِيَةٍ تَرْكَ سَجْدَةٍ فَإِنْ كَانَ جَلَسَ بَعْدَ سَجْدَتِهِ سَجَدَ وَقِيلَ‏:‏ إنْ جَلَسَ بِنِيَّةِ الِاسْتِرَاحَةِ لَمْ يَكْفِهِ، وَإِلَّا فَلْيَجْلِسْ مُطْمَئِنًّا ثُمَّ يَسْجُدْ، وَقِيلَ‏:‏ يَسْجُدُ فَقَطْ

الشرحُ

‏(‏، وَإِنْ عَلِمَ فِي قِيَامِ ثَانِيَةٍ‏)‏ مَثَلًا ‏(‏تَرْكَ سَجْدَةٍ‏)‏ مِنْ الْأُولَى نَظَرْتَ ‏(‏فَإِنْ كَانَ جَلَسَ بَعْدَ سَجْدَتِهِ‏)‏ الَّتِي قَامَ عَنْهَا ‏(‏سَجَدَ‏)‏ مِنْ قِيَامِهِ اكْتِفَاءً بِجُلُوسِهِ، سَوَاءٌ أَنَوَى بِهِ الِاسْتِرَاحَةَ أَمْ لَا ‏(‏وَقِيلَ‏:‏ إنْ جَلَسَ بِنِيَّةِ الِاسْتِرَاحَةِ لَمْ يَكْفِهِ‏)‏ لِقَصْدِهِ سُنَّةً، وَتَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ حَيْثُ لَمْ تَكْفِ عَنْ السُّجُودِ، وَقِيلَ‏:‏ لَا بُدَّ أَنْ يَجْلِسَ مُطْلَقًا ثُمَّ يَسْجُدَ لِيَنْتَقِلَ مِنْ الْجُلُوسِ إلَى السُّجُودِ؛ لِأَنَّ السُّجُودَ هَكَذَا وَاجِبٌ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ أَيْ‏:‏ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جَلَسَ بَعْدَ سَجْدَتِهِ الَّتِي قَامَ عَنْهَا ‏(‏فَلْيَجْلِسْ مُطْمَئِنًّا ثُمَّ يَسْجُدْ‏)‏؛ لِأَنَّ الْجُلُوسَ رُكْنٌ فَلَا بُدَّ مِنْهُ، وَكَذَا الْحُكْمُ فِي تَرْكِ سَجْدَتَيْنِ فَأَكْثَرَ تَذَكَّرَ مَكَانَهُمَا أَوْ مَكَانَهَا، فَإِنْ كَانَ قَدْ سَبَقَ لَهُ جُلُوسٌ فِيمَا سَبَقَ لَهُ مِنْ الرَّكَعَاتِ تَمَّتْ رَكْعَتُهُ السَّابِقَةُ بِالسَّجْدَةِ الْأُولَى، وَإِلَّا فَبِالثَّانِيَةِ ‏(‏وَقِيلَ‏:‏ يَسْجُدُ فَقَطْ‏)‏ اكْتِفَاءً بِالْقِيَامِ عَنْ الْجُلُوسِ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ بِهِ الْفَصْلُ، وَهُوَ حَاصِلٌ بِالْقِيَامِ، وَيَسْجُدُ فِي الصُّورَتَيْنِ لِلسَّهْوِ‏.‏

المتن

، وَإِنْ عَلِمَ فِي آخِرِ رُبَاعِيَّةٍ تَرْكَ سَجْدَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ جَهِلَ مَوْضِعَهَا وَجَبَ رَكْعَتَانِ أَوْ أَرْبَعٍ فَسَجْدَةٌ ثُمَّ رَكْعَتَانِ، أَوْ خَمْسٍ أَوْ سِتٍّ فَثَلَاثٌ، أَوْ سَبْعٍ، فَسَجْدَةٌ ثُمَّ ثَلَاثٌ‏.‏

الشرحُ

‏(‏، وَإِنْ عَلِمَ فِي آخِرَ رُبَاعِيَّةٍ تَرْكَ سَجْدَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ جَهِلَ مَوْضِعَهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ السَّجَدَاتِ الْخَمْسِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ ‏(‏وَجَبَ رَكْعَتَانِ‏)‏ أَخْذًا بِالْأَسْوَأِ‏.‏ أَمَّا فِي الْأُولَى؛ فَلِأَنَّ الْأَسْوَأَ تَقْدِيرُ سَجْدَةٍ مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى، وَسَجْدَةٍ مِنْ الثَّالِثَةُ، فَتَنْجَبِرُ الرَّكْعَةُ الْأُولَى بِسَجْدَةِ مِنْ الثَّانِيَةِ وَيَلْغُو بَاقِيهَا، وَتَنْجَبِرُ الرَّكْعَةُ الثَّالِثَةُ بِسَجْدَةٍ مِنْ الرَّابِعَة وَيَلْغُو بَاقِيهَا‏.‏ وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةُ فَلِأَنَّكَ إذَا قَدَّرْتَ مَا ذُكِرَ فِي السَّجْدَتَيْنِ وَقَدَّرْتَ مَعَهُ تَرْكَ سَجْدَةٍ أُخْرَى مِنْ أَيِّ رَكْعَةٍ شِئْتَ لَمْ يَخْتَلِفْ الْحُكْمُ ‏(‏أَوْ‏)‏ عَلِمَ تَرْكَ ‏(‏أَرْبَعٍ‏)‏ مِنْ رُبَاعِيَّةٍ ‏(‏فَسَجْدَةٌ ثُمَّ رَكْعَتَانِ‏)‏ لِاحْتِمَالِ تَرْكِ ثِنْتَيْنِ مِنْ رَكْعَةٍ وَثِنْتَيْنِ مِنْ رَكْعَتَيْنِ غَيْرِ مُتَوَالِيَتَيْنِ لَمْ يَتَّصِلَا بِهَا كَتَرْكِ وَاحِدَةٍ مِنْ الْأُولَى وَثِنْتَيْنِ مِنْ الثَّانِيَةِ، وَوَاحِدَةٍ مِنْ الرَّابِعَةِ، فَالْحَاصِلُ رَكْعَتَانِ إلَّا سَجْدَةً، إذْ الْأُولَى تَمَّتْ بِالثَّالِثَةِ، وَالرَّابِعَةُ نَاقِصَةٌ سَجْدَةٌ فَيُتِمُّهَا، وَيَأْتِي بِرَكْعَتَيْنِ، بِخِلَافِ مَا إذَا اتَّصَلَتَا بِهَا كَتَرْكِ وَاحِدَةٍ مِنْ الْأُولَى وَثِنْتَيْنِ مِنْ الثَّانِيَةِ وَوَاحِدَةٍ مِنْ الثَّالِثَةِ فَلَا يَلْزَمُ فِيهَا إلَّا رَكْعَتَانِ‏.‏ وَقَالَ الشَّارِحُ‏:‏ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ تَرَكَ سَجْدَتَيْنِ مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى، وَسَجْدَةً مِنْ الثَّانِيَةِ، وَسَجْدَةً مِنْ الرَّابِعَةِ فَتَلْغُو الْأُولَى، وَتَكْمُلُ الثَّانِيَةُ بِالثَّالِثَةِ‏.‏ ا هـ‏.‏ وَلَوْ قَالَ‏:‏ فَتَكْمُلُ الْأُولَى بِسَجْدَتَيْنِ مِنْ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ، وَيَلْغُو بَاقِيهِمَا، وَالرَّابِعَةُ نَاقِصَةٌ سَجْدَةٌ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْأُولَى لَا تَلْغِي ‏(‏أَوْ‏)‏ عَلِمَ تَرْكَ ‏(‏خَمْسٍ أَوْ سِتٍّ جَهِلَ مَوْضِعَهَا فَثَلَاثٌ‏)‏ لِاحْتِمَالِ تَرْكِ وَاحِدَةٍ مِنْ الْأُولَى، وَثِنْتَيْنِ مِنْ الثَّانِيَةِ، وَثِنْتَيْنِ مِنْ الثَّالِثَةِ، وَالسَّادِسَةِ مِنْ الْأُولَى أَوْ مِنْ الرَّابِعَة فَتَكْمُلُ الْأُولَى بِالرَّابِعَةِ، وَيَبْقَى ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ ‏(‏أَوْ‏)‏ عَلِمَ تَرْكَ ‏(‏سَبْعٍ‏)‏ جَهِلَ مَوْضِعَهَا ‏(‏فَسَجْدَةٌ ثُمَّ ثَلَاثٌ‏)‏ إذْ الْحَاصِلُ لَهُ رَكْعَةٌ إلَّا سَجْدَةً أَوْ عَلِمَ تَرْكَ ثَمَانٍ جَهِلَ مَوْضِعَهَا، فَسَجْدَتَانِ ثُمَّ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ، وَيُتَصَوَّرُ ذَلِكَ بِتَرْكِ طُمَأْنِينَةٍ أَوْ سُجُودٍ عَلَى نَحْوِ عِمَامَةٍ تَتَحَرَّكُ بِحَرَكَتِهِ، وَفِي كُلِّ ذَلِكَ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَى بَعْضِهِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

ذَكَرَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ كَالْأُصْفُونِيِّ وَالْإِسْنَوِيِّ اعْتِرَاضًا عَلَى الْجُمْهُورِ، فَقَالَ‏:‏ يَلْزَمُ بِتَرْكِ ثَلَاثِ سَجَدَاتٍ سَجْدَةٌ وَرَكْعَتَانِ؛ لِأَنَّ أَسْوَأَ الْأَحْوَالِ أَنْ يَكُونَ الْمَتْرُوكُ السَّجْدَةَ الْأُولَى مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى، وَالثَّانِيَةَ مِنْ الثَّانِيَةِ، وَوَاحِدَةً مِنْ الرَّابِعَةِ، وَحِينَئِذٍ فَيَحْصُلُ مِنْ الثَّانِيَةِ جَبْرُ الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ لَا جَبْرُ السُّجُودِ، إذْ لَا جُلُوسَ مَحْسُوبٌ فِي الْأُولَى، فَتَكْمُلُ الرَّكْعَةُ الْأُولَى بِالسَّجْدَةِ الْأُولَى مِنْ الثَّالِثَةِ وَتَفْسُدُ الثَّانِيَةُ وَتُجْعَلُ السَّجْدَةُ الثَّانِيَةُ مَتْرُوكَةً مِنْ الرَّابِعَةِ، فَيَلْزَمُ سَجْدَةٌ وَرَكْعَتَانِ، وَيَلْزَمُ بِتُرُوكِ أَرْبَعِ سَجَدَاتٍ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ، لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ تَرَكَ السَّجْدَةَ الْأُولَى مِنْ الْأُولَى، وَالثَّانِيَةَ مِنْ الثَّانِيَةِ، فَيَحْصُلُ لَهُ مِنْهُمَا رَكْعَةٌ إلَّا سَجْدَةً، وَأَنَّهُ تَرَكَ ثِنْتَيْنِ مِنْ الثَّالِثَةِ فَلَا تَتِمُّ الرَّكْعَةُ إلَّا بِسَجْدَةٍ مِنْ الرَّابِعَةِ، وَيَلْغُو مَا سِوَاهَا، وَيَلْزَمُهُ فِي تَرْكِ السِّتِّ ثَلَاثٌ، وَسَجْدَةٌ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ تَرَكَ السَّجْدَةَ الْأُولَى مِنْ الْأُولَى، وَالثَّانِيَةَ مِنْ الثَّانِيَةِ، وَثِنْتَيْنِ مِنْ الثَّالِثَةِ، وَثِنْتَيْنِ مِنْ الرَّابِعَةِ‏.‏ وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ ذَلِكَ خِلَافُ فَرْضِ الْأَصْحَابِ فَإِنَّهُمْ فَرَضُوا ذَلِكَ فِيمَا إذَا أَتَى بِالْجِلْسَاتِ الْمَحْسُوبَاتِ، بَلْ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ‏:‏ إنَّمَا ذَكَرْتُ هَذَا الِاعْتِرَاضَ، وَإِنْ كَانَ وَاضِحَ الْبُطْلَانِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَخْتَلِجُ فِي صَدْرِ مَنْ لَا حَاصِلَ لَهُ، وَإِلَّا فَمِنْ حَقِّ هَذَا السُّؤَالِ السَّخِيفِ أَنْ لَا يُدَوَّنَ فِي تَصْنِيفٍ، وَحَكَى ابْنُ السُّبْكِيّ فِي التَّوْشِيحِ أَنَّ وَالِدَهُ وَقَفَ عَلَى رَجَزٍ لَهُ فِي الْفِقْهِ، وَفِيهِ اعْتِمَادُ هَذَا الِاعْتِرَاضِ فَكَتَبَ عَلَى الْحَاشِيَةِ‏:‏ ‏[‏الرَّجَزُ‏]‏ لَكِنَّهُ مَعَ حُسْنِهِ لَا يَرِدُ إذْ الْكَلَامُ فِي الَّذِي لَا يُفْقَدُ إلَّا السُّجُودَ فَإِذَا مَا انْضَمَّ لَهْ تَرْكُ الْجُلُوسِ فَلْيُعَامَلْ عَمَلَهْ، وَإِنَّمَا السَّجْدَةُ لِلْجُلُوسِ وَذَاكَ مِثْلُ الْوَاضِحِ الْمَحْسُوسِ‏.‏

المتن

قُلْتُ‏:‏ يُسَنُّ إدَامَةُ نَظَرِهِ إلَى مَوْضِع سُجُودِهِ‏.‏

الشرحُ

‏(‏قُلْتُ‏:‏ يُسَنُّ إدَامَةُ نَظَرِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمُصَلِّي ‏(‏إلَى مَوْضِع سُجُودِهِ‏)‏ فِي جَمِيعِ صَلَاتِهِ؛ لِأَنَّ جَمْعَ النَّظَرِ فِي مَوْضِعٍ أَقْرَبُ إلَى الْخُشُوعِ، وَمَوْضِعُ سُجُودِهِ أَشْرَفُ وَأَسْهَلُ، وَخَرَجَ بِمَوْضِعِ سُجُودِهِ الْمُصَلِّي عَلَى جِنَازَةٍ فَيَنْظُرُ إلَيْهَا، وَاسْتَثْنَى مِنْ النَّظَرِ إلَى مَوْضِعِ السُّجُودِ حَالَةَ التَّشَهُّدِ فَإِنَّ السُّنَّةَ إذَا رَفَعَ مُسَبِّحَتَهُ أَنْ لَا يُجَاوِزَ بَصَرُهُ إشَارَتَهُ ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَفِيهِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد، وَعَنْ جَمَاعَةٍ أَنَّ الْمُصَلِّيَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ يَنْظُرُ إلَى الْكَعْبَةِ، لَكِنْ صَوَّبَ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّهُ كَغَيْرِهِ، وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ‏:‏ إنَّ اسْتِحْبَابَ نَظَرِهِ إلَى الْكَعْبَةِ فِي الصَّلَاةِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ، وَقِيلَ‏:‏ مَنْ صَلَّى خَلْفَ نَبِيٍّ نَظَرَ إلَيْهِ، وَقِيلَ‏:‏ يَنْظُرُ فِي الْقِيَامِ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ، وَفِي الرُّكُوعِ إلَى ظَهْرِ قَدَمَيْهِ، وَفِي السُّجُودِ إلَى أَنْفِهِ، وَفِي الْقُعُودِ إلَى حِجْرِهِ؛ لِأَنَّ امْتِدَادَ الْبَصَرِ يُلْهِي فَإِذَا قُصِرَ كَانَ أَوْلَى، وَبِهَذَا جَزَمَ الْبَغَوِيّ وَالْمُتَوَلِّي‏.‏

المتن

وَقِيلَ‏:‏ يُكْرَهُ تَغْمِيضُ عَيْنَيْهِ، وَعِنْدِي لَا يُكْرَهُ، إنْ لَمْ يَخَفْ ضَرَرًا‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَقِيلَ‏:‏ يُكْرَهُ تَغْمِيضُ عَيْنَيْهِ‏)‏ قَالَهُ الْعَبْدَرِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا تَبَعًا لِبَعْضِ التَّابِعِينَ؛ لِأَنَّ الْيَهُودَ تَفْعَلُهُ، وَلَمْ يُنْقَلْ فِعْلُهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ، وَقَدْ وَرَدَ فِي النَّهْيِ عَنْهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْبَيْهَقِيُّ ‏(‏وَعِنْدِي لَا يُكْرَهُ‏)‏ عَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالْمُخْتَارِ ‏(‏إنْ لَمْ يَخَفْ‏)‏ مِنْهُ ‏(‏ضَرَرًا‏)‏ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ لِعَدَمِ وُرُودِ نَهْيٍ فِيهِ كَمَا مَرَّ فَإِنْ خَافَ مِنْهُ ضَرَرًا كُرِهَ‏.‏ قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ‏:‏، وَيَنْبَغِي أَنْ يَحْرُمَ فِي بَعْضِ صُوَرِهِ، وَأَفْتَى ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِأَنَّهُ إذَا كَانَ عَدَمُ ذَلِكَ يُشَوِّشُ عَلَيْهِ خُشُوعَهُ أَوْ حُضُورَ قَلْبِهِ مَعَ رَبِّهِ فَالتَّغْمِيضُ أَوْلَى مِنْ الْفَتْحِ‏.‏

المتن

وَالْخُشُوعُ

الشرحُ

‏(‏وَ‏)‏ يُسَنُّ ‏(‏الْخُشُوعُ‏)‏ فَيَتَّصِفُ بِهِ ظَاهِرُهُ وَبَاطِنُهُ، وَيَسْتَحْضِرُ أَنَّهُ وَاقِفٌ بَيْنَ يَدَيْ مَلِكِ الْمُلُوكِ يُنَاجِيهِ، وَأَنَّ صَلَاتَهُ مَعْرُوضَةٌ عَلَيْهِ، وَمِنْ الْجَائِزِ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَيْهِ وَلَا يَقْبَلَهَا‏.‏ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ‏}‏ ‏[‏الْمُؤْمِنُونَ‏]‏ فَسَّرَهُ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِلِينِ الْقَلْبِ وَكَفِّ الْجَوَارِحِ، وَخَبَرُ مُسْلِمٍ ‏(‏مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَتَوَضَّأُ، فَيُحْسِنُ وُضُوءَهُ ثُمَّ يَقُومُ، فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ يُقْبِلُ عَلَيْهِمَا بِوَجْهِهِ وَقَلْبِهِ إلَّا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ‏)‏، وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ‏(‏أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا يَعْبَثُ بِلِحْيَتِهِ فِي الصَّلَاةِ، فَقَالَ‏:‏ لَوْ خَشَعَ قَلْبُ هَذَا لَخَشَعَتْ جَوَارِحُهُ‏)‏ وَالْأَحَادِيثُ وَالْآثَارُ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ، وَلِذَلِكَ قِيلَ‏:‏ إنَّهُ شَرْطٌ فِي جُزْءٍ مِنْ الصَّلَاةِ، فَلَوْ سَقَطَ رِدَاؤُهُ أَوْ طَرَفُ عِمَامَتِهِ كُرِهَ لَهُ تَسْوِيَتُهُ إلَّا لِضَرُورَةٍ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْإِحْيَاءِ‏.‏

المتن

وَتَدَبُّرُ الْقِرَاءَةِ

الشرحُ

‏(‏وَ‏)‏ يُسَنُّ ‏(‏تَدَبُّرُ الْقِرَاءَةِ‏)‏ أَيْ‏:‏ تَأَمُّلِهَا؛ لِأَنَّ بِذَلِكَ يَحْصُلُ مَقْصُودُ الْخُشُوعِ وَالْأَدَبِ‏.‏ قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏(‏أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا‏)‏ ‏[‏مُحَمَّدٌ‏]‏، وَيُسَنُّ تَرْتِيلُ الْقِرَاءَةِ، وَهُوَ التَّأَنِّي فِيهَا، بَلْ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ يُكْرَهُ تَرْكُهُ، وَالْإِسْرَاعُ فِي الْقِرَاءَةِ‏.‏ وَيُسَنُّ لِلْقَارِئِ فِي الصَّلَاةِ وَخَارِجِهَا إذَا مَرَّ بِآيَةِ رَحْمَةٍ أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ الرَّحْمَةَ، أَوْ بِآيَةِ عَذَابٍ أَنْ يَسْتَعِيذَ مِنْهُ، أَوْ بِآيَةِ تَسْبِيحٍ أَنْ يُسَبِّحَ، أَوْ بِآيَةِ مَثَلٍ أَنْ يَتَفَكَّرَ، وَإِذَا قَرَأَ ‏{‏أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ‏}‏ ‏[‏التِّينُ‏]‏ قَالَ بَلَى وَأَنَا عَلَى ذَلِكَ مِنْ الشَّاهِدِينَ، وَإِذَا قَرَأَ ‏(‏فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ‏)‏ ‏[‏الْمُرْسَلَاتِ‏]‏ قَالَ آمَنْتُ بِاَللَّهِ، وَإِذَا قَرَأَ‏:‏ ‏{‏فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ‏}‏ الْمُلْكُ‏]‏ قَالَ‏:‏ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ‏.‏

المتن

وَ الذِّكْرِ

الشرحُ

‏(‏وَ‏)‏ يُسَنُّ تَدَبُّرُ ‏(‏الذِّكْرِ‏)‏ قِيَاسًا عَلَى الْقِرَاءَةِ، وَقَدْ يُفْهَمُ مِنْ هَذَا أَنَّ مَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ مَثَلًا غَافِلًا عَنْ مَدْلُولِهِ، وَهُوَ التَّنْزِيهُ يَحْصُلُ لَهُ ثَوَابُ مَا يَقُولُهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ فِيهِ نَظَرٌ‏.‏

المتن

وَدُخُولُ الصَّلَاةِ بِنَشَاطِ وَفَرَاغِ قَلْبٍ

الشرحُ

‏(‏وَ‏)‏ يُسَنُّ ‏(‏دُخُولُ الصَّلَاةِ بِنَشَاطٍ‏)‏ لِلذَّمِّ عَلَى تَرْكِ ذَلِكَ‏.‏ قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِذَا قَامُوا إلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى‏}‏ ‏[‏النِّسَاءُ‏]‏، وَالْكَسَلُ الْفُتُورُ عَنْ الشَّيْءِ وَالتَّوَانِي فِيهِ، وَضِدُّهُ النَّشَاطُ، وَأَنْشَدَ الشَّيْخُ أَبُو حَيَّانَ فِي ذَمِّ مَنْ يَنْتَمِي إلَى الْفَلَاسِفَةِ‏:‏ ‏[‏الْوَافِرُ‏]‏ وَمَا انْتَسَبُوا إلَى الْإِسْلَامِ إلَّا لِصَوْنِ دِمَائِهِمْ أَنْ لَا تُسَالَا فَيَأْتُونَ الْمَنَاكِرَ فِي نَشَاطٍ، وَيَأْتُونَ الصَّلَاةَ وَهُمْ كُسَالَى ‏(‏وَفَرَاغِ قَلْبٍ‏)‏ مِنْ الشَّوَاغِلِ الدُّنْيَوِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ أَعْوَنُ عَلَى الْخُضُوعِ وَالْخُشُوعِ، وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ‏:‏ يُكْرَهُ أَنْ يُفَكِّرَ فِي صَلَاتِهِ فِي أَمْرٍ دُنْيَوِيٍّ أَوْ مَسْأَلَةٍ فِقْهِيَّةٍ‏.‏ أَمَّا التَّفَكُّرُ فِي أُمُورِ الْآخِرَةِ فَلَا بَأْسَ بِهِ‏.‏ وَأَمَّا فِيمَا يَقْرَؤُهُ فَمُسْتَحَبٌّ‏.‏ فَائِدَةٌ فِيهَا بُشْرَى‏:‏ رَوَى ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مَرْفُوعًا ‏(‏إنَّ الْعَبْدَ إذَا قَامَ يُصَلِّي أُتِيَ بِذُنُوبِهِ فَوُضِعَتْ عَلَى رَأْسِهِ أَوْ عَلَى عَاتِقِهِ فَكُلَّمَا رَكَعَ أَوْ سَجَدَ تَسَاقَطَتْ عَنْهُ‏:‏ أَيْ‏:‏ حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْهَا شَيْءٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى‏)‏‏.‏

المتن

وَجَعْلُ يَدَيْهِ تَحْتَ صَدْرِهِ آخِذًا بِيَمِينِهِ يَسَارَهُ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَ‏)‏ يُسَنُّ ‏(‏جَعْلُ يَدَيْهِ تَحْتَ صَدْرِهِ‏)‏ وَفَوْقَ سُرَّتِهِ فِي قِيَامِهِ وَفِي بَدَلِهِ ‏(‏آخِذًا بِيَمِينِهِ يَسَارَهُ‏)‏ بِأَنْ يَقْبِضَ بِيَمِينِهِ كُوعَ يَسَارِهِ وَبَعْضَ سَاعِدِهَا وَرُسْغِهَا لِلِاتِّبَاعِ‏.‏ رَوَى بَعْضَهُ مُسْلِمٌ وَبَعْضَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْبَاقِي أَبُو دَاوُد، وَقِيلَ‏:‏ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ بَسْطِ أَصَابِعِ الْيُمْنَى فِي عَرْضِ الْمِفْصَلِ وَبَيْنَ نَشْرِهَا صَوْبَ السَّاعِدِ، وَالْأَصَحُّ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ أَنْ يَحُطَّ يَدَيْهِ بَعْدَ التَّكْبِيرِ تَحْتَ صَدْرِهِ، وَقِيلَ‏:‏ يُرْسِلُهُمَا ثُمَّ يَسْتَأْنِفُ نَقْلَهُمَا إلَى تَحْتِ صَدْرِهِ‏.‏ قَالَ الْإِمَامُ‏:‏ وَالْقَصْدُ مِنْ الْقَبْضِ الْمَذْكُورِ تَسْكِينُ الْيَدَيْنِ، فَإِنْ أَرْسَلَهُمَا وَلَمْ يَعْبَثْ بِهِمَا فَلَا بَأْسَ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ، وَالْكُوعُ هُوَ الْعَظْمُ الَّذِي يَلِي إبْهَامَ الْيَدِ وَالرُّسْغُ الْمِفْصَلُ بَيْنَ الْكَفِّ وَالسَّاعِدِ، وَأَمَّا الْبُوعُ فَهُوَ الْعَظْمُ الَّذِي يَلِي إبْهَامَ الرِّجْلِ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ ‏[‏الطَّوِيلُ‏]‏ وَعَظْمٌ يَلِي الْإِبْهَامَ كُوعٌ وَمَا يَلِي لِخِنْصِرِهِ الْكُرْسُوعُ وَالرُّسْغُ فِي الْوَسَطِ وَعَظْمٌ يَلِي إبْهَامَ رِجْلٍ مُلَقَّبٌ بِبُوعٍ فَخُذْ بِالْعِلْمِ وَاحْذَرْ مِنْ الْغَلَطِ‏.‏

المتن

وَالدُّعَاءُ فِي سُجُودِهِ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَ‏)‏ يُسَنُّ ‏(‏الدُّعَاءُ فِي سُجُودِهِ‏)‏ لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ‏(‏أَمَّا السُّجُودُ فَأَكْثِرُوا فِيهِ مِنْ الدُّعَاءِ فَقَمِنٌ‏:‏ أَيْ‏:‏ حَقِيقٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ‏)‏ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ ‏(‏أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ، وَهُوَ سَاجِدٌ فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ‏)‏ وَفِي لَفْظٍ‏:‏ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ وَرَوَى الْحَاكِمُ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ ‏(‏الدُّعَاءُ سِلَاحُ الْمُؤْمِنِ وَعِمَادُ الدِّينِ وَنُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ‏)‏ وَفِيهِ عَنْ ثَوْبَانَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ ‏(‏لَا يَرُدُّ الْقَدَرَ إلَّا الدُّعَاءُ وَلَا يَزِيدُ فِي الْعُمْرِ إلَّا الْبِرُّ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ‏)‏، وَفِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا ‏"‏ إنَّ الْبَلَاءَ لَيَنْزِلُ فَيَتَلَقَّاهُ الدُّعَاءُ فَيَعْتَلِجَانِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ‏"‏ وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مَرْفُوعًا ‏(‏مَنْ لَمْ يَسْأَلْ اللَّهَ يَغْضَبْ عَلَيْهِ‏)‏ وَيُبَالِغُ الْمُنْفَرِدُ فِي الدُّعَاءِ، وَمَأْثُورُ الدُّعَاءِ أَفْضَلُ، وَمِنْهُ ‏(‏اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي كُلَّهُ، دِقَّهُ وَجِلَّهُ، أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ، سِرَّهُ وَعَلَانِيَتَهُ‏)‏ رَوَاهُ مُسْلِمٌ ‏.‏

المتن

وَأَنْ يَعْتَمِدَ فِي قِيَامِهِ مِنْ السُّجُودِ وَالْقُعُودِ عَلَى يَدَيْهِ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَ‏)‏ يُسَنُّ ‏(‏أَنْ يَعْتَمِدَ فِي قِيَامِهِ مِنْ السُّجُودِ وَالْقُعُودِ عَلَى يَدَيْهِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ أَشْبَهُ بِالتَّوَاضُعِ، وَأَعْوَنُ لِلْمُصَلِّي، وَلِثُبُوتِهِ فِي الصَّحِيحِ عَنْ فِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَيْفِيَّةُ الِاعْتِمَادِ أَنْ يَجْعَلَ بَطْنَ رَاحَتَيْهِ، وَبُطُونَ أَصَابِعِهِ عَلَى الْأَرْضِ وَسَوَاءٌ فِيهِ الْقَوِيُّ وَالضَّعِيفُ‏.‏ وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي فِي الْوَسِيطِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏(‏أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا قَامَ مِنْ الصَّلَاةِ وَضَعَ يَدَهُ بِالْأَرْضِ كَمَا يَضَعُ الْعَاجِنُ‏)‏ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ وَإِنْ صَحَّ حُمِلَ عَلَى ذَلِكَ، وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالْعَاجِنِ الشَّيْخَ الْكَبِيرَ لَا عَاجِنَ الْعَجِينِ كَمَا قِيلَ‏:‏ ‏[‏الطَّوِيلُ‏]‏ فَأَصْبَحْتُ كُنْتِيًّا وَأَصْبَحْتُ عَاجِنًا وَشَرُّ خِصَالِ الْمَرْءِ كُنْتُ وَعَاجِنُ‏.‏

المتن

وَتَطْوِيلُ قِرَاءَةِ الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَ‏)‏ يُسَنُّ ‏(‏تَطْوِيلُ قِرَاءَةِ‏)‏ الرَّكْعَةِ ‏(‏الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ فِي الْأَصَحِّ‏)‏ لِلِاتِّبَاعِ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَفِي الصُّبْحِ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ‏.‏ وَيُقَاسُ غَيْرُ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَكَذَا يُطَوِّلُ الثَّالِثَةَ عَلَى الرَّابِعَةِ إذَا قَرَأَ السُّورَةَ فِيهِمَا كَالْأُولَى مَعَ الثَّانِيَةِ‏.‏ وَالثَّانِي أَنَّهُمَا سَوَاءٌ، وَرَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَنَقَلَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْجُمْهُورِ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ، وَحَمَلُوا الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَسَّ بِدَاخِلٍ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَا لَا نَصَّ فِيهِ وَلَا مَصْلَحَةَ فِي خِلَافِهِ‏.‏ أَمَّا مَا فِيهِ نَصٌّ بِتَطْوِيلِ الْأُولَى كَصَلَاةِ الْكُسُوفِ وَالْقِرَاءَةِ بِالسَّجْدَةِ وَهَلْ أَتَى فِي صُبْحِ الْجُمُعَةِ أَوْ بِتَطْوِيلِ الثَّانِي كَسَبِّحْ وَهَلْ أَتَاكَ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ أَوْ الْعِيدِ فَيُتَّبَعُ أَوْ الْمَصْلَحَةُ فِي خِلَافِهِ كَصَلَاةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ لِلْإِمَامِ فَيُسَنُّ لَهُ أَنْ يُخَفِّفَ فِي الْأُولَى، وَيُطِيلَ الثَّانِيَةَ حَتَّى تَأْتِيَ الْفِرْقَةُ الثَّانِيَةُ، وَيُسَنُّ لِلطَّائِفَتَيْنِ التَّخْفِيفُ فِي الثَّانِيَةِ لِئَلَّا يُطَوِّلَ فِي الِانْتِظَارِ وَيُطِيلَ الثَّانِيَةَ فِي مَسْأَلَةِ الزِّحَامِ لِيَلْحَقَهُ مُنْتَظِرُ السُّجُودِ‏.‏

المتن

وَالذِّكْرُ بَعْدَهَا

الشرحُ

‏(‏وَ‏)‏ يُسَنُّ ‏(‏الذِّكْرُ‏)‏ وَالدُّعَاءُ ‏(‏بَعْدَهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الصَّلَاةِ ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ بِأَنْوَاعٍ مِنْ الْأَذْكَارِ وَالْأَدْعِيَةِ، فَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ ثَوْبَانَ قَالَ ‏(‏كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا انْصَرَفَ مِنْ صَلَاتِهِ اسْتَغْفَرَ اللَّهَ ثَلَاثًا، وَقَالَ‏:‏ اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْكَ السَّلَامُ تَبَارَكْتَ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ‏)‏ قِيلَ لِلْأَوْزَاعِيِّ، وَهُوَ أَحَدُ رُوَاتِهِ كَيْفَ الِاسْتِغْفَارُ ‏؟‏ قَالَ يَقُولُ‏:‏ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، وَمِنْهَا مَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ‏(‏مُعَقِّبَاتٌ لَا يَخِيبُ قَائِلُهُنَّ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ، ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ تَسْبِيحَةً وَثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ تَحْمِيدَةً وَأَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ تَكْبِيرَةً‏)‏ وَفِي رِوَايَةٍ ‏(‏مَنْ سَبَّحَ اللَّهَ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَحَمِدَ اللَّهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَكَبَّرَ اللَّهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ ثُمَّ قَالَ تَمَامَ الْمِائَةِ‏:‏ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ غُفِرَتْ خَطَايَاهُ، وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ‏)‏‏.‏ قَالَ الْمُصَنِّفُ‏:‏ وَالْأَوْلَى الْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ فَيُكَبِّرُ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ، وَيَقُولُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ إلَخْ، وَرُوِيَ ‏(‏مَنْ قَالَ دُبُرَ صَلَاةِ الْفَجْرِ، وَهُوَ ثَانٍ رِجْلَهُ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ عَشْرَ مَرَّاتٍ كُتِبَ لَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ وَمُحِيَ عَنْهُ عَشْرُ سَيِّئَاتٍ وَرُفِعَ لَهُ عَشْرُ دَرَجَاتٍ وَكَانَ فِي يَوْمِهِ ذَلِكَ فِي حِرْزٍ مِنْ الشَّيْطَانِ‏)‏ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ‏.‏ وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ ‏(‏مَنْ قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ إلَّا أَنْ يَمُوتَ‏)‏ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ‏.‏ وَالْأَحَادِيثُ فِي الْبَابِ كَثِيرَةٌ، وَيُسَنُّ أَنْ يَبْدَأَ مِنْ هَذِهِ الْأَذْكَارِ بِالِاسْتِغْفَارِ، ‏(‏وَسُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الدُّعَاءِ أَسْمَعُ ‏؟‏ أَيْ‏:‏ أَقْرَبُ إلَى الْإِجَابَةِ قَالَ جَوْفَ اللَّيْلِ وَدُبُرَ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ‏)‏ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ‏.‏ وَقَدْ وَرَدَ فِي ذَلِكَ أَدْعِيَةٌ مَشْهُورَةٌ مِنْهَا مَا تَقَدَّمَ وَمِنْهَا مَا رَوَى أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ ‏(‏أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ بِيَدِ مُعَاذٍ وَقَالَ‏:‏ يَا مُعَاذُ وَاَللَّهِ إنِّي أُحِبُّكَ وَأُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لَا تَدَعَنَّ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ تَقُولُ‏:‏ اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ‏)‏ وَيُسَنُّ الْإِسْرَارُ بِالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ إلَّا أَنْ يَكُونَ إمَامًا يُرِيدُ تَعْلِيمَ الْمَأْمُومِينَ فَيَجْهَرَ بِهِمَا فَإِذَا تَعْلَمُوا أَسَرَّ‏.‏ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ‏:‏ وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُقْبِلَ عَلَيْهِمْ فِي الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ، وَالْأَفْضَلُ جَعْلُ يَمِينِهِ إلَيْهِمْ، وَيَسَارِهِ إلَى الْمِحْرَابِ، وَقِيلَ‏:‏ عَكْسُهُ، وَقَالَ الصَّيْمَرِيُّ وَغَيْرُهُ‏:‏ يَسْتَقْبِلُهُمْ بِوَجْهِهِ فِي الدُّعَاءِ، وَقَوْلُهُمْ‏:‏ مِنْ أَدَبِ الدُّعَاءِ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ مُرَادُهُمْ غَالِبًا لَا دَائِمًا، وَيُسَنُّ الْإِكْثَارُ مِنْ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ‏.‏ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ‏:‏ وَقَيَّدَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اسْتِحْبَابَ إكْثَارِ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ بِالْمُنْفَرِدِ وَالْمَأْمُومِ، نَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْمَجْمُوعِ لَكِنْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ‏:‏ يُسَنُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَخْتَصِرَ فِيهِمَا بِحَضْرَةِ الْمَأْمُومِينَ، فَإِذَا انْصَرَفُوا طَوَّلَ، وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ‏.‏ ا هـ‏.‏ وَهُمْ لَا يَمْنَعُونَ ذَلِكَ‏.‏

فَائِدَةٌ‏:‏

قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ‏:‏ خَاطَبَ اللَّهُ هَذِهِ الْأُمَّةَ بِقَوْلِهِ ‏(‏فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ‏)‏ ‏[‏الْبَقَرَةُ‏]‏ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَذْكُرُوهُ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ، وَخَاطَبَ بَنِي إسْرَائِيلَ بِقَوْلِهِ ‏(‏اُذْكُرُوا نِعْمَتِي‏)‏ ‏[‏الْبَقَرَةُ‏]‏؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَعْرِفُوا اللَّهَ إلَّا بِهَا‏.‏ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَتَصَوَّرُوا النِّعَمَ لِيَصِلُوا بِهَا إلَى ذِكْرِ الْمُنْعِمِ‏.‏

المتن

وَأَنْ يَنْتَقِلَ لِلنَّفْلِ مِنْ مَوْضِعِ فَرْضِهِ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَ‏)‏ يُسَنُّ ‏(‏أَنْ يَنْتَقِلَ لِلنَّفْلِ‏)‏ أَوْ الْفَرْضِ ‏(‏مِنْ مَوْضِعِ فَرْضِهِ‏)‏ أَوْ نَفْلِهِ لِتَكْثُرَ مَوَاضِعُ السُّجُودِ فَإِنَّهَا تَشْهَدُ لَهُ، وَلَوْ قَالَ‏:‏ وَأَنْ يَنْتَقِلَ لِصَلَاةٍ مِنْ مَحَلٍّ إلَى آخَرَ لَكَانَ أَشْمَلَ وَأَخْصَرَ وَاسْتَغْنَى عَنْ التَّقْدِيرِ الْمَذْكُورِ، قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ‏:‏ فَإِنْ لَمْ يَنْتَقِلْ فَلْيَفْصِلْ بِكَلَامِ إنْسَانٍ‏.‏ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ‏:‏ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ إذَا سَلَّمَ أَنْ يَقُومَ مِنْ مُصَلَّاهُ عَقِبَ سَلَامِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ خَلْفَهُ نِسَاءٌ‏.‏ قَالَ الْأَصْحَابُ‏:‏ لِئَلَّا يَشُكَّ هُوَ أَوْ مَنْ خَلْفَهُ هَلْ سَلَّمَ أَوْ لَا وَلِئَلَّا يَدْخُلَ غَرِيبٌ فَيَظُنَّهُ بَعْدُ فِي صَلَاتِهِ فَيَقْتَدِيَ بِهِ‏.‏ ا هـ‏.‏ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ وَالْعِلَّتَانِ يَنْتَفِيَانِ إذَا حَوَّلَ وَجْهَهُ إلَيْهِمْ أَوْ انْحَرَفَ عَنْ الْقِبْلَةِ‏.‏ ا هـ‏.‏ وَيَنْبَغِي كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ أَنْ يَسْتَثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ مَا إذَا قَعَدَ مَكَانَهُ يَذْكُرُ اللَّهَ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ إلَى أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَحِجَّةٍ وَعُمْرَةٍ تَامَّةٍ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَنَسٍ، أَمَّا إذَا كَانَ خَلْفَهُ نِسَاءٌ فَسَيَأْتِي‏.‏

المتن

وَأَفْضَلُهُ إلَى بَيْتِهِ، وَإِذَا صَلَّى وَرَاءَهُمْ نِسَاءٌ مَكَثُوا حَتَّى يَنْصَرِفْنَ

الشرحُ

‏(‏وَأَفْضَلُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الِانْتِقَالِ لِلنَّفْلِ مِنْ مَوْضِعِ صَلَاتِهِ ‏(‏إلَى بَيْتِهِ‏)‏ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏(‏صَلُّوا أَيُّهَا النَّاسُ فِي بُيُوتِكُمْ فَإِنَّ أَفْضَلَ صَلَاةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ‏)‏ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَسَوَاءٌ فِي هَذَا الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ وَمَسْجِدُ الْمَدِينَةِ وَالْأَقْصَى وَغَيْرُهَا لِعُمُومِ الْحَدِيثِ، وَالْحِكْمَةُ فِيهِ بُعْدُهُ مِنْ الرِّيَاءِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَثْرَةِ الثَّوَابِ التَّفْضِيلُ، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ ‏(‏إذَا قَضَى أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ فِي مَسْجِدِهِ فَلْيَجْعَلْ لِبَيْتِهِ نَصِيبًا مِنْ صَلَاتِهِ فَإِنَّ اللَّهَ جَاعِلٌ مِنْ صَلَاتِهِ خَيْرًا‏)‏ وَالْمُرَادُ صَلَاةُ النَّافِلَةِ، وَرُوِيَ ‏(‏اجْعَلُوا مِنْ صَلَاتِكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ وَلَا تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا‏)‏ وَرُوِيَ ‏(‏مَثَلُ الْبَيْتِ الَّذِي يُذْكَرُ اللَّهُ فِيهِ، وَالْبَيْتُ الَّذِي لَا يُذْكَرُ اللَّهُ فِيهِ مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ‏)‏ وَاسْتُثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ النَّافِلَةُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِفَضِيلَةِ الْبُكُورِ، وَرَكْعَتَا الطَّوَافِ، وَرَكْعَتَا الْإِحْرَامِ إذَا كَانَ فِي الْمِيقَاتِ مَسْجِدٌ، أَوْ خَافَ فَوْتَ الرَّاتِبَةِ لِضِيقِ وَقْتٍ، أَوْ بُعْدِ مَنْزِلِهِ، أَوْ خَافَ التَّهَاوُنَ بِتَأْخِيرِهَا، أَوْ كَانَ مُعْتَكِفًا وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ‏:‏ إذَا أَخْفَى نَافِلَتَهُ فِي الْمَسْجِدِ كَانَ أَفْضَلَ مِنْ الْبَيْتِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَلَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَسْجِدُ مَهْجُورًا أَوْ لَا ‏(‏وَإِذَا صَلَّى وَرَاءَهُمْ نِسَاءٌ مَكَثُوا‏)‏ أَيْ‏:‏ مَكَثَ الْإِمَامُ بَعْدَ سَلَامِهِ، وَمَكَثَ مَعَهُ الرِّجَالُ قَدْرًا يَسِيرًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَعَالَى ‏(‏حَتَّى يَنْصَرِفْنَ‏)‏ وَيُسَنُّ لَهُنَّ أَنْ يَنْصَرِفْنَ عَقِبَ سَلَامِهِ لِلِاتِّبَاعِ فِي ذَلِكَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَلِأَنَّ الِاخْتِلَاطَ بِهِنَّ مَظِنَّةُ الْفَسَادِ‏.‏ أَمَّا الْخَنَاثَى فَالْقِيَاسُ انْصِرَافُهُمْ فُرَادَى بَعْدَ النِّسَاءِ، وَقَبْلَ الرِّجَالِ‏.‏

المتن

وَأَنْ يَنْصَرِفَ فِي جِهَةِ حَاجَتِهِ، وَإِلَّا فَيَمِينَهُ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَأَنْ يَنْصَرِفَ‏)‏ الْمُصَلِّي بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ صَلَاتِهِ ‏(‏فِي جِهَةِ حَاجَتِهِ‏)‏ أَيَّ جِهَةٍ كَانَتْ إنْ كَانَ لَهُ حَاجَةٌ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَاجَةٌ أَوْ لَهُ حَاجَةٌ لَا فِي جِهَةٍ مُعَيَّنَةٍ ‏(‏فَيَمِينَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ فَيَنْصَرِفُ فِي جِهَةِ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ التَّيَامُنَ مَحْبُوبٌ نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ النَّصِّ وَالْأَصْحَابِ‏.‏ لَكِنْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الرِّيَاضِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَالصَّلَاةِ وَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ أَنْ يَذْهَبَ مِنْ طَرِيقٍ، وَيَرْجِعَ مِنْ أُخْرَى‏.‏ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ‏:‏ وَبَيْنَ الْكَلَامَيْنِ تَنَافٍ، وَقَدْ يُقَالُ‏:‏ إنَّهُ لَا تَنَافِيَ، وَيُحْمَلُ قَوْلُهُمْ‏:‏ أَنَّهُ يَرْجِعُ فِي جِهَةِ يَمِينِهِ إذَا لَمْ يُرِدْ أَنْ يَرْجِعَ فِي طَرِيقٍ أُخْرَى أَوْ وَافَقَتْ جِهَةَ يَمِينِهِ، وَإِلَّا فَالطَّرِيقُ الْأُخْرَى أَوْلَى لِتَشْهَدَ لَهُ الطَّرِيقَانِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ أَنْ يُقَالَ‏:‏ انْصَرَفْنَا مِنْ الصَّلَاةِ، وَهُوَ كَذَلِكَ، فَقَدْ نَقَلَ ابْنُ عَدِيٍّ فِي كَامِلِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ‏(‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا انْصَرَفَ مِنْ الصَّلَاةِ قَالَ‏:‏ اللَّهُمَّ بِحَمْدِكَ انْصَرَفْتُ وَبِذَنْبِي اعْتَرَفْتُ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا اقْتَرَفْتُ‏)‏، وَإِنْ أَسْنَدَ الطَّبَرِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ يُكْرَهُ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏(‏ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ‏)‏ ‏[‏التَّوْبَةُ‏]‏‏.‏

المتن

وَتَنْقَضِي الْقُدْوَةُ بِسَلَامِ الْإِمَامِ فَلِلْمَأْمُومِ أَنْ يَشْتَغِلَ بِدُعَاءٍ وَنَحْوِهِ ثُمَّ يُسَلِّمَ، وَلَوْ اقْتَصَرَ إمَامُهُ عَلَى تَسْلِيمَةٍ سَلَّمَ ثِنْتَيْنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَتَنْقَضِي الْقُدْوَةُ بِسَلَامِ الْإِمَامِ‏)‏ التَّسْلِيمَةَ الْأُولَى لِخُرُوجِهِ مِنْ الصَّلَاةِ بِهَا، فَلَوْ سَلَّمَ الْمَأْمُومُ قَبْلَهَا عَامِدًا بِلَا نِيَّةِ مُفَارَقَةٍ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَلَا تَضُرُّ مُقَارَنَتُهُ كَبَقِيَّةِ الْأَذْكَارِ، وَفَارَقَ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ بِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ فِي الصَّلَاةِ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهَا، فَلَا يَرْبِطُ صَلَاتَهُ بِمَنْ لَيْسَ فِي صَلَاةٍ، وَيُسَنُّ لِلْمَأْمُومِ أَنْ لَا يُسَلِّمَ الْأُولَى إلَّا بَعْدَ تَسْلِيمَتَيْ الْإِمَامِ كَمَا فِي التَّحْقِيقِ وَالْمَجْمُوعِ ‏(‏فَلِلْمَأْمُومِ‏)‏ الْمُوَافِقِ ‏(‏أَنْ يَشْتَغِلَ بِدُعَاءٍ وَنَحْوِهِ‏)‏ لِانْفِرَادِهِ فَلَا يَتَحَمَّلُ عَنْهُ الْإِمَامُ سُجُودَ السَّهْوِ حِينَئِذٍ فَيَسْجُدُ ‏(‏ثُمَّ يُسَلِّمُ‏)‏ وَلَهُ أَنْ يُسَلِّمَ فِي الْحَالِ‏.‏ أَمَّا الْمَسْبُوقُ فَيَلْزَمُهُ الْقِيَامُ عَقِبَ التَّسْلِيمَتَيْنِ إنْ لَمْ يَكُنْ جُلُوسُهُ مَعَ الْإِمَامِ مَحَلَّ تَشَهُّدِهِ، فَإِنْ مَكَثَ عَامِدًا عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ أَوْ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا لَمْ تَبْطُلْ، فَإِنْ كَانَ مَحَلَّ تَشَهُّدِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ، وَلَكِنْ يُكْرَهُ لَهُ تَطْوِيلُهُ كَمَا مَرَّ ‏(‏وَلَوْ اقْتَصَرَ إمَامُهُ عَلَى تَسْلِيمَةٍ سَلَّمَ‏)‏ ‏(‏هُوَ ثِنْتَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏)‏ لِإِحْرَازِ فَضِيلَةِ الثَّانِيَةِ وَلِزَوَالِ الْمُتَابَعَةِ بِالْأُولَى بِخِلَافِ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ مَثَلًا لَوْ تَرَكَهُ إمَامُهُ لَا يَأْتِي بِهِ لِوُجُوبِ مُتَابَعَتِهِ‏.‏

خَاتِمَةٌ‏:‏

سُئِلَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ هَلْ يُكْرَهُ أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ بِعَظِيمٍ مِنْ خَلْقِهِ كَالنَّبِيِّ وَالْمَلَكِ وَالْوَلِيِّ ‏؟‏ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ عَلَّمَ بَعْضَ النَّاسِ‏:‏ اللَّهُمَّ إنِّي أُقْسِمُ عَلَيْكَ بِنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ إلَخْ فَإِنْ صَحَّ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَقْصُورًا عَلَيْهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِأَنَّهُ سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ، وَلَا يُقْسَمُ عَلَى اللَّهِ بِغَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا فِي دَرَجَتِهِ، وَيَكُونُ هَذَا مِنْ خَوَاصِّهِ‏.‏ ا هـ‏.‏ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ‏.‏